ارشيف من :آراء وتحليلات
بعد زيارة الملك سلمان لموسكو: السعودية على المفترق
هناك واقع لا يجب ان يغيب عن اي باحث موضوعي، وهو ان النظام السعودي مرتبط وجوديا بالامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية، في جميع الحقول الفكرية والايديولوجية ـ الدينية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، الداخلية والخارجية (العربية والاقليمية والعالمية). وطبعا ان ذلك يشمل الزيارة الملكية السعودية الاخيرة الى روسيا. وهذا يعني ان النظام السعودي تقوده "غرفة عمليات" اميركية ـ يهودية تحكم وتأمر وتنهى في كل شيء يصدر من السعودية.
من وجهة النظر الواقعية هذه جرى تأخير الزيارة الملكية الى روسيا من سنة 2007 (سنة زيارة الرئيس بوتين الى السعودية وتوجيه الدعوة للملك الراحل عبد الله لزيارة روسيا) الى سنة 2017. والسبب هو ان السعودية كانت مشغولة ليس بتحسين العلاقات مع روسيا، بل بالمشاركة الرئيسية في التحضير وتنفيذ ما سمي "الربيع العربي" المشؤوم، الذي كان من اهم اهدافه الطرد الدموي التام للوجود الروسي الشرعي في البلدان العربية وخاصة في سوريا.
ولكن خلال الفترة المذكورة (2007 – 2017) حدثت وتأكدت الوقائع التالية:
-1- الفشل الذريع لسياسة العداء والمقاطعة والعقوبات الاقتصادية ضد روسيا، بما في ذلك التخفيض الكبير لاسعار النفط (بمشاركة السعودية) لاجل زعزعة الاقتصاد الروسي.
-2- فشل سياسة التهويل والمقاطعة والتجويع ضد كوريا الشمالية، التي فرضت امتلاكها للسلاح النووي والصواريخ الباليستية بعيدة المدى التي تهدد بها اميركا نفسها وجميع حلفائها (بما فيهم السعودية) في اسيا واوروبا وافريقيا.
-3- سقوط حكم "الاخوان" في مصر وفشل نظام اردوغان في انتزاع اجزاء من الاراضي العراقية والسورية واقامة "سلطنة عثمانية جديدة" تشمل هذه الاراضي بالاضافة الى مصر واجزاء من ليبيا وغيرها. واخيرا اضطرار نظام اردوغان للانتقال الى وضع الدفاع عن النفس بعد محاولة الاميركيين تنظيم الانقلاب ضده بسبب فشله.
-4- فشل الهجمة الداعشية الشرسة التي قادتها السعودية وقطر في العراق وسوريا ولبنان وصمود وتفوق جبهة المقاومة لا سيما بعد الدعم الجوي الذي تلقته من روسيا.
-5- الحرب العدوانية الغاشمة التي شنتها السعودية وحلفاؤها على الشعب اليمني المظلوم وارتكاب الفظائع التي ادت اخيرا الى انتشار وباء الكوليرا، بهدف فرض سيطرة الحكم اليمني العميل للسعودية. ولكن هذه الحرب الظالمة فشلت، وبدأت المقاومة الشعبية اليمنية هجومها المعاكس ضد السعودية وبدأت الصواريخ تتساقط خلف الحدود السعودية ذاتها، مما اصاب الاوساط الحاكمة السعودية بالهلع.
-6- انكفاء الدور الاميركي في منطقة الشرق الاوسط وتعاظم الدور الروسي بالتعاون مع ايران والحكومة العراقية وسوريا والمقاومة الوطنية الاسلامية في لبنان بقيادة حزب الله.
-7- ومما زاد الامور سوءا بالنسبة للسعودية توقيع الاتفاق النووي الدولي ـ الايراني، مما يفتح الطريق امام فك الحصار الاقتصادي ـ التسليحي على ايران، وهو ما اسهم في دفع ايران الى تطوير قدراتها العسكرية الدفاعية ولا سيما الصاروخية، الامر الذي بث الذعر في السعودية.
