ارشيف من :آراء وتحليلات
زوال ’دولة’ داعش... وارتفاع المخاطر على ’إسرائيل’
جهاد حيدر
ليس صدفة أن يتزامن استكمال القضاء على كيان "داعش" في سوريا والعراق، مع تقدير قادة العدو في تل ابيب بارتفاع مستوى الأخطار المحدقة بالأمن القومي الإسرائيلي.
تجسد هذا المفهوم في توصيف وزير الأمن الإسرائيلي افيغدور ليبرمان للبيئة الاقليمية التي تبلورت بعد داعش، بالحديث عن ثلاثة تغيرات جوهرية رئيسية: الوجود الروسي الضخم في سوريا، الذي يغير الوضع برمته في الشمال، ووصول أسلحة دقيقة إلى حزب الله وسورية... وتطوير برنامج ايران الصاروخي.
أتى موقف ليبرمان في سياق تبرير المطالبة بزيادة الموازنة المالية للجيش بنحو مليار دولار، ثم أتى موقف نتنياهو ليطالب بأكثر من ضعفي هذا المبلغ، بهدف تلبية متطلبات مواجهة التهديدات المتعاظمة على الامن القومي الاسرائيلي.
فما طبيعة هذه المتغيرات، ولماذا انعكست المطالبة بزيادة الموازنة الأمنية؟
تأتي المطالبة بزيادة الميزانية الأمنية، خلافا للاتفاق الموقع عليه بين وزير الأمن السابق، موشيه يعالون، ووزير المال، موشيه كحلون، التي قضت بتحديد ميزانية الأمن، بـ 300 مليار شيكل على مدار خمس سنوات (2016 ــ 2020)، وتم الاتفاق مع رئيس أركان الجيش، غادي ايزنكوت، على أن يكون نصيب الجيش منها 31 مليار شيكل، إضافة إلى الدعم الأميركي منذ مطلع 2019 الذي سيصل إلى 3.8 مليارات دولار سنوياً.
تم التوقيع على هذا الاتفاق في ظل واقع إقليمي مغاير، ووفق رؤية وتقدير يستبعد تسارع انتصارات دمشق وحلفائها بهذا المنسوب الذي شهدته الساحة السورية. لكن سرعة التطورات والمفاجآت الميدانية والاستراتيجية أدت إلى ارتفاع منسوب التهديدات المحدق بإسرائيل من الجبهة الشمالية.
هذا التحول في الواقع وما ينطوي عليه من تهديدات متصاعدة دفع الاجهزة المختصة في تل ابيب، للدعوة الى تعديل الخطط العسكرية والقتالية، ما يستوجب بالضرورة زيادة حاجة الجيش إلى المزيد من الوسائل القتالية الحديثة، وفي النتيجة المزيد من الإنفاق والأموال.
يكشف هذا المسار عن حجم المفاجأة التي اصطدمت بها المؤسسة الأمنية التي وافقت على اتفاق يحدد لها ميزانيتها للسنوات الخمس المقبلة انطلاقاً من تقدير يرى أن حجم التهديدات المحدقة بإسرائيل لن يتصاعد في أسوأ الأحوال. إذ لم يخطر في وهم القادة الاسرائيليين أن تتحول روسيا الى قوة عسكرية اقليمية على تخوم الكيان الاسرائيلي. في البداية كان الرهان الاسرائيلي على أن تتمكن الجماعات المسلحة والارهابية، وعلى رأسها داعش، من تحويل الساحة السورية الى مستنقع للقوات الروسية والاطاحة بكل القوى التي تواجههم. لاحقاً تمحور الرهان الاسرائيلي على صمودهم وتمكنهم من التحول الى عنصر استنزاف مفتوح لمحور المقاومة ومعها القوات الروسية.. وكان الأمل السائد في تل ابيب، على إحداث قدر من التوازن بما يقسم الجغرافية السورية والعراقية، ثم تحول الرهان على لعب روسيا دورا كابحا لمحور المقاومة، وفرض صيغ سياسية وامنية تلبي الطموحات والامال الاسرائيلية على الساحة السورية، فكانت صدمة الاتفاق الثنائي بين واشنطن وموسكو، حول خفض مناطق التوتر في الجنوب السوري، الذي أحدث بلبلة في المؤسستين السياسية والأمنية في اسرائيل.
مع ذلك، ينبغي القول أن روسيا ما تزال - من منظور اسرائيلي - قوة اقليمية ومدخلا الزاميا لأي ترتيب سياسي أو أمني في الساحة السورية، لكنها من جهة أخرى، شريك لمحور المقاومة في مواجهة الارهاب، وتتجاوز دائرة التقاطعات مع الجمهورية الاسلامية الساحة السورية، هذا من دون تجاهل حقيقة أنها دولة تحرص على علاقات ثنائية ايجابية مع كيان الاحتلال الاسرائيلي. هذا التداخل والتعقيد الذي يشوب العلاقات الاسرائيلية الروسية، عزز مخاوف تل ابيب من مفاعيل التواجد الروسي بفعل المساحة المشتركة من المصالح بين روسيا ومحور المقاومة.
وأتى القضاء على داعش، ليعزز المخاوف الاسرائيلية من انتهاء مرحلة الرهان على استنزاف محور المقاومة، بما يؤدي الى ضعفه وتقييده في مواجهة اسرائيل. وبما أن القضاء على داعش أتى لصالح الجيش السوري وحلفائه، يعني ذلك في تل ابيب المزيد من القدرات العسكرية والصاروخية، المتطورة والدقيقة. ويعني ذلك تفاقم التهديد المحدق بالامن القومي الاسرائيلي. كما يعني ذلك المزيد من التقييد على أي قرار اسرائيلي يتصل بتفعيل دور تل ابيب في المنطقة، كخيار بديل عن الجماعات المسلحة والارهابية، كل ذلك، مدعوم بمسار متصاعد في تطور الصناعات الصاروخية والعسكرية لايران.
مشكلة تل ابيب، بل منبع الخطورة بالنسبة لها، أن الحاجز (سيطرة داعش) الذي كان يمكن أن يحول دون تدفق هذه القدرات ويمنع تواصل محور المقاومة، وتبلور مظلة اقليمية تحجم الهيمنة الاميركية، قد تم اقتلاعه، وتحطيم اركانه، وباتت اسرائيل وجها لوجه في مواجهة قوى محور المقاومة. وبعبارة أخرى، زوال داعش، دفع اسرائيل للمطالبة بمزيد من الاسلحة المتطورة، ورفع الميزانية الامنية، وعلى هذه الخلفية، يمكن فهم ابلاغ نتنياهو للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن التواجد الايراني في سوريا يتعارض (يشكل تحديا) مع مبادئ الامن القومي الاسرائيلي.