ارشيف من :آراء وتحليلات
الدولة السعودية الرابعة؟!
محمد محمود مرتضى
تاريخياً، يطلق على المملكة السعودية الحالية اسم "الدولة السعودية الثالثة" في إشارة الى الدولة التي أسسها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود وأعلن عنها عام 1932. فيما الدولة الأولى تأسست عام 1744، وأسسها محمد بن سعود آل مقرن أمير الدرعية، لكنها سقطت عام 1818 على يد الجيش العثماني بقيادة إبراهيم باشا. أما الدولة الثانية فقد أنشأها تركي بن عبد الله بن محمد آل سعود في سنة 1818م بعد سقوط الدولة السعودية الأولى مباشرة، حيث انتقلت العاصمة من الدرعية إلى الرياض. لكن الصراعات والحروب، خصوصا اختلاف أبناء فيصل بن تركي بن عبد الله آل سعود، أضعف الدولة وتسبب بسقوطها على يد آل رشيد حكام إمارة جبل شمر في سنة 1891.
ورغم متغيّرات حيثيات التأسيس وظروفها التاريخية، إلا أن تركيبة الحكم التي قامت على تحالف آل سعود وآل الشيخ، أي تحالف الديني والسياسي، بقيت هي الثابت الأساس، مع دخول عنصرين جديدين: تمثل الأول بالتخلص من حركة "اخوان نجد"، بقيادة فيصل الدويش وسلطان بن بجاد، العصا الغليظة التي استعملها الملك عبد العزيز في تأسيس "الدولة الثالثة"، وذلك بعد الاستعانة "بالحامي" البريطاني في معركة "السبلة"(1929). فيما كان الثاني عبارة عن القفزة الاقتصادية الهائلة التي شهدتها المملكة لاحقاً بعد الاكتشافات النفطية الهائلة.
والواقع أن هذه "الدولة الثالثة" شهدت محاولات "اصلاحية" تركزت بمعظمها حول نقطتين: الأولى: تتعلق بالمؤسسة الدينية للنهوض بها بما يتلاءم مع الاصلاحات الاقتصادية والثروات المكتشفة، في محاولة "لعصرنة" العقل الوهابي. وقد تمت الاستعانة بكوادر "الاخوان المسلمين" من مصر في منتصف القرن الماضي. إلا أن مخاض "الاصلاح" انتج حركتين شكلتا تهديداً للمملكة. كانت حادثة احتلال الحرم المكي من قبل جيهمان العتيبي عام 1979، احدى هذه الحركات، فيما كانت الحركة الثانية هي ما عرف بتيار الصحوة أو التيار السروري. وما بين حركة جيهمان والصحوة، فان المؤكد أن أي حركة اصلاحية للمؤسسة الدينية لن تنتج الا حركة أكثر عنفاً وتطرفاً. ما يفضي الى القول أن الوهابية بطبيعتها الفكرية وما تحويه من عناصر لا يمكن أن تنتج فكرا او حركة معتدلة.
أما المحاولة الاصلاحية الثانية فكانت تتعلق بكتابة دستور للمملكة والذي خطه أولا الملك فهد (الأمر الملكي رقم أ/90 وتاريخ 27/8/1412 الموافق عام 1992) ثم اضاف اليه الملك عبد الله تأسيس ما سمي بهيئة البيعة (أعلن عنها عام 1428 هـ الموافق لعام 2007 برئاسة الأمير مشعل بن عبد العزيز آل سعود).
ان الامر المسلم به أن نظام الحكم الاساس(الدستور) وهيئة البيعة، قد ثبّتا معادلة انتقال السلطات مع استحداث منصب ولي ولي العهد، فيما يبدو أنه بمثابة تحضير الارضية لانتقال الحكم الى الجيل الثاني بعد الجيل الأول من إخوة الملك المؤسس عبد العزيز.
ورغم كل ما تقدم، فإنه مع وصول الملك سلمان بن عبد العزيز الى سدة العرش، بدأت تشهد المملكة تغييرات ستكون لها عواقب كبيرة تغيّر من المشهد العام فيها. فقد أجرى الملك سلمان تغييرات أولية أطاحت أولا بولي عهده الأمير مقرن بن عبد العزيز، ليعين بعدها الامير محمد بن نايف وليا للعهد وولده محمد بن سلمان ولياً لولي العهد. ومع وصول محمد بن سلمان الى ولاية ولاية العهد، بدأ الاخير باتخاذ اجراءات تجمع اكبر ممكن من الصلاحيات بيده وتفسح المجال في نهايتها لوصوله الى العرش متجاوزا ولي العهد محمد بن نايف.
ورغم خطوات بن سلمان في "تكديس" السلطات الاقتصادية بيده، ومسكه بمفاصلها الاساسية، الا أن ذلك لا يشكل عنصر تحول كبير في السلطة داخل المملكة مقارنة بما حصل في الآونة الاخيرة على مستوى اعتقال عشرات الامراء للسيطرة على اموالهم تحت حجة محاربة الفساد. والواقع ان الخطورة تكمن في تجاوز ولي العهد لكل الاعراف والتقاليد السائدة في العائلة الحاكمة منذ التأسيس. اعني توزيع الثروات والمحافظة على عناصر التوازن واحترام الجيل الاول والثاني منهم. ويضاف الى ذلك محاولات الاقتراب من المؤسسة الدينية وان لم يكن الاستهداف للبنية العميقة للوهابية، وتشريع بعض الامور التي كانت تعتبرها المؤسسة الدينية من "المدنسات"، لا سيما تلك النشاطات التي تقوم بها هيئة الترفيه، فضلا عن ضرب آلية انتقال السلطات التي أُرسيت منذ الملك المؤسس. كل ذلك يدل على أن المملكة ستشهد تغييرات هائلة تقارب المرحلة التي عاشتها في بداية تأسيس الدولة الثالثة، ما يجعلنا نعتقد أن المملكة مقبلة على ما يمكن تسميته "بالدولة السعودية الرابعة". ليُطرح السؤال التالي: مع غياب الخطر الخارجي الذي أدى لانتهاء الدولة السعودية الاولى، اي مصير ينتظر هذه الدولة الرابعة: هل هو الصمود كما صمدت الدولة الثالثة، أم ان مصيرها سيكون كمصير الدولة الثانية، أعني تفككها الداخلي بسبب الصراعات بين أمرائها؟