ارشيف من :آراء وتحليلات
الصين الشعبية على عتبة قفزة تطور كبرى
لدى انهيار المنظومة السوفياتية والاتحاد السوفياتي السابقين، تم الانتقال في روسيا الى النظام الرأسمالي بطريقة انقلاب خائن، معاد للاشتراكية وللوطنية الروسية ذاتها، واتخذ هذا الانقلاب تاريخيا اسم الغورباتشوفية. ولكن بعد اسقاط حكم الخائن يلتسين، واستلام السلطة من قبل كتلة بوتين العسكرية ـ المخابراتية، ذات التوجه القومي الروسي، نشأ نظام سلطوي مركزي، سياسيا وامنيا وعسكريا، يتزاوج مع نظام رأسمالي ـ ليبيرالي موجه، يخضع خضوعا تاما للسلطة السياسية القومية المركزية.
أما في الصين الشعبية، فقد وقعت فيها صراعات ايديولوجية ـ سياسية هائلة أسفرت خلال "الثورة الثقافية" (1966 وما بعد) عن سقوط ملايين القتلى، وسجن وإعدام بعض القادة التاريخيين للحزب الشيوعي الصيني. ولكنها تمخضت أخيرا عن إرساء قواعد النظام الصيني الجديد الذي يقوم على المبادئ الرئيسية التالية:
-1- الاحتفاظ بقيادة الحزب الشيوعي للدولة والمجتمع، وعدم السماح بالديمقراطية ذات الطراز الغربي القائم على التعددية الحزبية. وفي هذا الصدد تم سحق انتفاضة تيان آن مين بالدبابات سنة 1989.
-2- الاحتفاظ بالنظام الاشتراكي باعتباره القاعدة الأساس والهدف الأسمى للدولة والمجتمع.
-3- السماح التدريجي بعودة النظام الرأسمالي في الصين، الى جانب القطاع الاشتراكي، وذلك تحت شعار "دولة واحدة ونظامان". وتحت هذا الشعار سمح بالاستثمارات الأجنبية، وبنشوء طبقة رأسمالية صينية جديدة. ومع تطبيق آليات عمل السوق الرأسمالية، حتى في القطاع الاشتراكي، نشأ ايضا قطاع ومشاريع مختلطة "اشتراكية ـ رأسمالية"، صينية خاصة واجنبية.
-4- ظل الحزب الشيوعي يوصف بأنه حزب الطبقة العاملة. ولكنه سمح لأصحاب الملايين من الصينيين الجدد بالانتساب الى الحزب وبالوصول الى المراكز القيادية.
وبقي الحزب، ومن خلفه الجيش الشعبي الصيني الذي يعتبر العمود الفقري للدولة الصينية، يقود هذه العملية السياسية ـ الاجتماعية المركبة التي اتاحت للصين التقدم خطوات كبرى الى الامام على الصعيد الاقتصادي والتحول الى اول دولة في العالم على مستوى إجمالي الانتاج. وهي تناضل من أجل احتلال المركز الأول في الانتاج على أساس الفرد.
وفي 16 تشرين الاول الجاري (2017) عقد المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي يتزعمه سي تسين بين، رئيس الجمهورية، وسينتخب المؤتمر قيادة جديدة للحزب حتى انعقاد المؤتمر التالي بعد 5 سنوات.
مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني
وبوصفه الامين العام للحزب القى الرئيس سي خطابا افتتاحيا دعا فيه الى النضال "بالقول والعمل" لاجل الاحتفاظ بهيبة ونفوذ الحزب الشيوعي الصيني. ووعد بنشوء "عهد جديد" من "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية". وقال "ينبغي ان نقف بوجه اي عمل يسيء الى مصالح الشعب الصيني او يبعد الحزب عن الشعب". و"اذا نجح حزبنا في توحيد وقيادة الشعب فنحن يمكننا ان نقف بوجه جميع المخاطر وان نتغلب على جميع الاوضاع". هذا مما قاله الرئيس في عرضه للتطور المأمول حتى سنة 2050، ونفى اي امكانية لنشر الليبيرالية الغربية في النظام الصيني المركب. وتوقع ان تصبح الصين دولة جبارة اذا حافظ العالم على الاستقرار. وقال: حتى سنة 2035 سوف نبني القاعدة الضرورية لمجتمع متوسط الاكتفاء، وحتى سنة 2050 وبفضل العمل الدؤوب سنتوصل الى التحديث الكامل. وتصبح الصين دولة اشتراكية حديثة، غنية، جبارة، دمقراطية، منسجمة وحضارية.
ان التحديات القائمة، ولا سيما الاقتصادية، هي كبيرة، ولكن مستقبل الصين سيكون مشرقا.
وأشار الرئيس سي الى نشوء "بعض المشكلات الحادة نتيجة للنمو الاقتصادي غير المتوازن" و"امامنا طريق طويل للمحافظة على البيئة". وحسب كلماته كما نقلتها وكالة رويترز فإن السلطات الصينية سوف تترك آليات السوق كي تقرر توجيه الموارد. وسيواصل الاقتصاد الصيني انفتاحه، والاصلاحات المالية ستصبح اعمق. وفي الوقت ذاته سيزداد نمو دور شركات الدولة في الاقتصاد. واعلن الرئيس سي ان الصين سوف تحدّث قواتها المسلحة وتنمي قدراتها.
وقال: ان الحملة ضد الفساد تتسارع باضطراد، وقد ادت الى توطيد مواقع الحزب الشيوعي الصيني، ولم يكن يوجد اي تسامح مع الفساد داخل الحزب. وستقول وسائل الاعلام الغربية انه في الحملة على الفساد تمت معاقبة 1،3 مليون شخص في عهد الرئيس سي تسين بين، كما وذكر سي في كلمته انه "يفكر باشتراكية ذات طابع صيني، تقود الى عصر جديد"
وقد دامت كلمة الرئيس سي ثلاث ساعات واستمع اليها مندوبو المؤتمر الذين يمثلون 89 مليون عضو في الحزب الشيوعي الصيني. ومن المرجح ان يتم انتخاب سي تسين بين لولاية جديدة.