ارشيف من :آراء وتحليلات

على العهد: مجرد تفاصيل

على العهد: مجرد تفاصيل
كتب إبراهيم الموسوي

ينبغي النظر بتمعن شديد لما يقوم به فريق 14 شباط من تعطيل لتشكيل الحكومة. لا ينبغي التعاطي معه على أنه جزء من المناكفة العامة، والكيدية، ومحاولة شد العصب من جانب الموالاة بعد أحداث بيروت والجبل فحسب.
الموالاة لديها مشروع واضح، أعلنت عنه سابقاً، وهي تنفذه على دفعات، لقد ذهبت الى الدوحة على مضض، ووقعت على الاتفاق دون أن تكون لديها النية الحقيقية بإفساح المجال لتنفيذ بنوده، إلا ما اتفق منها مع مشروعها، لذلك، فهي أمرّت انتخابات الرئاسة، وبدأت بوضع العراقيل أمام بقية البنود، لكن لماذا؟
أولاً: لأن قوى الموالاة تريد أن تلتقط أنفاسها وإعادة تنظيم صفوفها.
ثانياً: لا تريد مجموعة 14 شباط للمعارضة أن تصرف في السياسة ما كسبته على الأرض.
ثالثاً: يعتمد فريق 14 شباط استراتيجية إضعاف التيار الوطني الحر، وإنهاكه قبل الانتخابات النيابية المقبلة، التي ثبت أنها ستكون معركة مسيحية بامتياز، وخاصة أن تسوية قانون الانتخاب قد حسمت النتيجة سلفاً في العديد من المناطق.
رابعاً: يستهدف فريق الموالاة من خلال تكثيف ضغوطاته ضد الجنرال عون وممارسة أسلوب الترغيب والترهيب ضد التيار الوطني الحر، إحداث ضعضعة في صفوفه، ومحاولة استمالته بعيداً عن تحالفه مع حزب الله، من خلال إحداث شرخ، ومحاولة طرح مشاريع وزارية على مستوى الحقائب تضع التيار الوطني الحر في وجه حلفائه من حزب الله وحركة أمل.
هل يستطيع فريق الموالاة أن يمضي قدماً في مشروعه، وهل يفيده الدعم الأميركي الذي قدمته وزيرة خارجية الولايات المتحدة كوندوليزا رايس خلال زيارتها الأخيرة الى لبنان؟
من الثابت، أن العنوان الحقيقي لكل ما يجري الآن يتصل بالانتخابات النيابية المقبلة، وأن قوى دولية وإقليمية عديدة وعلى رأسها واشنطن والرياض، قد أوحت الى فريق الموالاة بضرورة استجماع كامل قواه، لإعادة تجديد شبابه من خلال وعود منفوخة بالدعم المادي، وممارسة الضغوطات السياسية كي يفوز هذا الفريق بالأكثرية النيابية، وهو ما يسمح في حال حصوله، بإعادة إمساك فريق 14 شباط بمقاليد الأمور في البلد، ليعيد قلب المشهد السياسي بالاتجاه الذي ترغب فيه واشنطن وحلفاؤها، ولكن ما لم يتم الالتفات اليه في هذه الخطة، هو أن استعادة سيناريوهات المشهد السابق لا تعني بالضرورة النجاح في إحداث مشهدية مماثلة لتلك التي استأنست فيها قوى الموالاة على مدى عامين.
لقد تحول المشهد كثيراً في المدة الأخيرة، ولو كان بمقدور واشنطن وحلفائها أن يفعلوا شيئاً لفعلوا، ولكن يبدو أن مصير المنطقة والقرارات بصدده لم تعد ترسم حصرياً في دوائر البيت الأبيض وأروقة الإدارة الاميركية، ثمة لاعبون جدد أثبتوا كفاءة عزّ نظيرها في إدارة المعركة العسكرية وحكمة بالغة في ادارة المعركة السياسية، ولم تعد مسألة التحولات التي شهدتها المنطقة مؤخراً مسألة ظرفية تفصيلية بقدر ما أصبحت تمثل تصحيحاً حقيقياً لموازين القوى تكون فيه الغلبة حكماً للخط الوطني المقاوم والمناهض للمشاريع الاميركية ومشاريع الاحتلالات من افغانستان والعراق الى لبنان وفلسطين، مروراً بجهد الممانعة الايرانية السورية.
هكذا رست المعادلة والمعارضة، إذ حققت هذه الانجازات، تستعد لمراكمة المزيد منها في المستقبل القريب على غير جبهة وفي غير صعيد، أما الواهمون الذين ما زالوا يراهنون على وعود واشنطن فليس عليهم أن ينتظروا كثيراً ليعلموا أن من باعهم بالمفرّق يستعد اليوم ليبيعهم بالجملة، مع اقتراب الحسابات الكبرى والاستحقاقات المصيرية التي يصبحون فيها هم ورهاناهم مجرد تفاصيل!
الانتقاد/ العد1274 ـ 19 حزيران/ يونيو 2008
2008-06-19