ارشيف من :أخبار عالمية

مشاريع ضرب إيران : بين التهويلات الفارغة والمغامرات الخاسرة

مشاريع ضرب إيران : بين التهويلات الفارغة والمغامرات الخاسرة

عقيل الشيخ حسين
يوماً بعد يوم، ومنذ انتصار الثورة وقيام الجمهورية الإسلامية، قبل ثلاثين عاماً، تحقق إيران حضوراً متزايداً على الساحتين الدولية والإقليمية، وذلك بالتوازي مع عملية البناء الداخلي الجدي الذي يبدو من الواضح معه أن إيران هي بصدد امتلاك موقع من شأنه، مثلاً، أن يجعلها مرشحاً إجبارياً لمجلس الأمن. ويتأكد هذا الحضور، دولياً، من خلال امتداد شبكة العلاقات الإيرانية إلى ما وراء المحيطات، في أميركا اللاتينية وغيرها، وموقع إيران الأساسي في معادلة النفط والغاز، إضافة إلى النووي السلمي بما هو مصدر بالغ الأهمية للطاقة على المستويين الحالي والمستقبلي. كما يتأكد إقليميا، من خلال الوزن السياسي والعسكري الذي باتت تشكله إيران في المنطقة، وخصوصاً لجهة كونها معنية ومؤثرة أكثر من غيرها في قضايا ساخنة كقضية فلسطين وحربي العراق وأفغانستان. والأهم من ذلك كله هو ما يعنيه، بالنسبة للعالم الإسلامي المثقل أكثر من اللزوم بمظاهر الوهن وانعدام الوزن، وجود إيران قوية وجاذبة لرفعها لواء التحرر من النير الاستكباري العالمي.

من الطبيعي لكل ذلك أن يثير مخاوف القوى الممسكة بخناق العالم وامتداداتها في بلداننا، وهي القوى التي لم توفر دقيقة، منذ فجر ثورة الإسلامية، دون الكيد لإيران ومحاولة ردها إلى الطريق التي كانت تسير عليها خلال الفترة الشاهنشاهية. حصار وعقوبات وتأليب داخلي وتفجيرات إرهابية واغتيالات، وأعمال تشهير منهجية واسعة النطاق، وحروب كالحرب التي شنها نظام صدام، طيلة ثماني سنوات بدعم دولي وإقليمي مكشوفين، والحرب التي كادت أن تستعر بين إيران وطالبان أفغانستان... دون أن يسفر كل ذلك إلا عن استمرار الجمهورية الإسلامية في تعميق نهجها الجدي الرصين والأصيل.

وعندما عمدت قوى الاستكبار إلى احتلال أفغانستان والعراق بتواطؤات محلية وإقليمية واضحة، فإنها فعلت ذلك لأسباب في طليعتها قص جناحي إيران، الشرقي والغربي، ووضعها في حالة تماس مباشر مع عشرات الجيوش المستجلبة من أربع أقطار العالم. إضافة إلى إحاطة إيران بما لا يحصى من قواعد عسكرية تمتد من القفقاس إلى آسيا الوسطى وباكستان والخليج. وكانت النتيجة حلول الهزيمة بأميركا وحلفائها ودخولهم في عصر الانهيار الحتمي. لاحظوا مثلاً بوادر التفكك على مستوى الحلف الأطلسي...

التهويل بشن حرب على إيران أو غيرها من بلدان الممانعة وفصائل المقاومة هو سلاح العاجز الخاسر في العراق وأفغانستان 
وعندما بدأ الحديث الجدي عن إمكانية توجيه ضربة عسكرية لأيران بسبب برنامجها النووي تقوم بها الولايات المتحدة و /أو "إسرائيل"، اقتضت ضرورات سياسية ولوجستية أن تستخدم جورجيا القريبة من إيران كمنطلق للضربات. وهنا أيضاً، كانت النتيجة إخفاقاً بتكاليف باهظة خصوصاً على جورجيا نفسها.

وفي غمار كل ذلك، كان المحللون السياسيون الأميركيون وأضرابعم يصلون التحليلات بالتحليلات في رهانات على انهيار إيران من الداخل، تارة بسبب التضخم وتارة بسبب انهيار أسعار النفط وأطواراً عن طريق تحركات معارضة في الشارع الإيراني خيل لهم، على مقاس ما كان يجري في أوروبا الشرقية في حقبة انهيار النظم الشيوعية، أنها ممكنة الحدوث في إيران.

وفي هذا السياق وضعت قوى الاستكبار والقوى التابعة حدها وحديدها المالي والإعلامي والمخابراتي في خدمة تسعير حوادث الشغب التي شهدتها إيران خلال وبعد فترة الانتخابات الرئاسية. ولم تكن النتيجة أفضل من سابقاتها، منذ فجر الثورة : ازداد النظام الإسلامي تماسكاً، وارتفع منسوب الغيظ عند المحبطين، وعاد الحديث إلى الضربات العسكرية التي يتحدثون عنها منذ سنوات، دون أن يمتلكوا الجرأة على تنفيذها.

ومن يلقي نظرة على وسائل الإعلام الغربية والمرتبطة في الأيام الأخيرة الماضية يخامره الانطباع، إذا كان من النوع الساذج، بأن شهر أيلول/ سبتمبر القادم وهو تاريخ انتهاء المهلة التي أعطاها أوباما، بدفع وإلحاح إسرائيليين، لإيران، للرد على مبادرته، سيكون نهاية حلقة الصبر الأميركي-الإسرائيلي والاستحقاق الفاصل.

كلام كان يصلح قديماً، للفت من عضد ضعاف الهمم، يوم كانت أميركا أو "إسرائيل" تشن حروبها "النزهات" على خصوم مكتوفي الأيدي أو ضالعين في المؤامرات أو غير عارفين بمجريات أمور الحروب الحديثة. لكنه لم يعد يصلح اليوم أمام صلابة المشروع الإسلامي في إيران وصدق النية في إعادة وضع التاريخ على سكته، بعيداً عن مغمغته وتشريده بالشكل المعروف منذ بدايات التاريخ.

أحد المعلقين الغربيين قال بأن القنبلة النووية التي باتت إيران قادرة على صنعها، إذا شاءت ذلك، في حدود العام 2013 ليست هي بالذات ما يخيف "إسرائيل"، بل إن التغير الحثيث في موازين القوى، على جميع الصعد، لصالح إيران هو ما يدفع الإسرائيليين إلى التفكير بالرحيل وإلى البدء فعلاً بالرحيل إلى البلاد التي جاؤوا منها.

إن التهويل بشن حرب على إيران أو غيرها من بلدان الممانعة وفصائل المقاومة هو سلاح العاجز الخاسر في العراق وأفغانستان. وفي حرب تموز ضد لبنان. وفي الحرب على غزة. ولوحدث فعلاً أن دفع الطيش بهذه الجهة أوتلك إلى الدخول في مغامرة من المغامرات، فإن هذه الجهة أو تلك ستستفيق لتجد نفسها في عالم غير هذا العالم. 

2009-08-14