ارشيف من :ترجمات ودراسات

ماذا بعد 14 اب؟

ماذا بعد 14 اب؟

كتب المحرر العبري

شكل الرابع عشر من شهر اب من عام 2006 محطة تاريخية فاصلة من حياة لبنان والمنطقة لما مثله من تتويج لـ33 يوما من المواجهة والمقاومة الاسطورية التي غيرت المسارات السياسية والاستراتيجية في المنطقة باتجاه مغاير تماما لما كانت تخطط له الولايات المتحدة واسرائيل.

نتيجة فشل الحرب الإسرائيلية عام 2006، التي  كانت في احد وجوهها الرئيسية، استكمالا للاحتلال الاميركي للعراق، وفي اعقاب فشل كافة الرهانات والخيارات التي تم اللجوء اليها في حينه من خروج الجيش السوري من لبنان إلى الحراك السياسي الداخلي اللبناني... لم يكن العدو (بمختلف اطرافه) ليقف مكتوف الايدي مسلما بالواقع الذي ارساه انتصار المقاومة في الرابع عشر من اب. من هنا لجأ إلى سلسلة من الخيارات والرهانات بهدف احتواء تداعيات انتصار المقاومة ومنع مراكمة قدراتها تمهيدا للانقضاض عليها وتقييد حركتها واغراقها في فتنة داخلية.


احتواء تداعيات انتصار المقاومة

إن لتحقيق أي نصر في مواجهة الأعداء تداعيات محددة، وللإقرار به ووعيه تداعيات أخرى مرتبطة بذلك. من هنا كان قرار أعداء خيار المقاومة، بمختلف مسمياتهم، بضرورة تطويق واحتواء تداعيات انتصار المقاومة عبر إنكاره ورفضه عبر اتباع خطة إعلامية سياسية تستهدف الحد من تأثيره في صفوف الأمة. وينبغي الإقرار بأن بعض الأنظمة العربية التي كانت تراهن على هزيمة المقاومة وسقوطها امام الجيش الإسرائيلي، تمكنوا عبر وسائل إعلامهم والخطاب السياسي الذي اعتمدوه، من التأثير في جزء من الجمهور العربي والإيحاء له بأن نصرا كهذا لم يتحقق رغم أن العدو نفسه قد اقر به وصولا إلى جيوش الدول الكبرى التي شكلت طواقم لدراسة هذه التجربة التي  أسست لمدرسة جديدة في القتال... 


منع مراكمة المقاومة لقدراتها

يمكن القول أن الهدف الأساسي للعدو الإسرائيلي وكافة القوى المساندة له، من عربية ودولية، بعد انتهاء الحرب في 14 اب 2006، تمثل بمنع المقاومة من ترميم قدراتها العسكرية ومراكمتها، حيث سخرت له كافة الإمكانات والطاقات، وذلك على خلفية أن نجاح أو فشل تحقيق هذا الهدف سيحدد آفاق الوضع في لبنان والمنطقة في المرحلة التي تلت الحرب.

ولا يخفى ان تحقيق هذا الهدف كان مرتبطا، بشكل وثيق، بتمكين قوى الرابع عشر من آذار من بسط سلطتهم، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، بطريقة تسمح لهم بفرض إجراءات تحول دون تمكين المقاومة من بناء قدراتها استعدادا لمواجهة العدو أو عبر فرض ونشر قوات دولية على الحدود اللبنانية والسورية والقيام بالمهمة.

كما كانت القوى المعادية للمقاومة ترى ان هذا الأمر يمكن ان يتم عبر ردع سوريا وايران عن ايصال السلاح إلى حزب الله... لكن كل هذه الامال والرهانات لم تتحقق رغم دخول الولايات المتحدة بشكل مباشر على خط ادارة المعركة وصولا إلى تحقيق هذا الهدف.

وبعد مرور ثلاث سنوات من انتهاء المعركة، شهدت تطورات وخيارات ورهانات محلية واقليمية، تمكنت المقاومة، وفق اعترافات العدو، من مضاعفة قدراتها العسكرية والصاروخية اضعاف ما كانت عليه قبل 12 تموز 2006. وهو ما اجهض المخطط الاميركي الذي كان يعد للمرحلة التي تلت وقف الحرب في الرابع عشر من اب. 


تقييد حركة المقاومة

مع توالي فشل المخططات بدء من فشل جيش العدو بالقضاء على قدرات حزب الله القتالية إلى سقوط محاولة الحؤول دون مراكمة حزب الله لقدراته الصاروخية والعسكرية، لم يجد العدو (بالمعنى الشامل للكلمة) امامه سوى احداث نوع من التوازن الداخلي بين حزب الله وقوى معارضة له، ثم لجأ لاحقا إلى محاولة إغراقه في الداخل اللبناني لاجباره على توجيه قدراته نحو الداخل اللبناني بهدف استنزافه وشله عن المبادرة في وجه العدو الإسرائيلي. ويرتكز هذا المخطط على دفع بعض القوى الداخلية في لبنان لاتخاذ قرارات وخطوات تحدث نوع من الفتنة التي تفتح الساحة الداخلية على سيناريوهات متعددة، راهنت إسرائيل على ان تؤدي إلى اخطار وتهديدات تدفع حزب الله إلى الانكفاء عن إسرائيل ومقارعتها، الا ان احداث السابع من ايار عام 2008، أعادت هذا الخيار إلى الخلف ولم تعد تسمع اصوات اسرائيلية تراهن عليه.

لكن ما تبقى من  رهانات اسرائيلية انطلاقا من الساحة الداخلية اللبنانية يقتصر على ما سيصدر عن المحكمة الدولية، الناظرة في مقتل رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، رفيق الحريري، إذ كشف مضمون التصريحات المتسرعة التي أطلقها القادة الإسرائيليون، في أعقاب تقرير مجلة دير شبيغل الألمانية عن ضلوع حزب الله باغتيال الرئيس الحريري، عن أن إسرائيل تراهن فعلياً على اتهام رسمي يصدر عن المحكمة الدولية في هذا الاتجاه، بما قد يهيئ أرضية صالحة للإضرار بالحزب، وإعادة الرهان مجدداً على فتنة داخلية في لبنان تشغل حزب الله عنها.

2009-08-18