ارشيف من :أخبار عالمية
العداء الأميركي لدكتاتورية ميانمار: مسخرة المساخر!
عقيل الشيخ حسين
كان من الممكن لأونغ سان سوتشي المعروفة بأنها زعيمة المعارضة في ميانمار، أن تصل إلى قمة السلطة في بلادها، شأن نساء كثيرات تربعن في مناصب عليا في بلدان كالهند وسيريلانكا وباكستان وبنغلادش والفيليبين وتركيا، وغيرها وغيرها. نساء كثيرات حكمن وحظين باحترام وتقدير الحكومات الغربية، مع أن حكمهن لبلادهن لم يحدث فارقاً ملحوظاً عن حكم الرجال الذي غالباً ما أبقى تلك البلدان رهينة لما يرسم لها من سياسات في مواقع القرار الأممي.
لكن أونغ سان سوتشي، وهي ابنة بطل الاستقلال أونغ سانغ، الذي حرر بلاده من الاحتلال الياباني عام 1945، بالتعاون مع المحتل السابق البريطاني، الذي كان يستعمر ميانمار خلال الأعوام المئة السابقة، وهي أيضاً أرملة رجل بريطاني شاء لها قدرها أن تظل زعيمة للمعارضة، وأن تمضي (14) من السنوات الـ(20) الماضية رهن الإقامة الجبرية، في ظل الحكم العسكري القائم في ميانمار.
وبسبب معارضتها أصبح اسمها من أبرز الأسماء التي تركز عليها المؤسسات ووسائل الإعلام الغربية، وتقدم عنها صورة ترفعها إلى أسمى المقامات وأرفع الدرجات في مجالات العمل من أجل خدمة قضايا الحرية في العالم. ومن هنا انضمت أونغ سان في العام 1991 إلى قائمة الحائزين جائزة نوبل للسلام، وهي جائزة تمنح في الأعم الأغلب للمرضي عنهم من قبل الدول الغربية. كما منحتها منظمة العفو الدولية قبل أيام، وفي حفل موسيقي أقيم للمناسبة في العاصمة الإيرلندية دبلن، جائزة "سفير الوعي"، على أمل أن تسهم مرموقية الجائزة وحظوة الهيئة التي تصدرها في تخفيف ما تتعرض له سوتشي من مضايقات يفرضها عليها الحكم العسكري. وبالمناسبة قالت الأمينة العامة للمنظمة إيرينا خان، ان "أونغ سان قد ظلت خلال كل تلك السنوات الحالكة رمزاً للأمل والشجاعة، وجسدت الدفاع الخالد عن حقوق الإنسان، ليس فقط بالنسبة الى البيرمانيين، بل للناس جميعا في كل أنحاء العالم".
وقد حدث مؤخراً أن رجلاً أميركياً يدعى جون ويليام يتاو، تسلل سباحة إلى منزل أونغ سان سوتشي، المطل على إحدى البحيرات، حيث قضي يومين قبل أن يُكتشف أمره من قبل السلطات البيرمانية التي اعتقلته، ثم حاكمته وحكمت عليه بالسجن مدة سبع سنوات بتهمة ارتكاب مخالفات للقواعد المرعية فيما يخص تحركات الأجانب، ولا سيما تسلله بالطريقة المذكورة إلى منزل سوتشي الخاضعة لإجراءات الإقامة الجبرية. أما سوتشي فقد مددت فترة إقامتها الجبرية إلى 18 شهراً إضافية.
وعلى الفور قامت الدنيا ولم تقعد، فقد ندد الرئيس الأميركي باراك أوباما بالحكم، ودعا إلى الإفراج الفوري عن سوتشي. ومن جهتها قالت وزيرة خارجيته هيلاري كاينتون، ان سوتشي ما كان يجب أن تحاكم ولا أن تدان. أما رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون، فقد صرح بأن ذلك الحكم قد أحزنه وأثار غضبه. أما الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، فقد اعتبر الحكم وحشياً وغير عادل، وطلب إلى الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات أكثر صرامة على ميانمار. واستجاب الاتحاد الأوروبي ممثلاً برئاسته السويدية، فأعلن أنه سيرد باتخاذ إجراءات جديدة بحق المسؤولين عن هذا الحكم، وسيشدد الإجراءات المفروضة من قبله في السابق. وبدوره ندد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بالحكم، ودعا إلى إطلاق سوتشي على الفور وبلا شروط. وانبرت للإدانة أيضاً دول كأوستراليا وبلجيكا وماليزيا ومنظمات إقليمية كمجموعة آسيان، وغير إقليمية كالاتحاد الدولي لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية وغيرها.
وكانت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة سوزان رايس، قد أعلنت أنها تسعى مع دول أخرى لاستصدار بيان في مجلس الأمن يدين الحكم الصادر بحق سوتشي. لكن هذا السعي مُني بالإخفاق بسبب المعارضة التي أبدتها كل من روسيا والصين اللتين طالبتا دول العالم باحترام النظام القضائي في ميانمار، وأعلنتا أنهما لن تدعما أي إجراء قد يُتخذ ضد ذلك البلد.
أما بشأن الرجل الأميركي الذي تسلل سباحة إلى منزل سوتشي، فقد وردت أخبار بأن السلطات في ميانمار ستفرج عنه قريباً، وذلك بعد زيارة إلى رانغون قام بها السيناتور الأميركي جيم ويب، قابل خلالها مسؤولين رسميين سمحوا له بمقابلة سوتشي التي اجتمع معها مدة 45 دقيقة.
ولم ترد أخبار أخرى عن طبيعة المهمة التي كان الرجل الأميركي بصدد تنفيذها. ربما يكون الأمر من نوع "المغامرات" المشوقة ذات الأهداف الإعلامية التي يضطلع ببطولتها أميركيون شغوفون بالشهرة وبخدمة القضايا الكبرى. وربما يكون من نوع المهام التجسسية التي تدخل في نطاق التدخل في شؤون بلد ذي سيادة، على ما يشتهر به الغربيون في تعاملهم مع الأنظمة غير التابعة. وبغض النظر عن طبيعة نظام ميانمار الدكتاتورية أو غير الدكتاتورية، فإن علامات استفهام كبيرة ترتسم حول هذا التصرف غير الشرعي الذي قام به ذلك الرجل الأميركي، اللهم إلا إذا كان المطلوب، أميركياً، هو فرض الاعتراف بحق الأميركيين في أن يتصرفوا على هواهم في البلدان الأخرى، وأن يخرقوا قوانين تلك البلاد، دون أن يكون لأحد حق الاعتراض.
وقد تكون هذه المغامرة وما أعقبها من تداعيات، أسهمت في تسليط الأضواء على سوتشي وعلى الدكتاتورية التي يوصف بها النظام العسكري الحاكم في ميانمار.
خلاصة: إذا كان الغرب بقضه وقضيضه يناصب نظام رانغون العداء بسبب دكتاتوريته، على زعم المزاعم، فإن الغرب نفسه يخص ما لا يُحصى من الحكام الدكتاتوريين والفاسدين بأقصى ما يقدر عليه من دعم وتأييد يجعلان من هذا الحرص على مكافحة الديكتاتورية مسخرة من المساخر.