ارشيف من :آراء وتحليلات
السعودية تهدد بالحرب.. هل استوفت شروطها؟
"كل الاجراءات المتخذة تباعا وفي تصاعد مستمر ومتشدد حتى تعود الأمور لنصابها الطبيعي"، هكذا لخصت تغريدة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، الموقف السعودي المستجد تجاه لبنان.
والسبهان الذي يبدو أنه قد غير اختصاص وزارته استثنائياً من الخليج الى لبنان، لم يكن يغرّد خارج سرب التصريحات العدوانية لفريق عمل محمد بن سلمان الخاص بالسياسة الخارجية.
وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، أكمل ما بدأه السبهان، ودعا إلى إنقاذ "لبنان من قبضة حزب الله" و"حث المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات للحد من أنشطة حزب الله".
التهديدات السعودية للبنان، التي استكمل فصولها بعض الاعلاميين والسياسيين السعوديين، الذين ظهروا مؤخراً على الشاشات اللبنانية، لم تتوقف عند هذا الحد، بل امتدت الى مواقع التواصل حيث شن "ناشطون" سعوديون حملة دعت "لطرد اللبنانيين العاملين في السعودية" والاستيلاء على أموالهم.
ولكن التهديد الأبرز لم يأت من الرياض، لا شفاهية ولا علانية، بل تسلل منها عبر قنوات "إعلامية" عبرية، كشفت بوضوح عن طلبات "سعودية" متكررة من إسرائيل للبدء بعدوان "ممول بالكامل" على لبنان، كما أكد الأمين العام لحزب الله خلال كلمته في ذكرى "شهيد حزب الله"، التي كشف فيها بالمعلومات وليس بالتحليل العرض السعودي بتمويل الحرب الاسرائيلية على لبنان.
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ووزير خارجيته عادل الجبير
إذاً هذا التهويل والتهديد يعبر عن رغبة حقيقية بالانتقام من لبنان، والسعودية قد اتخذت قرارها، وتقدمت بطلب "التنفيذ" من تل أبيب، لكن السؤال الآن، هو "هل تل أبيب مستعدة للذهاب إلى حرب تفرضها الرغبات السعودية؟" وهل "استطاعت السعودية تأمين تأييد "دولي" و"اقليمي" لهذه الرغبات؟ أو أقله غض نظر وكما يحصل في مواجهة عدوانها الوحشي والاجرامي على الشعب اليمني؟
بصرف النظر عن مصلحة العدو الاسرائيلي في شن حرب على لبنان، تلبية لرغبات الرياض الانتقامية، وعن امكانية تجاوز حكومة العدو لكل النصائح والتحذيرات التي وجهها الخبراء والمحللون العسكريون الأمنيون من مغبة الذهاب الى أي حرب غير مضمونة النتائج مع حزب الله في لبنان، وبصرف النظر عن قدرة العدو على الدخول في هذه الحرب أصلاً، فإن الأجواء الاقليمية والدولية التي عكستها التصريحات العلنية للعديد من الدول الفاعلة والمؤثرة في المنطقة، والمحسوبة اصلاً على "الحلف السعودي – الأميركي"، تؤكد وجود معارضة قوية لأي عمل عدواني، يستهدف استقرار لبنان وأمنه، بما يمثل من زعزعة لاستقرار المنطقة ككل وادخالها في أتون صراعات جديدة لن يكون أحد بمنأى عنها كما عبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تصريحات متتالية لوسائل اعلام غربية.
الرئاسة المصرية، عادت وأكدت على مواقف السيسي، بأن بلادها ترفض "خيار الحرب" في الأزمة اللبنانية.
الخارجية الأمريكية من جهتها، حذرت في بيان، أطرافاً (لم تسمها) داخل وخارج لبنان من زعزعة استقرار هذا البلد، وقال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون يوم الجمعة إن بلاده تدعم "بقوة" سيادة واستقلال لبنان وجميع مؤسساته السياسية، وفق ما جاء في بيان أصدرته وزارة الخارجية.
تيلرسون الذي أكد أن الرئيس سعد الحريري شريك قوي لأميركا، حث جميع الأطراف "في الداخل والخارج على احترام وحدة واستقلال المؤسسات الشرعية الوطنية في لبنان، بما فيها الحكومة والقوات المسلحة".
رئيس الحكومة اللبنانية المستقيل سعد الحريري وولي عهد السعودية محمد بن سلمان
أما وزارة الخارجية الفرنسية، فقد أعلنت أنها تريد "أن يكون رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري حراً في تحركاته وقادراً بشكل كامل على القيام بدوره الحيوي في لبنان"، في تأكيد على مواقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أجرى محادثات مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مساء الخميس في الرياض التي وصلها في زيارة خاطفة وطارئة، تهدف خصوصا لبحث قضايا لبنان واليمن والمنطقة بشكل عام وسبل احتواء التوتر بين الرياض وطهران.
وذكرت الرئاسة الفرنسية في بيان عقب الاجتماع أن أول محادثات مباشرة بين الرجلين ركزت على القضايا الإقليمية، خاصة في اليمن ولبنان، وعلى "ضمان الحفاظ على الاستقرار في المنطقة".
وأوضح بيان الرئاسة الفرنسية أن الرجلين بحثا الوضع في لبنان في أعقاب استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري، وأن "الرئيس ماكرون أعاد التأكيد على الأهمية التي توليها فرنسا لاستقرار لبنان وأمنه وسيادته ووحدة أراضيه".
كل هذه المواقف التي تؤكد على أهمية الحفاظ على أمن واستقرار لبنان ووحدة اراضيه، معطوفة على التصريحات المرتبطة بعدم زعزعة الاستقرار في المنطقة، واختلاف أولويات الدول التي اطلقتها ومصالحها مع "رغبات السعودية" وتمنياتها وطلباتها، تؤكد أن الرياض، بالرغم من كل التهديدات التي اطلقتها والتصعيد المتواصل والممنهج في خطابها العدواني تجاه لبنان، أغفلت أو استعجلت في خطواتها وحرقت مراحل مشروعها، بذهابها المباشر الى تل أبيب قبل أن تستوفي الشروط "الدولية والإقليمية" لشن حرب انتقامية مدمرة على لبنان، وتؤكد أيضاً أن الادارة الحالية للنظام السعودي، تتعامل مع الوقائع السياسية والعسكرية في المنطقة على طريقة "المونوبولي" ظناً منها أن من يملك "البنك" يستطيع شراء كل "العقارات والمواقف" وشن الحروب ساعة يشاء، دون أي اعتبار لحقيقة وواقع التعقيدات المحلية والإقليمية والدولية.