ارشيف من :أخبار عالمية
هيلاري كلينتون في إفريقيا: الهيمنة بأي ثمن!
عقيل الشيخ حسين
قبل 11 أيلول/ سبتمبر 2001، وفي غمرة الازدهاء الأميركي بانهيار المعسكر الشيوعي، والاعتقاد بأن العالم بات بحكم الثمرة الناضجة والجاهزة للسقوط أمام جبروت الولايات المتحدة، كان الاستراتيجيون العسكريون الأميركيون يفكرون في أشكال التحركات العسكرية التي تمكنهم من الاستيلاء على العالم بأسرع وقت ممكن وبأقل تكلفة ممكنة. وفي هذا السياق، جرت ترجمة الاعتداد الأميركي بالنفس من خلال نظريات أكدت قدرة الجيش الأميركي على شن حربين كبيرتين في وقت واحد مع ضمان الانتصار فيهما. ولم يمض وقت طويل حتى تحقق المبتغى في ظل المحافظين الجدد، عندما تحولت الولايات المتحدة إلى ضحية بفعل الهجمات على نيويورك وواشنطن، الأمر الذي سمح لها بشن حربين كبيرتين على بلدين صغيرين، هما أفغانستان والعراق. لكنها فشلت في إحراز النصر الموعود. وها هي السنوات تمضي ومأزق الحلفاء في العراق وأفغانستان يزداد تعمقاً يوماً بعد يوم.
ومع هذا، وعلى الرغم من تواري المحافظين الجدد عن الأنظار ومجيء الديموقراطيين على أجنحة التغيير واليد الممدودة، لا يزال الاعتداد الأميركي بالنفس، من حيث تعددية القدرات، على حاله، وإن كان شكل التعبير عنه قد تغير ظاهرياً. ففي أجواء الجولة التي تقوم بها وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، إلى إفريقيا حالياً، ظهرت نظرية عن قدرة الولايات المتحدة على الاهتمام بعدة قضايا في السياسة الخارجية في آن واحد. وإفريقيا هي، بالطبع، واحدة من تلك القضايا.
وإذا كان هنالك من رمزية لاختيار كينيا كنقطة البدء في جولة كلينتون الإفريقية، فإن هذه الرمزية تتمثل في أمرين. أولهما، محاولة التعويض على هذا البلد الذي تعود إليه أصول أوباما، لأن هذا الأخير لم يخصه بزيارته الأولى، في العام 2006، يوم كان عضواً في مجلس الشيوخ، ولا بزيارته الثانية، في تموز / يوليو الماضي بعد أن أصبح رئيساً للجمهورية. وثانيهما الرهان الأميركي على كينيا جارة الصومال الجنوبية، بعد فشل الرهان هلى إثوبيا، جارته الغربية، وعلى بقية الجيران الأفارقة المشاركين في قوة السلام الإفريقية المرابطة في موقاديشو.
في كينيا إذن، ظهر الهدف الرئيسي لجولة هيلاري كلينتون. فقد حشدت في نيروبي ممثلين عن البلدان الإفريقية الأربعين الأعضاء في المنتدى السنوي الثامن لبرنامج النمو والفرص، وحاضرت فيهم عن الحكم الرشيد والديموقراطية والاستثمارات والتنمية وما إلى ذلك من كلام يتواتر من عشرات السنين تغطية على ما تتعرض له إفريقيا من استنزاف منهجي من قبل القوى المهيمنة عالمياً بتواطؤ من الحكام المحليين. لكن أحداً لم يخفَ عليه أن هذا الحشد هو في الحقيقة تهويل بشبح تحالف إفريقي ضخم مهمته نصرة حكومة شيخ شريف أحمد الممثلة لإسلام الاعتدال في الصومال. ومن كينيا، أعادت كلينتون تكرار الكلام الأميركي المعروف عن التطرف والإرهاب وما يشكله ذلك من أخطار على المنطقة والعالم وخصوصاً على الولايات المتحدة. ثم تعهدت لشيخ شريف أحمد بتقديم مساندة إضافية "قوية" ووجهت تهديدات إلى إريتريا التي ردت بأن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن زعزعة الاستقراربما ترسله من أسلحة إلى الصومال.
ومن كلام لشيخ شريف أحمد عن استعداد دول إفريقية عديدة لمساعدة الصومال، وعن عدم قدرتها على القيام بذلك دون الحصول على مساعدة الغرب، يظهر جلياً أن الأميركيين الذين باء جيشهم بالهزيمة في الصومال عام 92، يحثون بعض الزعماء الأفارقة على التدخل، وأن هؤلاء يطالبون بأجور قد تجد الخزينة الأميركية صعوبة في دفعها في ظل استشراء الأزمتها المالية في أميركا.
وبعد كينيا، ذهبت كلينتون إلى جنوب إفريقيا وحثتها على المزيد من العمل من أجل مكافحة الإيدز الذي يفتك بالمنطقة بشكل ذريع، وسط خلافات حادة بين مختبرات الأدوية الأميركية وبلدان أخرى، منها جنوب إفريقيا بالذات، حول حقوق الملكية واستنساخ الأدوية الضرورية لمكافحة المرض. ومن بريتوريا، لوحت هيلاري بقميص الديموقراطية في معرض تهجمها على نظام موغابي في زيمبابوي.
وفي نيجيريا، أعادت كلينتون السمفونية المعروفة عن التشدد والإرهاب خصوصاً وأن البلاد تشهد غلياناً شعبياً وأعمال قمع واسعة النطاق أزهقت فيها أرواح الآلاف من الأشخاص خلال الأيام القليلة الماضية.
وبين كينيا، بداية الجولة، والرأس الأخضر، محطتها الأخيرة، سعت كلينتون إلى إشاعة الانطباع بأن الولايات المتحدة يمكنها أن تهتم بإفريقيا، بمعنى أن تساعدها وتحدب عليها على ما يحاول الإيحاء به مرتزقة وسائل الإعلام، بعد ما يعتبرونه إهمالاً لها في أوقات سابقة. وإذا كان من الصحيح أن أميركا تقدم بعض المساعدات لإفريقيا وتقيم مع بعض بلدانها علاقات تفاضلية، فإن ذلك يظل من قبيل ذر الرماد في العيون. فقصة القطن الإفريقي الذي يكسر أسعاره الأميركيون والأروبيون عمداً بهدف تجويع الأفارقة معروفة للجميع. الهيمنة هي إذن الغرض الوحيد. والتنافس شديد بين أميركا وشركائها وبين بلدان كالصين وروسيا والهند على ثروات إفريقيا : نفط وغاز ويورانيوم وألماس ومعادن وأراض زراعية تشتريها الشركات الأميركية والإسرائيلية عند منابع النيل وعلى ضفافه في إطار الحرب على الماء. والهيمنة، واستباق المد الإسلامي هما ما ينطق به تشكيل قيادة عسكرية خاصة بإفريقيا في هيكلية البنتاغون، وتواجد البحرية الأميركية المكثف حول إفريقيا من قناة السويس إلى البحر الأحمر وبحر العرب وصولاً إلى رأس الرجاء الصالح وخليج غينيا. إضافة إلى إقامة المزيد من القواعد العسكرية في هذا البلد أو ذاك من بلدان القارة. ولكن، هل تستطيع الولايات المتحدة، بكل ما في جعبتها من هزائم وإخفاقات، أن ترد السيل عن عبابه، في إفريقيا وغير إفريقيا ؟ وسيلتها الوحيدة المتبقية هي تسخير الأنظمة التابعة وتعريضها، جراء ذلك، لدفع الأثمان الباهظة.