ارشيف من :آراء وتحليلات
تعزية ’حزب الله’.. ووحدة المعركة
أحمد فؤاد (صحافي مصري)
في إحدى تحف الإنتاج الإنساني، فيلم "سبارتاكوس"، عن رواية هوارد فاست، الذي يحكي قصة انتصار الحق ولو عبر بوابة الموت، يأمر "كراسوس" قائد الجيش الروماني المزهو بانتصار الباطل، بصلب كل العبيد الباقيين بعد المعركة، وإحضار عبده "الشاعر كراكتشس" و"سبارتاكوس" ليتقاتلا أمامه حتى الموت، والناجي منهما يصلب تحت الشمس الحارقة.
خلال المبارزة كان كل واحد من الرفيقين حريصًا على قتل صاحبه بالسيف، فالموت السريع رحيم للغاية بالمقارنة بعذاب الصلب الطويل، والذي سينتهي بالموت أيضًا.. شاهد قائد الجيش بعينه أنبل وأرقى المشاعر الإنسانية، مشاعر تذيب الحجر بفرط نقائها، لكن قلبه الأسود لم يكن على استعداد للرؤية، كان أصم، أبكم، وأعمى أمام الشاهد الفياض بالعذوبة.
مشهد أقرب إلى عقولنا، نحن العرب، جرى عصر يوم الجمعة، تفجير مسجد مصري، وضحايا بالمئات، لأول مرة في تاريخ هذا البلد، دماء في المساجد، لم تجد قلوبًا أرق من سوريا وحزب الله ليكونا في طليعة المنددين والواقفين مع أهليهم هنا، رغم ما يمرّان به من أخطار، وما يجابهانه سويًا من معارك كونية طالت لسنوات ست.
رغم النزيف والدم والألم الذي يبذله الجيش العربي السوري وحلفاؤه، وفي مقدمتهم حزب الله، في حرب مشتركة، يخوضونها نيابة عن الأمة، إلا أن نزيف الدم المصري الزكي آلمهما وجعل من اصطفافهما ضروريًا مع شعبهما العربي المصري.
لم ينتظر الحزب بالذات جزاء ولا شكورًا، واندفع يُذكّر، في نبل يليق بطائفة آلت على نفسها أن تحمل همّ وشرف حمل لواء الأمة أمام عدونا الصهيوني ومن وراءه، بالعدو الحقيقي، ويُذكر بأن المعركة واحدة، وأن الرصاص الذي يستهدف أبناءنا في سيناء وفلسطين واليمن وسوريا والعراق مصدره واحد، واليد الوهابية الممتدة بالقتل لشعوبنا واحدة.
معركة مصر الآن هي معركة محور المقاومة، رأى من رأى، وكابر من كابر، قلب مصر ينزف بالسلاح عينه الذي يستهدف أبناء جيشنا العربي السوري، وأشقاءنا في حزب الله، ومحور المقاومة، وطريق الانتصار معروف ومعبد بتضحيات إخوتنا، على مدى سنوات، لا ينتظر سوى قرار الخروج من مرتهن التبعية الذي ترزح تحته مصر لعقود كئيبة طالت.
في العراق تمكنت قوات الحشد من تحقيق واحد من أبرز الانتصارات العربية حتى الآن، بعد أن سقط ثلث العراق محتلًا بيد داعش، وسط شماتة واحتفاء قنوات الخليج بإنجازات من اعتبرتهم "أهل السنة والجماعة".
درس العراق وحده كان كافيًا للرئيس المصري ليعيد تشكيل رؤيته للمشهد في سيناء، التي مُلئت دمًا على مدى سنوات، وتحولت حياة أهلها إلى عذاب بين طلقات الرصاص، وغياب الخدمات، وتخوين صادر من إعلام يأتمر بأوامر الكفيل السعودي.
المنطقة التي ضربها الفكر الوهابي، والمال الخليجي، والسلاح الأمريكي، واليد الصهيونية، تنتظر وحدة أبنائها، تنتظر الشرط اللازم لتحقيق ثاني خطواتها إلى النصر، بعد أن عبرت طوابير الأبطال، تحت علم الوحدة، الخطوة الأولى في سوريا، وتمكنت من كسر يد الناتو التي كانت تستعد للانقضاض على دمشق، كما انقضت على طرابلس الليبية، وقسمت ليبيا إلى مدن وجماعات يضرب بعضها رقاب بعض.
التنظيمات الإرهابية في مصر هي ذاتها التنظيمات الإرهابية في سوريا، وفي ليبيا، وفي كل بلد عربي ابتلاه الله بالجمعيات السعودية والخليجية وأموالها السوداء، واستغلت في سيناء فراغ كامب ديفيد، الذي صنعه السادات، وغذاه الكيان الصهيوني، ليمثل الخنجر المصوب دائمًا إلى ظهر مصر المبتلاة.
اللافت في بيان حزب الله أنه تقدم إلى الحكومة والشعب بالتعازي، خلاف البيانات الروتينية التي تصدر من الذئاب دومًا، والتي تدس سم التشفي في عسل المواساة، كان البيان "قلبيًا".. فإلى القلوب وصل.
ولن ننسى، مهما طال مدى الفراق، أن العلم الذي يقاتل تحته أبطال محور المقاومة هو علم مصر، قبل الانقلاب الساداتي المشؤوم.