ارشيف من :آراء وتحليلات
معادلة حزب الله الجديدة
(صحافي مصري)
قبل أيام قليلة كانت المنطقة تموج بتباشير عدوان جديد على لبنان، يستهدف القلب النابض – والملتهب- حاليًا لأمتنا العربية ومقاومتها الشريفة. خيار العدوان لم يفشل لأن قوى البغي آثرت السلامة، لكنه فشل لأن حزب الله يمتلك اليوم من القوة والحضور ما لا يستطع السلاح كسره.
في مؤتمر الشباب، الذي عقده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بمنتجع شرم الشيخ، أكد السيسي للمرة الأولى أن بلاده لن تنجرف وراء التصعيد السعودي في لبنان، في قطيعة كاملة مع سياسة "بن سلمان" الجنونية.
الرئيس المصري، بصفته وزير دفاع سابق، يدرك أن التورط في صدام ضد حزب الله على الأرض اللبنانية خيار انتحار مؤكد، لغم سينفجر في أول من يحاول الاقتراب منه، كما أدرك من قبله قادة الصهاينة، الذين سارعوا للمرة الأولى للنأي بأنفسهم عن أي عدوان على لبنان.
عن يقين انطلقت الكلمات حاسمة في ألفاظها قاطعة في مدلولاتها، تدعو للتهدئة، وتبشر من يقرعون طبول الحرب بالخسران. كلمات لم ينطلق أوضح منها خلال أيام الأزمة، منذ اختطاف رئيس الوزراء سعد الحريري، والتجهيز السعودي للعدوان على لبنان، عن طريق التحالف مع أطراف عديدة بالشرق الأوسط.
رغم الوعود السعودية لدولة مأزومة اقتصاديًا مثل مصر، أو لكيان صهيوني راغب في العدوان، إلا أن الحزب بقي أقوى من أحلام "بن سلمان" وأمواله ومؤامراته، والحركة السياسية لأمينه العام السيد حسن نصر الله، وضعت السعودية، ومن وراءها، في الركن الضيق، فقد استطاع بمهارة بالغة، تميز بها طوال مسيرته، نقل الكاميرات إلى التركيز على رئيس الوزراء سعد الحريري، لتبدو المملكة بعد أسبوعين فقط من تطبيق خططها للعدوان في موقف دفاعي بائس.
العالم كله يدرك الآن أن رئيس وزراء لبنان مختطف في السعودية، وهو عين ما قاله حزب الله فور اندلاع الأزمة، ليخرج بأكبر المكاسب حتى اللحظة، وتبدو خطوة "بن سلمان" القادمة خاسرة مقدمًا، فهو يعلم أن خططه قد فضحت، وما كان يظنه فخًا للبنان كله أصبح قنبلة موقوتة في غرفة نومه، لا هو قادر على إخراجها، ولا هو قادر على الاحتفاظ بها.
ليست القوة وحدها هي ما تمنع الجميع من إعلان حربهم على حزب الله، لكن "المهابة" المتمثلة في السيد حسن نصر الله، هي ما تمنح كل عربي حر الأمل في غد أفضل، غد تحمل شمسه الانتصار على الصهاينة وأدواتهم.
يدرك كل اللاعبين في المنطقة الآن أنهم يواجهون خصمًا صعبًا، دستوره طريق الحسين –ع- يمتحن بالنضال فيقدم الشهادة على طريق الحق، ويرسم بدماء الأبطال طريق النصر، وهو ما خبره الصهاينة سابقًا، فلم يجنوا من طريق الحرب إلا الدمار والتراجع.
كما مثل دخول حزب الله للحرب في سوريا نقطة تحول هائلة، كسرت خطط التقسيم، وألقتها في مزابل التاريخ، فقد كان على جانب آخر أملًا لشعوب أخرى لا تجد حلاً لأوضاعها البائسة المأزومة، في البحرين واليمن، وفي جرح الأمة النازف فلسطين.
وضع حزب الله نفسه بنفسه في تاريخ الأمة –على قصر عمر وجوده- كأيقونة للنصر الأكيد، واستطاع السيد حسن نصر الله اجتذاب أفئدة شبان عرب، عاصروا انتصارات مدوية على عدو ظنوه سابقًا لا يقهر.
أرسى السيد قواعد جديدة للعمل العربي ضد الصهاينة، قواعد لم يألفها العقل العربي، الساقط تحت نير خطاب رسمي يؤسس للتبعية والاستسلام، فإذا به يصطدم منتشيًا بانتصار تلو انتصار للحزب، ويفرح بهزيمة تلو الأخرى للصهاينة، وفي القلب صورة السيد يعد –وهو صادق- بالنصر النهائي، ويذكر كلمة فلسطين أكثر مما سمعناها من أي رئيس عربي.