ارشيف من :أخبار عالمية
ورطة الأطلسي في أفغانستان والرهان على تركيا
لا بل إن الأمور باتت تأخذ منحى معاكساً. فمن الموقف التركي السلبي من الحرب على العراق، إلى الاستياء التركي من السياسات الإسرائيلية، وصولاً إلى المواقف التركية البارزة في الدفاع عن قضايا المسلمين، كما في مسألة الرسوم المسيئة، أو العدوان الإسرئيلي على غزة، تميل تركيا، في نظر الغرب، إلى احتلال موقع "النعجة الضالة" أو حتى "الكرّاز المشاكس"، لأسباب تتعلق بمواقف الحلف من جملة قضايا تتصل بالخلافات مع اليونان حول قبرص، أو أذربيجان حول كاراباخ، أو الأرمن وقضية الإبادة، أو التدخل الأطلسي في البلقان، أو المواقف الغربية المريبة في إعلان حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية وعدم الامتناع، برغم ذلك، عن مساعدته بمختلف الصور والأشكال، وصولاً إلى عدم انتفاع تركيا من عضويتها في الحلف في مسألة انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
وعلى خطى الرئيس الأميركي، باراك أوراما، الذي جعل من تركيا محطته الأولى في العالم الإسلامي بعد توليه مهامه الرئاسية، حرص راسموسن أيضاً على محاولة استخدام تركيا كنافذة أطلسية تطل على المسلمين في العالم. فمن تركيا أطلق راسموسن تصريحاته التي سعى من خلالها إلى جعل الإسلام نقطة لقاء بين تركيا والحلف الأطلسي: تركيا هي البلد الإسلامي الوحيد في الحلف والحلف هو، بحسب راسموسن، "قوة تحمي المسلمين من القمع"، في إشارة إلى التدخل الأطلسي في يوغوسلافيا السابقة، وخصوصاً إلى التدخل الأطلسي في أفغانستان.
من الواضح، في وقت يعاني فيه الحلف الأطلسي والقوات المتحالفة من الهزيمة في أفغانستان، وتهرع الدول المشاركة في الحرب إلى سحب جيوشها منه، بعد الاكتفاء بإرسال أعداد ضئيلة من الجنود، وخصوصاً في وقت باتت فيه الهزائم على أرض أفغانستان تهدد فعلياً بانفراط سبحة الحلف... من الواضح أن راسموسن، الساعي إلى إحراز ما يسميه بالنصر في أفغانستان، عبر بلورة مفهوم جديد لاستراتيجية الحلف، يحلم بزج تركيا في الحرب الأفغانية من باب حماية المسلمين من القمع.
حلم يأتي في غمار أحلام استراتيجية أخرى من قبيل استخدام باكستان أو الهند أو "معتدلي طالبان" وغيرهم من المعتدلين في تغيير موازين القوى في أفغانستان، أو من قبيل استئجار فئات من الشعب الأفغاني للقتال إلى جانب القوات الحليفة، أو من قبيل تقديم تنازلات لإيران مقابل مواقف تعين الحلفاء على الخروج من أفغانستان مع الاحتفاظ بماء الوجه. أحلام استراتيجية كلها من النوع الفاشل أو من النوع المفتوح على المزيد من التورط والتخبط.
والمعروف أن تركيا تشارك، في القوة الأطلسية في أفغانستان بـ 730 جندياً يقومون بمهمات غير قتالية، ومن الطبيعي، في ظل تأسن وضع الأطلسي في أفغانستان، أن يراهن راسموسن على تركيا، بإمكانياتها المادية، ومخزونها البشري الضخم، وخصوصاً بإسلاميتها، في الاضطلاع بدور من شأنه أن يخرج الغرب من ورطته الأفغانية.
ومن غير المعروف ما إذا كانت تركيا ستأخذ بعين الاعتبار، في إطار ردها على عروض راسموسن، طبيعة هذا الشخص المشهود له بقوة علاقاته مع الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، وبوصوله إلى الحكم في بلاده بدعم من اليمين المتطرف، وبإخراجه الدانمارك من حيادها التقليدي، كبلد اسكندينافي، وتحويلها إلى واحد من أشد البلدان حماسة لغزو العراق وأفغانستان... لكن المعروف هو أن تركيا لها تجارب غير مشجعة مع راسموسن بالذات. فراسموسن هو الذي تفجرت في ظل عهده قضية الرسوم الكاريكاتورية المسيئة إلى النبي الأكرم (ص)، والذي دافع عن هذه الرسوم بحجة احترام حرية التعبير التي وصفها بأنها حجر الزاوية في الديموقراطية، والذي لا يزال مصراً على عدم الاعتذار رسمياً من العالم الإسلامي في هذه القضية، والذي تحتضن بلاده تنظيمات ووسائل إعلام تدعم حزب العمال الكردستاني الذي يحمل السلاح ويقاتل من أجل الانفصال عن تركيا.
أرضيات غير صالحة لإرساء تعاون "بنّاء" بين الحلف الأطلسي، بقادة راسموسن وتركيا. وسواء استجابت تركيا لدعوة راسموسن إلى المشاركة الفعالة في الحرب على أفغانستان، أم لم تستجب، فإن الدعوة بذاتها تعكس مدى عمق الأزمة التي يعاني منها الأطلسي في أفغانستان. كما تعكس الطيش الذي بات سمة مميزة لسياسات الاستكبار العالمي: ألا يفكر راسموسن وغيره بالتداعيات التي ستنشأ، في حال استجابة تركيا لعروض الأطلسي، على مستوى الشارع التركي وعلى مستوى تعمق وتجذر التوجه الإسلامي لتركيا التي تشهد انتعاشاً لافتاً لوعيها بعثمانيتها؟
عقيل الشيخ حسين