ارشيف من :نقاط على الحروف
’نيوم’ مشروع ابن سلمان إلى ’نيو سعودية’ .. والمحور ’إسرائيل’ ( 1 من 2)
لم يعد هناك شك لدى أي مراقب بأن السعودية وصلت إلى مرحلة متقدّمة ولم يعد بإمكانها أن تتراجع أو تعيد النظر عما وصلت إليه، ويبدو حاكمها الفعلي محمد بن سلمان مصرّا على إكمال الطريق الذي يسير فيه دون أي تراجع أو تردّد، وهذه المرحلة لن تقف عند الكمّ الهائل وغير المسبوق من عمليات العزل والاعتقال التي طالت وتطال الوزراء والأمراء ورجال الأعمال والدعاة وأئمة المساجد، ولن تقتصر على القرارات "الجريئة" التي تفتح السعودية على "ثقافة" جديدة تضرب في العمق كل القوالب الدينية التي أنشئ الحكم الوهابي على أساسها، بل إن المسألة ستصل إلى محطة نهائية تتموضع فيها المملكة في إطار محاور استراتيجية تتصّل بالرؤية الأمريكية – الإسرائيلية لمستقبل المنطقة والأدوار المرسومة لأنظمتها.
الشباب .. أصل الحكاية
في العام 1998 ألقى ثيودور قطوف، وهو سفير أميركي سابق وشغل إدارة مؤسسة "أميديست"، كلمة في جلسة استماع للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميريكي قال فيها: "التعليم الليبرالي هو الحل الأفضل لإلهام جيل جديد في العالم العربي والاسلامي".. وفي العام 2001 أصدرت وكالة التنمية الإنسانية العربية التابعة لبرنامج الأمم المتحدة الانمائي تقريرها السنوي وأعلنت فيه بكل وضوح أن المستقبل في منطقة الشرق الأوسط سيكون للشباب، ومنذ ذلك الحين ركّزت التقارير السنوية للوكالة نفسها على "الاستثمار في الشباب"، وكان عنوان التقرير الأخير للعام 2016: "الشباب وآفاق التنمية واقع متغير".
كانت مديرة برنامج الأمم المتحدة الانمائي "هيلين كلارك" واضحة وصريحة حين تحدثت في مقدمة التقرير عن "موجة تحوّلات كبيرة اجتاحت عدداً من البلدان العربية بعد مرور خمس سنوات على أحداث الربيع العربي في العام 2011"، معتبرة أن "عمليات التحوّل التي بدأها الشباب هي بارقة أمل لنهضة جديدة تقود المنطقة العربية نحو مستقبل أفضل.. لا سيما أن كافة البلدان ومنها الدول العربية قد أعدّـت خططها الوطنية لتنفيذ خطة 2030 للتنمية المستدامة".. وهنا بيت القصيد.
السعودية في إثر الامارات وقطر
إن ما يحصل اليوم في السعودية ومنطقة الخليج بشكل خاص ليس وليد ساعته، وليس عبارة عن اتفاق تم التوصل إليه بين ليلة وضحاها، كما أنه ليس حصيلة مفاوضات آنية لتطوّرات حصلت في بضع سنين، بل إن ما يجري هو نتاج سنوات طويلة من التحضير والتجهيز، وبدأت إرهاصات هذا التجهيز فعلياً بعد حوادث أيلول / سبتمبر في العام 2001، وإعلان شعار الحرب على الإرهاب وإطلاق شعار الإسلام المعتدل، وما تسيُّد نماذج شبابية لدول الخليج إلا نتاج فعلي لهذا التحضير، وبدأ مع دولة قطر مع تميم بن حمد، ومن ثم الامارات العربية مع محمد بن زايد، وفي السعودية مع محمد بن سلمان، ويكفي أن نشير إلى نماذج الحكم التي أضحت عليها كل من قطر والامارات لنعرف المسار الذي ستصل إليه السعودية في شكل حكمها وبنية نظامها وقوانينها المستجدّة.. ولنا أن نبحث أين نشأ هؤلاء "الحكام" الشباب وكيف؟! وفي أي جامعات تخرّجوا؟! وأين تلقّوا علومهم السياسية والعسكرية.. والأمنية؟! وكيف أصبحت نظرتهم إلى واقع ومستقبل بلدانهم؟!
واشنطن – الرياض: شراكة استراتيجة
بدأ تنفيذ المشروع عملياً حينما أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إشارة الانطلاق في مؤتمر الرياض في أيار / مايو 2017، وأعلن الرؤية الاستراتيجية المشتركة بين واشنطن والرياض، تحت عنوان "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي" والذي سيتحقق بحلول العام 2018، وشعار هذا التحالف: تحقيق الأمن والسلم في المنطقة والعالم، ومكافحة الإرهاب وخطاب التطرّف، وتعطيل موارد الإرهابيين، والوقوف صفاً واحداً في مواجهة من يهددون السلام في الشرق الأوسط".
لم يتأخر محمد بن سلمان الذي أزال خصمه، ولا يزال، واستولى على الحكم في السعودية في إعلان رؤيته 2030 والتي أرفقها بخطوط عريضة وتفصيلية حول الإجراءات التي قال صراحة إنه سينفّذها، ولم يكن أحد يتوقّع سرعة تنفيذها وتدحرجها، وكان في كل مرة يستبق إجراءاته بإعلان نواياه على العلن، وكان أبرز المواقف ما جاء في كلمته التي ألقاها في المؤتمر العالمي للاستثمار الذي انعقد في الأيام القليلة الماضية وأعلن فيها عن مشروع "نيوم" (NEOM)، فماذا قال ابن سلمان؟!
• مكافحة الفساد ستطال كل متورّط، أكان وزيراً أم أميراً وأي شخصية دون استثناء.
• الشبان السعوديون وترويج الإسلام الوسطي هما أساس حلمي لتحديث السعودية.
• السعودية ستدمّر الأفكار المتطرفة... اليوم وفوراً.
• الرهانات على التحديث السريع للسعودية مرتفعة، فإذا توجه الشبان السعوديون في الطريق الصحيح بكل قوة فسوف يخلقون بلداً آخر مختلفاً تماماً، وإذا توجهوا في التوجه الخاطئ فسيكون الدمار لهذا البلد.