ارشيف من :آراء وتحليلات
لعبة استهداف حزب الله: مقامرةٌ أكبر من لبنان!
(باحث في إدارة المنظومات والشؤون الإستراتيجية)
في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة، قد يُخطئ البعض في لعبة الحسابات. فالتحولات الجارية على الصعيدين الإقليمي والدولي، تحتاج الى حكمةٍ في تقدير المواقف وفهم الدلالات ومعرفة المصلحة الوطنية. وهو ما قد لا يجيده البعض في لبنان، نتيجة غرقهم في الرهانات الخارجية. لكن المشكلة اليوم، تختلف عن السابق، حيث إن الدخول في رهانات الخارج دون مراعاة المصلحة، سيكون من الأمور المُكلفة جداً، في ظل وضعٍ متأزم، يتميَّز بتناقض المصالح وتسارع الأحداث وتغيُّر حسابات الدول، الأمر الذي بات يستلزم الفصل بين المصلحة الوطنية الشاملة أو ما يُصطلح عليه بالأمن القومي اللبناني، والنكايات السياسية التي يتم استثمارها في زواريب الحسابات المرحلية الضيقة. فإذا كانت الإدارة الأمريكية اتخذت قرارها باستهداف حزب الله، وهو ما يُعتبر طبيعياً، فما هي مصلحة البعض للدخول على خط هذا الصراع أو لجعل أنفسهم طرفاً فيه؟ وهل يُدرك هؤلاء أن اللعب في الملفات الحساسة مُكلفٌ جداً؟
متى يقتنع البعض بأن لقوة حزب الله علاقة مباشرة بالاستقرار اللبناني؟
المسألة اليوم ليست مسألة مُؤيدٍ لحزب الله أو معارض، بل المسألة تتعلق بحجم الوعي السياسي والقراءة الدقيقة للمشهد الإقليمي والدولي، في ظل مراهنةٍ من قِبل البعض على أهمية الاستقرار اللبناني بالنسبة لمصالح الغرب وتحديداً واشنطن. قناعةٌ ترسَّخت مع مرور الزمن، لم تتعلق يوماً بالمحبة الجامحة التي توليها أمريكا للبنان بقدر ما هي حقيقة رسَّختها معادلات حزب الله في إدارة الصراع، حزب الله ذاته الذي تسعى واشنطن لكسره اليوم، على اعتبار أنه نقطة قوة محور المقاومة المركزية! فمتى يقتنع البعض بأن لقوة حزب الله علاقة مباشرة بالاستقرار اللبناني؟ وهل يعرف هؤلاء ما يعنيه ذلك بالنسبة للأمن القومي اللبناني؟
المرحلة الحالية واختلافها عن سابقاتها
اليوم، وفي ظل عالمٍ تفتقد فيه أغلب الدول للاستقرار، يراهن البعض على جلب الاستقرار اللبناني من خلال الدخول في حسابات الخارج، على الرغم من وجود إمكانية لصياغة ذلك بالاعتماد على الداخل. ولعل الأهم في المرحلة الحالية هو القيام بالقراءة الدقيقة للواقعين الإقليمي والدولي لمعرفة ما يهمُّ لبنان. وهنا نُشير للتالي:
أولاً: أدركت أمريكا أنها ليست قادرة على تغيير المسار الإستراتيجي لمعادلات المنطقة والتي نتجت عن الربيع العربي وصولاً الى الحرب السورية، إلا من خلال إدارتها لنتائج الصراع وبشكل غير تقليدي. وهو ما تؤكده استراتيجية "أولبرايت - هادلي" والتي تُعتبر الإستراتيجية الأخيرة لأمريكا والتي أُقرت في تشرين الثاني من العام المنصرم بعد أقل من شهر على وصول دونالد ترامب.
ثانياً: على الرغم من الخطاب الأمريكي العالي النبرة، لا سيما ضد إيران وروسيا، فإن العقلاء في واشنطن، وفي محاولة للعمل بتوصيات الإستراتيجية الأخيرة، يُؤمنون بضرورة التعاطي مع التحولات في الشرق الأوسط من خلال إشغال الأطراف المنافسة أو العدوة للسياسة الأمريكية بأزمات مُختَلَقة في ما بينهم وضمن مناطق نفوذهم الجديدة، مع التمييز في إدارة العلاقة مع هذه الأطراف، حيث إن روسيا طرف يمكن السعي لإيجاد شراكة معه، على عكس إيران التي أيقنت واشنطن أنه لا يمكن دفعها لأي شراكة وهو ما لم ينجح بعد الاتفاق النووي.
ثالثاً: أيقنت تل أبيب أنها باتت أمام واقع جديد لن تستطيع معه مواجهة تعاظم قوة محور المقاومة خصوصاً حزب الله الذي تعتبره الخطر الأكبر لأسباب جيوعسكرية استراتيجية. فقد توصلت القراءة الإسرائيلية للواقع الحالي، الى وجود تباين في المصالح بينها وبين الأطراف الدولية، حيث إن روسيا وإن تغاضت عن بعض المشاكسات الإسرائيلية فهي ليست قادرة على ردع حزب الله الذي يتخطى بطاقاته وقدراته حسابات جميع اللاعبين على الساحة السورية والإقليمية. فيما يبقى الاختلاف الأمريكي الإسرائيلي يتعلق بتكتيك الحرب على لبنان، حيث تُصر تل أبيب على ضرورة جر لبنان بأسره الى الحرب ضدها وهو ما ترفضه واشنطن معتبرةً أن حصر أي حربٍ بحزب الله فقط هو الخيار الأفضل، منعاً لترسيخ المعادلة الذهبية التي خرجت بها معركة الجرود والتي أبرزت إمكانية التنسيق العملياتي بين الجيش اللبناني والمقاومة.
أيقنت تل أبيب أنها باتت أمام واقع جديد لن تستطيع معه مواجهة تعاظم قوة محور المقاومة خصوصاً حزب الله
بالنتيجة، إن الاستقرار، مفهومٌ تسعى الدول لتحقيقه كهدفٍ مركزيٍ لسياساتها. وهو ما يرتبط بالأمن القومي والقدرة على صيانته. وهنا فليس جديداً القول إن لبنان نجح أكثر من غيره في التخفيف من انعكاسات أزمات المنطقة منذ الربيع العربي حتى الحرب السورية. لم يكن ذلك صدفة. فالموقع الجيوستراتيجي للبنان، كفيلٌ بوضعه في دائرة الخطر. لكن حكمة حزب الله في إدارة نقاط قوته، وقراءته الدقيقة لمسارات الأحداث، وفهمه للواقع اللبناني ومشهد المنطقة، ساهم في تحصين الساحة اللبنانية أمام محاولات الاستهداف. إدارةٌ للصراع على قاعدة إدارة القوة وليس استخدامها. اليوم، يبدو واضحاً أن استهداف حزب الله هو الأولوية المقبلة لواشنطن. قد يعتبر البعض أن ذلك ليس بجديد، لكن الصراع اليوم بأدواته وتكتيكاته يختلف عن السابق. وأمام هذا الواقع، يجب على اللبنانيين تحديد مصلحتهم، التي تُساهم في تقوية منظومة الأمن القومي اللبناني. وهو ما لا يمكن أن يتم عبر التآمر على حزب الله. فإذا كانت واشنطن تعتبر أن الساحة اللبناينة يجب أن تبقى ساحة لتوجيه الرسائل الإقليمية إما لتأجيج الصراعات والمواجهات أو لفرض التسويات، فحذارِ من دخول البعض في لُعب الكبار.