ارشيف من :آراء وتحليلات
العدو يراهن ويعتدي.. وينتظر
روَّج العدو لمقولة أنه لم يتعمد اسقاط عدد كبير من الشهداء الفلسطينيين، ولا استهداف كوادر من صفوف المقاومة، خلال استهدافه احد انفاق حركة الجهاد الاسلامي في قطاع غزة.
مع أن هذه المقولة أحدثت خلافا داخل معسكر اليمين، بين من رأى فيها اعتذارا مرفوضا على استهداف مقاومين فلسطينيين، في مقابل من اعتبرها جزء من متطلبات الامن الإسرائيلي، لكنها كشفت عن تكتيك إسرائيلي يستهدف امتصاص غضب الشارع الفلسطيني وفي محاولة لثني المقاومة عن رد قاس على هذه الجريمة.. مع ذلك، ما زال العدو يعيش حالة من الجهوزية غير المعلنة، إلا بقدر، تحسبا لرد من قبل الجهاد الاسلامي، انطلاقا من تقدير أن فعالية القيود السياسية عليه أقل من غيره، ومن أن حجم الجريمة لا يمكن السكوت عنها.
جندي صهيوني داخل أحد الانفاق
لماذا بادر العدو إلى ارتكاب مجزرة بحق المقاومين الفلسطينيين، في هذا التوقيت بالذات؟ والى ماذا استند في رهاناته، وما هي أهدافه الحقيقية من وراء هذا العدوان؟
على المستوى العملاني، يأتي استهداف النفق التابع لحركة الجهاد، كجزء من مواجهة العدو لهذا التكتيك القتالي الذي تحول إلى سلاح فعال في قطاع غزة.. وبات سكان مستوطنات غلاف غزة يعيشون حالة الرعب من امكانية تغلغل هذه الانفاق من تحت مستوطناتهم، وأثبت هذا التكتيك القتالي فعاليته خلال العدوان الاخير على قطاع غزة، الجرف الصامد، قبل نحو ثلاث سنوات.
وهدَفَ العدو إلى فرض خطوط حمراء تتصل ببناء الانفاق، في محاولة لفرض معادلة تكبح استمرار حفرها، في الوقت نفسه عمدت أجهزة العدو إلى الترويج لمقولة أن “إسرائيل” اكتشفت الوسيلة المجدية لاكتشاف الانفاق التي تحولت إلى كابوس بالنسبة للمستوطنين.
على المستوى السياسي والردعي، هدف العدو ايضا، إلى استغلال المصالحة الفلسطينية، لفرض معادلة جديدة تتصل بمجمل معادلة الردع القائمة بين جنوب “إسرائيل” وقطاع غزة. خاصة وأن المقاومة كانت ترد على أقل بكثير من المجزرة التي تم ارتكابها، لذلك السؤال الجوهري، إلى ماذا استند العدو في تقديراته، وهل استبعد الرد الفلسطيني، ولماذا؟
سعى العدو من خلال حملة دعائية وسياسية إلى محاولة انتزاع مشروعية يبرر من خلالها ضربته، انطلاقا من الخطر الذي تشكله الانفاق على أمن المستوطنات في غلاف غزة. وهدفَ من وراء ذلك إلى أن لا يبدو كمن يعرقل مسار التسوية الداخلية في الساحة الفلسطينية.
حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين المحتلة
الواضح أن السيناريوهات التي حُضرت، يمكن حصرها بين خيارين، إما رد فلسطيني يستدرج رداً إسرائيلياً مضاداً والتدحرج نحو مواجهة ما، وهو ما سيحرج السلطة الفلسطينية التي عادت إلى القطاع، ويضعها أمام اختبار تحديد موقف من اثنين: اما التصدي للمقاومة واختبار قدرتها على ضبط الاوضاع.. أو تقديمها كمتواطئة معها، إسرائيليا واميركيا...
أو عدم الرد تجنبا للسيناريو المشار اليه، وفي هذه الحالة، تكون “إسرائيل” نجحت في تحويل المصالحة إلى فرصة عبر جعلها قيدا على المقاومة الفلسطينية.
لكن الاشكالية، أن نفس المعطيات والتقديرات (المحافظة على المصالحة) التي قد تدفع الطرف الفلسطينيي لتجنب الرد في هذه المرحلة، ستحضر غداً رداً على أي اعتداء إسرائيلي اضافي.. واذا ما كانت فصائل المقاومة سترد لاحقاً على الضربة الثانية... أو الخامسة... فالافضل عندها أن ترد منذ الآن.. تفاديا لهذا المسلسل الذي سيؤدي إلى المزيد من الشهداء والضحايا، وسيعزز جرأة “إسرائيل” على الاعتداء.
وإن لم تكن سترد عندها تكون “إسرائيل” قد نجحت في فرض معادلتها، لكن هذه المرة من البوابة السياسية...
الملاحظ ايضا، أن العدو استهدف الطرف الفلسطيني، الجهاد، (مع الاشارة إلى أن الشهداء كانوا من الفصيلين المقاومين) الذي لا علاقة له بالمصالحة التي جرت بين حماس وفتح، وبالتالي يفترض للوهلة الاولى أنه غير معني بالقيد السياسي، وبالتالي من الطبيعي أن يندفع للرد الفوري والمباشر.
في المقابل، يفترض بحسب التقدير الإسرائيلي، أن تسعى حركة حماس إلى ثني حركة الجهاد عن الرد، انطلاقا من حرصها على نجاح المصالحة، وهكذا يصبح من الواضح أن هدف العدو ايضا، ايجاد شرخ بين فصائل المقاومة.
في كل الاحوال، الواضح أن الاعتداء الإسرائيلي كشف عن حقيقة أن المصالحة الفلسطينية لم تلزم تل أبيب بأي سقف سياسي أو أمني، ولم تسلبها أو تقيدها عن المبادرة إلى شن اعتداءات ضد الفلسطينيين.. لكنه كشف ايضا عن أن العدو لا يوفر أي فرصة سياسية كانت أو غير سياسية، للنيل من الشعب الفلسطيني ومقاومته.
مع ذلك، يصبح مفهوما التقدير السائد في "تل أبيب" بأن حركة الجهاد، تسعى للرد بما يتناسب ولا يؤدي إلى نشوب حرب اضافية، وهو ما دفع القيادة الاسرائيلية للمحافظة على درجة من الجهوزية والاستعداد تحسبا، وبانتظار رد مؤلم يجهض رهاناته.