ارشيف من :نقاط على الحروف

’نيوم’ مشروع ابن سلمان إلى ’نيو سعودية’ .. والمحور ’إسرائيل’ ( 2 من 2)

’نيوم’ مشروع ابن سلمان إلى ’نيو سعودية’ .. والمحور ’إسرائيل’ ( 2 من 2)

لم يعد هناك شك لدى أي مراقب بأن السعودية وصلت إلى مرحلة متقدّمة ولم يعد بإمكانها أن تتراجع أو تعيد النظر عما وصلت إليه، ويبدو حاكمها الفعلي محمد بن سلمان مصرّ على إكمال الطريق الذي يسير فيه  دون أي تراجع أو تردّد، وهذه المرحلة لن تقف عند الكمّ الهائل وغير المسبوق من عمليات العزل والاعتقال التي طالت وتطال الوزراء والأمراء ورجال الأعمال والدعاة وأئمة المساجد، ولن تقتصر على القرارات "الجريئة" التي تفتح السعودية على "ثقافة" جديدة تضرب في العمق كل القوالب الدينية التي أنشئ الحكم الوهابي على أساسها، بل إن المسألة ستصل إلى محطة نهائية تتموضع فيها المملكة في إطار محاور استراتيجية تتصّل بالرؤية الأمريكية – الإسرائيلية لمستقبل المنطقة والأدوار المرسومة لأنظمتها.


ما هو مشروع "نيوم"؟
"نيوم" (NEOM) أو باللغة العربية "مستقبل جديد"، هو مشروع سعودي بكلفة تقدّر بـ 500 مليار دولار، وهو عبارة عن منطقة اقتصادية – تجارية وصناعية تمتد إلى مصر والأردن، ستقام على مساحة 26.500 كيلومتر مربع، وستعتمد على توليد الكهرباء تماماً من الطاقة المتجددة، وصناعات الطاقة والمياه والتكنولوجيا الحيوية والغذاء والتصنيع المتقدم والترفيه، كمثال لمستقبل التقنية الفائقة المبتكرة، ويهدف المشروع بشكل أساسي إلى تحرير الاقتصاد السعودي من الاعتماد على الصادرات النفطية، لا سيما مع استمرار انخفاض أسعار النفط، والأزمة المالية غير المسبوقة التي تعصف بالسعودية مع عجز مالي سنوي في الموازنة يتجاوز 113 مليار دولار، ولأجل دعم هذا المشروع تم طرح 5 بالمئة من أسهم ارامكو للبيع، فضلاً عن مصادرة أموال أصحاب الثروات السعوديين بالرضا أو بالإكراه، ومن المقرر إتمام المرحلة الأولى من المشروع بحلول سنة 2025.. ولدى إطلاقه المشروع قال محمد بن سلمان: "إنه ليس مكاناً لأي مستثمر أو أي شركة تقليدية... هذا مكان للحالمين الذين يريدون خلق شيء جديد في هذا العالم".. إنها نيو – سعودية.


من هم حالمو ابن سلمان؟
إن نظرة سريعة على جغرافية موقع مشروع "نيوم" ستكشف أنه سيقام في محاذاة البحر الأحمر، الذي يعد الشريان الاقتصادي الأبرز، قرب خطوط التجارة البحرية التي تمرّ في قناة السويس وستعمل كمدخل إلى جسر الملك سلمان المزمع تشييده، والذي سيربط مصر بالسعودية، وتلامس الحدود السعودية مع الأردن الطرف الشمالي لخليج العقبة، قرب مدينة إيلات الإسرائيلية، كما تقع قبالة مصر على الجانب الآخر من مضيق تيران، وهكذا سيربط موقع المشروع القارات الثلاث آسيا وأوروبا وأفريقيا، وسيكون ممكناً لـ70% من سكان العالم الوصول إليها خلال ثماني ساعات أو أقل.
ماذا يعني هذا؟! هذا يعني أن السعودية ستحتاج إلى موارد ضخمة لتمويل المشروع الذي من المفترض أن يستجيب لـ "رؤية 2030" والتي لن تقتصر على السعودية فقط بل ستشمل كل المنقطة العربية – الخليجية والتي ستضم في المرحلة التاسيسية إلى جانب السعودية كلاً من: الإمارات العربية، مصر والأردن، وهذه الموارد لن تأتي إلا عبر استقطاب اسثمارات استثنائية من عمالقة التجارة والصناعة في أوروبا وشرق آسيا والولايات المتحدة الأمريكية .. و"إسرائيل".
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة "جيروزاليم بوست" أن عددًا كبيرًا من الشركات الصهيونية تجري محادثات مكثّفة مع صندوق الاستثمار العام السعودي الذي يرأسه محمد بن سلمان، للمشاركة في مشروع "نيوم" (NEOM)، وقالت الصحيفة إن مشاركة الشركات الإسرائيلية ستنهي مقاطعة تمتد عقودًا، وجميع أنواع التعاون ستكون ممكنة في مجالات الطاقة والمياه والزراعة وغيرها، واشارت إلى أن "بعض الشركات الأمنية الإسرائيلية تقوم ببيع وسائل الأمن الافتراضي للحكومة السعودية من أجل هذا المشروع"، وأمِلت أوساط اقتصادية إسرائيلية بالتوصل إلى اتفاق دبلوماسي إسرائيلي مع الفلسطينيين، لأن ذلك سيمكّن "العديد من شركاتنا فتح تعاونها مع السعودية ومصر والأردن بشكل علني".

’نيوم’ مشروع ابن سلمان إلى ’نيو سعودية’ .. والمحور ’إسرائيل’ ( 2 من 2)
موقع "نيوم"


 

نيوم وصفقة العصر
لا يمكن وضع مشروع "نيوم" إلا ضمن الإجراءات التي تمهّد لتنفيذ مشروع ما بات يسمى "صفقة العصر"، هذه الصفقة التي أملى ترامب تفاصيلها وإجراءاتها على ملوك ورؤساء العرب الذين اجتمعوا في الرياض، وانتقل مباشرة بعدها إلى فلسطين المحتلة ليستكمل فصولها مع رئيس حكومة العدو بنيامبن نتنياهو، وباتت السعودية اليوم تشكّل رأس الحربة في التحضير لمبادرة شاملة تحت عنوان التسوية في فلسطين والمنطقة عموماً، كتمهيد لإرساء علاقة خليجية - إسرائيلية يسجّلها التاريخ، وعرّابها محمد بن سلمان.
ولكن كيف ستحمي السعودية هذا المشروع الاستثماري الضخم؟! الجواب بسيط وواضح فإن الاتفاقات التي أرساها ترامب في الرياض حول تسليح السعودية ومثلها مع الامارات وقطر وغيرها من دول الخليج لن تكون حبراً على ورق، وسيقبض الأمريكيون ثمنها وتبقى تحت إدارتهم، أما "إسرائيل" فلديها دور آخر يحين أوانه وقت الحاجة، ويبقى الهدف الرئيسي إزالة المعوّقات التي تتمثل في إيران وحزب الله على رأس القائمة، وتطمح السعودية أن يؤدي مشروع "نيوم" إلى خنق إيران اقتصادياً وترويضها سياسياً، مع ما يترك ذلك من تأثير على محور الممانعة الممتد من اليمن إلى العراق وسوريا فلبنان وفلسطين.

 

2017-11-08