ارشيف من :أخبار لبنانية
«الراي»: سليمان وبري اتفقا على قيام الحريري بمبادرة جديدة عاجلة تجاه عون
تبدو أزمة تأليف الحكومة الجديدة في لبنان كأنها تجاوزت كل التقديرات والتوقعات المسبقة وأحبطت جميع مَن اعتقدوا ان مداها الزمني لن يتعدى بكثير الامد الذي استلزمه تشكيل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأخيرة والذي دام نحو 52 يوماً. فالازمة الحالية دخلت شهرها الثالث، ولا شيء يدلّ حتى الان الى ان امكانات انتهائها واعلان الولادة الحكومية ستكون متوافرة في وقت قريب او في مدى منظور. وتتصرف سائر القوى السياسية في ضوء اقتناع عام سائد بأن أوان الحسم الحكومي لم يكمل شروطه وظروفه الداخلية والخارجية بعد، وهو الامر الذي يؤكد ان الازمة باتت مرتبطة على نحو محكم بحسابات اقليمية تمنع انفراجها، الا على وقع تحريك هذه الحسابات.
والواقع ان ثمة اوساطا معنية بالمشاورات الجارية بين رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري والقوى السياسية، لفتت لـ«الراي» الى ان لبنان يعيش حالة «هدنة سياسية» يُظهر الجميع حرصهم على استمرارها وترسيخها. وهذا الامر على ايجابيته، ينطوي على بُعد سلبي، هو امكان تطويل الازمة الحكومية اكثر مما طالت حتى الان ورهن تشكيلها بتطورات خارجية او بتدخل عربي واقليمي ودولي، كأن اللبنانيين يؤكدون بذلك عدم قدرتهم منفردين على مواجهة استحقاقاتهم.
وتضيف ان الرهان الجديد الان هو ان يكون سفر الرئيس ميشال سليمان الى نيويورك للمشاركة في اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة في 23 سبتمبر المقبل، الموعد المحفز للتعجيل في الجهود والمشاورات واطلاق جولة كثيفة في الايام القليلة المقبلة، علّ هذه الجولة تتوصل الى تسوية وتفاهم حول اخر العقد المحلية التي تعترض تشكيل الحكومة وهي ما يسمى عقدة شروط زعيم «التيار الوطني الحر» النائب العماد ميشال عون الذي كان رفع سقف مطالبه، اول من امس، مقابِِلاً دعوة الحريري اياه الى الغداء، قائلاً «مَن يُرد التشاور فليأتِ الى منزلي، ولن أذهب الى احد»، ومؤكداً أنه لن يكون خارج التشكيلة الحكومية بل ضمنها وبخمس حقائب وانه لن يستأنف التفاوض «الا بعد اعتذار من الذين أساؤوا اليّ»، ومستبعداً ولادة قريبة للحكومة.
وفيما قابلت مصادر الرئيس المكلف موقف عون، مؤكدة ان الحريري ليس بوارد زيارة زعيم «التيار الحر» مرة ثانية بعدما كان قام بزيارة بروتوكولية له بعيد تكليفه تشكيل الحكومة، اشارت اوساط مطلعة لـ «الراي» الى ان رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه بري اتفقا في لقائهما، الاربعاء، على حض الرئيس المكلف على القيام بمبادرة جديدة عاجلة تجاه عون.
وتعتقد الاوساط نفسها، انه في حال جدد الحريري دعوة عون الى لقاء، مع ترسيخ هدنة اعلامية بين تيار « المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، فان «حزب الله» يلعب دورا في اقناع عون بعقد اللقاء. وتضيف ان هذه الآلية المحتملة قد تكون واردة في الايام المقبلة ويدفع كثر في اتجاهها من دون اوهام كبيرة في نجاحها او حتى في امكان نجاح المفاوضات بين الحريري وعون حول شروط الاخير. لكنها في حال حصولها ستشكل تطورا مهما لانها ستضع عملية تشكيل الحكومة امام اختبار حاسم لكشف اذا كانت المعوقات التي تعترض الولادة الحكومية محض داخلية او مرتبطة بدوافع اقليمية على ما يخشى كثر.
