ارشيف من :آراء وتحليلات
الحريري في الرياض، ماذا وراء ’الأسـر’!.
لم يشهد التاريخ سابقة كتلك التي عرفها لبنان الأحد المنصرم، رئيس حكومة وقطب سياسي كبير يُستدعى إلى دولة أخرى ويُكره منها على تقديم استقالته أو بالأحرى على تلاوتها باعتبار النص كتبه قلم أخر غير قلمه. كان هذا واضحاً من الصياغة إلى نبرة الصوت، والمحطة التي منها أُذيعت الأستقالة. إنها لوقاحة ما بعدها وقاحة واعتداء على السيادة ما كان يمكن ان يقع ـ ولم يسبق وقوعه ـ ولبنان في ظل الانتداب!، إلا عندما اعتقل الانتداب أواخر أيامه رئيسي الجمهورية والحكومة، يومها انتفض الفريق الوطني وكان بعده من أمر الانتذاب ما كان، فيما لم نجد من فريق رئيس الحكومة، من سأل أو تسائل، جميعهم طأطأوا رؤسهم واخذوا من كبيرهم لصغيرهم يرددون الذرائع التي اختبأت خلفها السعودية في حملتها المفتعلة الأخيرة على لبنان وحزب الله وايران، متناسين الصفعة في ان رئيس وزراء لبنان قيد الأحتجاز الفعلي!!.. فكيف وقد تلازم ذلك بانقلاب شهدته المملكة أطاح برؤس كبيرة، وبأجواء ضبابية وإشاعات، وأقاويل، تستوجب التحفز والمسآءلة على الأقل؛ أليس سعد الحريري كبيرهم ومرجعهم وزعيمهم، هذا فضلاً عن انه بحكم موقعه رمزاً وطنياً لكل لبنان، وأحد رموز 14 أذار التي يتباهون بأنها " ثورة من اجل السيادة والحرية". ترى اية حرية هذه وأية سيادة تبقت بعد هذا الخطف المعنوي والجسدي لرئيس حكومة دولة مستقلة ذات سيادة. أم أن السيادة مسألة نسبية تُسآل عنها سوريا فيما هي للحقيقة لم تتجاوز بحق حليف من حلفائها كما فعلت السعودية مع حليفها الرئيس الحريري. ولم يتجاوز احدٌ من ساستها بحق لبنان ليقرر كما فعل السبهان في قوله: "إن لبنان قبل الأستقالة ليس كما بعدها" ، لكن يبدو ان الكرامة الوطنية عند هذا الفريق رهن بمن يدفع لتُنكس عنده رايات " الحرية والسيادة والأستقلال"، وتخر الرجولة والنخوة ساجدة تحت قدميه! ، فلا أخلاق ولا ذاكرة تستبقي مكاناً للوفاء، وفاء لولي نعمتهم الشهيد رفيق الحريري!، وابنه اليوم قيد الأسر!.
إن ما اقدمت عليه السعودية وضعها في مأزق اظهر زيف دعاويها التي يرددها صباح مساء فريقها اللبناني؛ فمن ذا الذي يتدخل في شؤون لبنان ويفرض وصايته عليه، طهران أم الرياض !!، اليس ما حدث أستخفاف بلبنان وشعبه. كما وشكل اغتيالاً سياسياً للزعيم الأول لأهل السنة في لبنان وبيدٍ سعودية التي مافتئت تدعي أنها رمز السنة وحاضنتهم في لبنان والعالم العربي والعالم الأسلامي !
معركة العرش
قبل ايام كان الحريري في زيارة للرياض وعاد منها متفائلاً ناقلاً حرص السعودية على النأي بلبنان عما يدور في المنطقة، ومبشرا بدعم سعودي للبنان، ومستبشراً بانعقاد مؤتمر "باريس 3" ، فهل غيرت السعودية سياستها في ظرف 48 ساعة !! . إن فتح النار من فريق محمد بن سلمان على حزب الله بوتيرة عالية، مع تهديد لبنان بالويل والثبور فيما لو لم "يضع حداً لسلاح المقاومة" ، افتعال يأتي هذه المرة من باب فائض الأستزلام لأمريكا طلباً لمباركتها للزلزال الذي أحدثه، ومزايدة في إبداء (النوايا الطيبة) تجاه الكيان الصهيوني من جهة أخرى كيما يقوم اللوبي الصهيوني بتسويق محمد بن سلمان داخل مواقع القرار في واشنطن وبها يحسم معركة العرش لصالحه كما يعتقد، وهي للعلم لم تحسم بعد ودونها مراكز قوى في المملكة من امراء وعائلات وعشائر نافذه غير موالية له . أما حجز الرئيس في المملكة فهو يشير إلى أن الرجل لم يعد موثوقاً من محمد بن سلمان وفريقه، بعد أن "عقلن علاقته" مع حزب الله ، ثم إشارات الرئيس الحريري للمشاركة في إعمار سوريا، وهو كان الموضوع الأول في مباحثاته مع الرئيس بوتين في لقائهم الأخير واعداً الأخير بالتوسط فيه مع سوريا. وبما ان الأخيرة تستبعد السعودية فيما تستبعد من عملية إعادة اعمارها، فقد راى الفريق الحاكم في السعودية أن مساعي الحريري تلك هي محاولة لأستقلال مالي عن السعودية تمكنه من التفلت من وصايتها، بل والأرتباط من باب المصلحة بدمشق على المدى المتوسط إذا ما توفر له أو لشركاءه إمكانية المشاركة في إعمار سوريا. ولكي يبقى الرئيس سعد الحريري في شباكهم جرى على ما يبدو ترتيب ملف إفساد او تبيض أموال يطاله دولياً هذا فيما لو أفلت من قبضتهم أو أمكن سحبه من المملكة إذا ما لجاء لبنان إلى الأقنية الدبلوماسية؛ أما الأدعاء بوجود مؤامرة لأغتياله فيما نفت اجهزة الأمن اللبنانية ذلك إنما يقع في خانة التهديد لكي لا يفكر الحريري بقطع خيوط الشباك العالق بها!، فقد علمتنا تجارب الماضي أن من يُحذٍّر من وجود مؤامرة للتصفية إنما يفعلها ليغطي نفسه، متى قرر هو ان يرتكب جرم التصفية !.
إن سحب الرئيس الحريري من وكر العقارب وإحاطته بالحماية الضرورية لا يأتي وحسب من باب النجدة الأنسانية، وإنما ايضاً رد اعتبار للبنان الذي أُهين بهذا الأسر لرئيس حكومته ولقطب من كبار أقطابه السياسين. إنه لأمر بيد ساسة لبنان ان يتكاتفوا كي تعلو بهم أسوار الدار، وعندها كل تهديدات السبهان والجبير لا تجدي.. أعجبني ما سمعته بهذا الخصوص من وزير الداخلية السابق مروان شربل في مقابلة تلفزيونية قال فيها مشكلة لبنان مع السعودية يختصرها المثل الشعبي: " ما قدر على مراتو فضرب ولادو" ويتابع إذا كانت مشكلتهم مع حزب الله بوصفه في عرفهم (فصيلاً لإيران)، فليختصروا الطريق وينازلوا ايران ..أجل هذا هو المنطق، طبعاً إذا استطاعوا إليها سبيلا !!!. وإلا فليسعوا إلى تسوية تداركاً للمزيد من الخسائر تصيبهم.
(*) كاتب لبناني