ارشيف من :آراء وتحليلات

استهداف مصر والبصمة الإسرائيلية: بماذا تُفكر تل أبيب؟

استهداف مصر والبصمة الإسرائيلية: بماذا تُفكر تل أبيب؟

محمد علي جعفر
(باحث في إدارة المنظومات والشؤون الإستراتيجية)
شكَّلت مصر بسبب موقعها الجغرافي والسياسي قدرة على لعب أدوار عديدة، في ما يخص السياسة الإقليمية، وهو الأمر الذي تسعى تل أبيب لتجييره لصالحها. لكن ذلك لا يمكن أن يحصل، دون دفع مصر الى تبني توجهات سياسية تخدم الخيارات الإسرائيلية في المنطقة. فموقع الطرف المصري يجعل من مسار السياسة المصرية عاملاً مُؤثراً على مصالح تل أبيب الإستراتيجية. ولعل بروز ملف المصالحة الفلسطينية وإدارة مصر لهذا الملف بشكل لم يُرض الطرف الإسرائيلي بعد أن رفضت وضع سلاح المقاومة كورقة لتفاوض، جعل تل أبيب تنتقل الى مرحلة التصعيد ضد مصر عبر إدخالها في لعبة التوتر الأمني التي طالما اعتمدتها. فكيف تظهر البصمات الإسرائيلية في التوتر الأمني الذي يضرب مصر لا سيما سيناء؟ وإلى ماذا تسعى تل أبيب؟
يُشارك الكيان الإسرائيلي أمريكا وحلفاءها اليوم، بالشعور بالفشل نتيجة خسارة المشروع الأمريكي في سوريا والعراق، وبالتالي خسارة واشنطن لأوراقها في المنطقة. في حين شكَّلت مسألة تعاظم قوة محور المقاومة لا سيما عودة النظام السوري الى الساحة الإقليمية والدولية وتزايد قوة حزب الله، وما يعنيه ذلك من خطر على الأمن القومي الإسرائيلي، شداً لعصب المقاومة الفلسطينية مع إعطائها دفعاً معنوياً ساهم في خروج قياداتها للتلويح بنقل السلاح الى الضفة الغربية وما يعنيه ذلك بالنسبة للكيان الإسرائيلي.
في ظل هذه التطورات، شكلت السياسة المصرية في الأشهر الأخيرة انعطافة ضد مصالح تل أبيب، إن من خلال الموقف من سوريا أو من حزب الله والمقاومة الفلسطينية. لم تُشاطر مصر الجنون السعودي ضد إيران ومحور المقاومة. أدركت تل أبيب أن الانعطافة المصرية قد لا تكون إلا البداية، مما يُشكل خطراً استراتيجياً على حساباتها. فالسياسة المصرية تجاه سوريا وحزب الله وفلسطين، تعني بنتائجها الطرف الإسرائيلي الذي ظل طويلاً متكئاً على التخاذل العربي تجاه هذه الأطراف. مما يعني ضرورة جعل مصر تأخذ موقفاً يتناغم مع الكيان الإسرائيلي في ما يخص هذه الأطراف لا سيما محور المقاومة، في ظل مساعٍ حثيثة لإدخال أطراف جديدة في لعبة التطبيع.  
وهنا، يبدو أن التغيرات في المنطقة نقلت الصراع الى مرحلة النظر في الحسابات وبالتالي خلط الاوراق الإقليمية من جديد. فالمواقف المصرية لا شك أنها تؤثر على الواقع العربي كما على السياسات الإقليمية. وليس غريباً اليوم وجود تناقضٍ ظرفي في المصالح بين أمريكا وتل أبيب، أنتجته إنجازات محور المقاومة والفشل الذريع للرهانات الأمريكية، ما أدخل الأطراف كافة في حسابات الأمن الوجودي. أمن وجودي تشعر به تل أبيب أكثر من واشنطن كونها تعيش في قلب الأحداث. كل هذه الأسباب قد تُفسر المشاكسات الإسرائيلية والجنون السعودي، وتُفسر أيضاً اللعب القبيحة للطرفين. وبالعودة الى مصالح تل أبيب، فإن السعي لجعل المصالح الإسرائيلية والمصرية في سلة واحدة بات أولوية بالنسبة لصانع القرار في اسرائيل. فبعد فشل مشروع المنطقة الأمنية في الجنوب السوري وفشل محاولات إرضاخ المقاومة الفلسطينية في غزة، بات أمر حسم المصالح مع مصر ضرورياً.  وهو ما تدعمه التسريبات التي تتحدث عن محاولة لجعل سيناء ملاذاً لداعش.
إذاً تُثبت البصمات الإسرائيلية في العمل الإرهابي الذي ضرب سيناء، المساعي الإسرائيلية لإعادة رسم الخطوط السياسية للتوجهات المصرية. في حين يبقى التساؤل عما ستؤول اليه الأمور رهناً بالمستجدات المستقبلية. لكن الأكيد، أن تل أبيب باتت تبحث عن سبلٍ قد تخفف عنها حالة القلق الوجودي الذي ستبقى تعيشه.

2017-11-28