ونفت هذه الاوساط لـ «الراي» ان يكون الحريري في وارد عرض تشكيلة حكومية جاهزة على رئيس الجمهورية في وقت قريب وقبل ان يستنفد كل المحاولات الممكنة لحل مسألة شروط عون.
وفي ضوء ذلك، فان الاوساط نفسها تعتبر ان تشكيل الحكومة قبل سفر سليمان الى نيويورك سيتقرر مدى نجاحه او فشله في غضون الايام العشرة الاولى من سبتمبر، ويصعب الان الجزم باي احتمال مع ان معظم المعطيات لا تبعث على التفاؤل. وتترقب الدوائر المراقبة الموقف الذي ينتظر أن يعلنه سليمان أمام مدعويه من القيادات السياسية والروحية في مأدبة الافطار الجامعة التي يقيمها في القصر الجمهوري غروب الثلاثاء المقبل، والتي بدأ توزيع الدعوات الرسمية لها، على ان تضم نحو 200 شخصية.
وعُلم ان سليمان يحرص على ان تكون الكلمة التي سيلقيها في الافطار بين حدّيْ تأكيد قوة موقعه ودوره الأساسي في الحياة السياسية، وقرع «جرس الانذار» من اي تباطؤ اضافي في انجاز التشكيلة الحكومية، مع التمسك بضرورة تثبيت حالة الاستقرار والتوافق. كما تنظر دوائر مراقبة في بيروت باهتمام الى محطتيْن يمكن ان تكونا محوريتين في حال لم تتشكل الحكومة في غضون الأسابيع الثلاثة المقبلة، هما:
* حفل الافتتاح الرسمي لـ «جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية»، المقرّر أن يجري في السعودية في سبتمبر، باعتبار ان عدداً كبيراً من رؤساء الدول العربية وغير العربية سيحضرون الاحتفال، وبينهم الرئيسان اللبناني والسوري بشار الاسد.
ولا تستبعد أوساط سياسية ان تشكل هذه المناسبة محطة للتداول العام بالملف اللبناني، وامكان التواصل المباشر بين الرؤساء العرب والمسؤولين اللبنانيين ومعرفة واقع أزمة تأخير تأليف الحكومة.
* الدورة العادية للجمعية العمومية، التي تعقد في 23 ايلول / سبتمبر، باعتبار انها يمكن ان تكون محطة ثانية لطرح الملف اللبناني في اللقاءات الجانبية التي ستعقد على هامش المؤتمر.
وتربط دوائر قريبة من فريق الاكثرية في بيروت بين «فرْملة» سورية ما كان تم التوافق عليه مع السعودية بخصوص الملف اللبناني وتالياً ابقاءها الوضع اللبناني «معلقاً» وبين رغبتها في «استدراج عروض» من الولايات المتحدة تتصل بملفات عدة اقليمية أبرزها موضوع السلام في الشرق الأوسط في ضوء التحرك الذي يقوم به الموفد الاميركي جورج ميتشل والذي يكاد ان «يدير الظهر» للمسار السوري في هذه المرحلة، الى جانب الملف العراقي الذي يشكل «الأربعاء الدامي» الذي شهده أبرز تجليات عودة التوتر الى العلاقات السورية - الأميركية، في موازاة عودة العلاقة السورية - العراقية الى «نقطة الصفر» بعد تبادُل سحب السفراء.
وتبعاً لذلك، ترى الاوساط القريبة من قوى الأكثرية ان سورية لم تتعوّد ان تقدّم اي شيء في لبنان «مجاناً» وتحديداً على صعيد تسهيل تشكيل الحكومة، وهي تبعاً لذلك، تُبقي على هذا الملف «ورقة مساومة» مع الأميركيين في ملفي السلام والعراق، ولاسيما بانتظار الكلمة المهمة التي سيلقيها الرئيس باراك اوباما امام الجمعية العمومية.
المحرر المحلي + صحيفة " الراي " الكويتية