-8- واخيرا حاولت السعودية ان تجعل من قطر "كبش فداء" لتبرير كل هذا الفشل، فدب الخلاف بين قطر والسعودية التي دعمتها بعض الدول العربية الاخرى.
زيارة سلمان الى موسكو هل هي بداية تحول في السياسة السعودية؟
كل هذه الوقائع زعزعت الارض من تحت اقدام السلطة الجائرة في السعودية وعمّقت الخلافات داخل صفوف الاسرة الحاكمة ذاتها، التي بدأت تفكر في الدفاع عن وجودها اكثر من تفكيرها في الهجوم على "اعدائها" وخدمة المصالح الاميركية.
من هنا جاء قرار القيام بالزيارة الملكية الى موسكو ليس عن قناعة بضرورة اقامة علاقات صادقة مع روسيا كصديق حقيقي للشعوب العربية والاسلامية، بل كمحاولة للتمسك بخشبة خلاص لانقاذ الاسرة الحاكمة السعودية من الانهيار والسقوط الحتمي. وقد ضم الوفد ممثلين عن جميع التكتلات المتنازعة في العائلة الحاكمة. وكان يتألف من اكثر من الف شخص ومرافقيهم. ولم تعد هناك غرف شاغرة في فنادق الخمس نجوم في موسكو. وشارك في الوفد خبراء وممثلون عن جميع قطاعات الثقافة والتعليم والاعلام والسياسة الداخلية والخارجية والتجارة والصناعة والزراعة والسياحة والنفط والغاز والطاقة النووية والاتصالات والمواصلات والامن والعسكر. وبذلك اراد الجانب السعودي ان يعطي الانطباع انه يقوم بتحول جذري في سياسة المملكة، وانه سيقيم علاقات شاملة وثابتة ومتطورة مع روسيا. وقد تم التوقيع على عدد كبير من "بروتوكولات التفاهم" و"الاتفاقات الملموسة"، من اهمها موافقة روسيا على بيع السعودية منظومة S-400 للدفاع الجوي.
ولكن هذه المنظومة لا تحمي العائلة المالكة السعودية وقصورها ومدنها. لانها منظومة غالية الثمن وقليلة الاعداد مخصصة لصد الطيران الحربي المعادي والصواريخ البالستية النووية والصواريخ المجنحة وما اشبه، وليست مخصصة لصد الصواريخ "العادية".
وفي هذا الصدد نذكر ان السيد حسن نصر الله اطال الله عمره قال ان حزب الله اصبح يملك اكثر من 100 الف صاروخ، وهذا ما يرعب اسرائيل لانها تعلم ان كل الصواريخ المضادة الخاصة بـ"قبتها الحديدية" لا تكفي لرد موجات صواريخ حزب الله اذا نشبت حرب جديدة بين اسرائيل ولبنان.
وبالنسبة لمنظومةS-400 فإن كل وحدة منها تمتلك اربعة صواريخ مضادة اي انها تستطيع ان تصطاد 4 صواريخ معادية فقط. فاذا كان الثوار اليمنيون الاشاوس قد بدأوا في حفر قاعات خاصة وحولوها الى محترفات لصناعة الصواريخ العادية وحفروا صوامع لعشرات الاف من هذه الصواريخ في بطون جبالهم العاتية، فإن السعودية ستندم اشد الندم على جرائمها في اليمن.
والسعودية الان تأمل ان تتوسط روسيا لانقاذها من ورطتها اليمنية (وغير اليمنية). ولكن جرائم الحرب ينبغي ان يكون لها ثمن. فحتى لو نجحت الوساطة الروسية، هل تستطيع السعودية ان تدفع ثمن جرائم الحرب التي ارتكبتها ضد اليمن وسوريا والشعوب العربية الاخرى وضد روسيا ذاتها واميركا والبلدان الاوروبية بواسطة عصابات "القاعدة" والدواعش المرتبطين بالاوساط التكفيرية والمخابراتية السعودية؟!