ارشيف من :آراء وتحليلات
ايزنكوت يطرق أبواب الرياض: في الماضي لم نكن أعداء، وفي الحاضر خندقنا واحد
ليس مبرراً لأحد أن يتفاجأ من مقابلة رئيس أركان جيش العدو، غادي أيزنكوت، مع موقع ايلاف السعودي. بل لا ينبغي أن نفاجأ إذا ما علمنا لاحقاً بأن لقاءات تمت بين ايزنكوت ومسؤولي الموساد مع نظرائهم في الكيان السعودي. فكلا الطرفين لا يناور في التعبير عن نظرته للاخر ولا يخفي حقيقة أنهما في خندق واحد في مواجهة عدو مشترك. مع ذلك، إن اختيار ايزنكوت لموقع اعلامي سعودي لاجراء أول مقابلة له مع قناة عربية، وفي هذه المرحلة بالتحديد التي يمر بها الكيانان السعودي والإسرائيلي، ينطوي على مجموعة رسائل لا تقل أهمية عن بعض المواقف التي أطلقها رئيس أركان جيش العدو.
جرت المقابلة في سياق مسار تصاعدي اعتمده النظام السعودي، في تظهير علاقاته وتحالفه مع كيان العدو. صحيح أن اجراء مقابلة اعلامية مع أي مسؤول إسرائيلي يجسد هذا الارتقاء في المسار التطبيعي، لكن هذه المقابلة تحديدا تميزت بكونها تأتي مع رأس هرم المؤسسة العسكرية، التي توكل اليها مهمة ارتكاب الجرائم والاعتداءات بحق الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة، الامر الذي ينطوي ايضا، على رسائل خاصة أراد النظام السعودي ايصالها إلى كل من يهمه الامر في المنطقة. وبدا ايزنكوت كمن يطرق أبواب الرياض، من خلال الاعلام السعودي، أن آن الاوان لفتح الابواب، وما نقوم به سرا، ينبغي القيام به على رؤوس الاشهاد.
جرت المقابلة، في سياق تسارع الخطوات التمهيدية لـ "صفقة القرن" التي تعمل عليها الادارة الاميركية. لذلك فهي قد تشكل مؤشراً قوياً على اقتراب موعد الانعطافة العلنية الحادة في الموقف الرسمي من الكيان الإسرائيلي، الذي قد يتزامن مع خطوات داخلية سعودية، وخطوات غير مسبوقة لاحقة باتجاه الكيان الإسرائيلي ايضا.
وليس خافياً أن المقابلة جرت في ظل التصعيد السعودي ضد لبنان ومقاومته، وبعد كشف أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، عن طلب سعودي من تل ابيب مهاجمة حزب الله.
ومع أن ايزنكوت نفى أن تكون لدى "إسرائيل" أي نوايا بشن حرب على لبنان، فإن هذا الامتناع ليس طوعياً، ولا خيارا ابتدائيا، وانما يعود للاثمان التي يدرك أنهم سيدفعونها ازاء أي خطوة بهذا الحجم. وما لم يقله ايزنكوت في المقابلة، عن خلفية الموقف الإسرائيلي في تجنب الحرب، تكفلت بشرحه مصادر أمنية رفيعة المستوى في الجيش (وعادة ما تكون برتبة لواء، أي عضو هيئة أركان، وفي أقل الاحوال برتبة عميد)، للكاتب بن كسبيت في موقع "المونيتور"، بالقول إنهم "في الجيش الإسرائيلي يعلمون أنه بات من المؤكد ان المواجهة المقبلة مع حزب الله، ستنضم اليها كل من سوريا المتعافية وايران، وهي لن تكون شبيهة بما سبقها من حروب". وتضيف المصادر أن "قوة النيران الموجودة في حوزة حزب الله، بدعم من (الرئيس السوري بشار) الاسد وايران....." تشكل مانعا لكل قيادي في إسرائيل، وتحديدا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، من المسارعة إلى اشعال حرب في الساحة الشمالية، وفتح أبواب الجحيم".
في المقابل، احتفظ ايزنكوت بهامش يبرر له أي اعتداء لاحق ضد ما يراه "تهديدا استراتيجيا"، وفي الوقت نفسه يستطيع أن يعتبره غير مناقض لما قاله عن عدم وجود نوايا "للمبادرة بشن هجوم على حزب الله في لبنان والوصول إلى حرب". فما الذي يعتبره تهديداً استراتيجياً؟ ومتى سيقرر أن هذا التهديد تحقق؟ وكيف سيعالجه؟ وبالتالي، يلاحظ أن ايزنكوت نفى نوايا الحرب والمواجهة، لكنه ترك الباب مفتوحاً.
ليس أمرا عابراً، أن يرى رئيس أركان جيش العدو أن السعودية "لم تكن يومًا من الايام عدوة أو قاتلتنا أو قاتلناها". وهي سمة لا تنطبق على كل الذين عقدت معهم "إسرائيل" حتى الان معاهدات تسوية، مصر والاردن والسلطة الفلسطينية. فكل من هذه الاطراف قاتل "إسرائيل" – بغض النظر عن ظروف النظام الاردني – وكان عدوا في مرحلة سابقة. لكن رتبة النظام السعودي تتفوق على كل هؤلاء أنه في كل تاريخه وتاريخ الكيان الإسرائيلي لم يكن هناك أي عداوة بينهما، ونستطيع التقدير أن اعتبارات ظرفية حالت دون اسهابه في ما كان بينهما منذ أن قامت بريطانيا بإنشائهما.
في ضوء ما تقدم يصبح ما أدلى به ايزنكوت، عن التوافق التام بين "إسرائيل" والنظام السعودي، "نتيجة طبيعية". وما قال إنه سمعه على لسان المسؤول السعودي في لقاء رؤساء الاركان في واشنطن، "بكونه مطابقا تمامًا لما افكر به بما يتعلق بايران وضرورة مواجهتها في المنطقة وضرورة ايقاف برامجها التوسعية"، هو الترجمة لمفهوم أننا نقاتل في الخندق الواحد عدوا مشتركا.
ينبغي أن لا نفوّت الاشارة إلى أن ايزنكوت تعمد استخدام تعبيرات ومفردات واضحة الدلالة، كونه يتحدث مع موقع سعودي. وهو ما برز في توصيفه بالقول "يمكن رؤية المخطط الايراني وهو السيطرة على الشرق الاوسط بواسطة هلالين شيعيين الاول من ايران عبر العراق إلى سوريا ولبنان والثاني عبر الخليج من البحرين إلى اليمن وحتى البحر الاحمر وهذا ما يجب منع حدوثه في المنطقة...". لكن ما لم يكمله ايزنكوت وتركه لخيال القارئ هو أن ما بين الهلالين الشيعيين (كما أسماهما) تقع "السعودية". وفي المقابل "إسرائيل" جاهزة للتعاون منعا لحدوث ذلك.