ارشيف من :آراء وتحليلات
الأكراد السوريون: هل بدأ زمن المراجعات؟
دمشق ـ محمد عيد
يبدو أن النقاشات بين الفصائل الكردية السورية لاعتماد الوطن السوري مرجعية نهائية وجامعة قد أفضى إلى حسم البعض لذلك الخيار وإن بقي هذا الحسم ضمن إطار "الأدبيات السياسية المستجدة" التي لم تترجم حتى اللحظة سلوكا على الأرض. لكن التصريحات الأخيرة التي أطلقها بعض الساسة الأكراد تشي بالاستعداد لإجراء مراجعة جدية لكل المسارات السابقة لا سيما وأن الإشارات الأمريكية المتلاحقة توحي بقرب التخلي عن هؤلاء بعدما أوجدوا لها موطئ قدم على الأرض السورية، فيما تبدو تجربة كردستان العراق وسرعة إجهاض عملية انفصاله بعدما أوحى الأمريكيون خلاف ذلك عبر التهليل الذي أبداه حلفاؤهم في تل أبيب للانفصال، خير عبرة لمن لا يزال يثق بأمريكا وسراب وعودها.
لم يعد الأكراد السوريون ذلك الرقم الصعب الذي خطب الجميع وده في بداية الأزمة السورية. المراد منهم أمريكيا تحقق بعدما ثبتت الولايات المتحدة وجودها العسكري في الشمال السوري من خلال دعم قوات سوريا الديموقراطية (قسد) وتزويدها بكافة صنوف الأسلحة ومساندتها بهدف استباق الجيش السوري إلى المدن والأرياف تحت عنوان محاربة داعش. أما اليوم فتعود التفاهمات الدولية بشأن تحجيم الطموح الكردي في سوريا من خلال ما أظهرته قمة سوتشي من انحياز ضمني للموقف التركي الرافض لمشاركة الكرد في العملية السياسية كمكون قائم بنفسه فيما جددت دمشق موقفها الرافض لأي شكل من أشكال الانفصال وتحت أي عنوان كان مع إبداء المرونة في مناقشة موضوع الإدارة الذاتية تحت سقف الوطن السوري الواحد، فيما تبدو إيران وروسيا عازمتين على التوصل إلى اتفاق مع الأكراد يرضي حليفتهما دمشق ولا يغضب تركيا التي تعيش الهاجس الكردي في كل لحظة، والأهم من ذلك أنهما تسعيان لإخراج الكرد من تحت العباءة الأمريكية تمهيدا لإبرام التسوية النهائية.
واقع ربما يكون قد دفع الكرد أو فصيلا وازنا منهم لإعادة قراءة المرحلة بواقعية أكثر من السابق بعد التسليم بما تقدم ليخرج الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديموقراطية والإخواني السابق رياض درار بتصريح لافت قد يبنى عليه الكثير يؤكد فيه أن "قوات سوريا الديموقراطية ستنضم إلى الجيش السوري عندما تتحقق التسوية"، واضعا المعترضين على هذا القرار من الكرد في صف الذين لا يريدون "دولة سورية واحدة يعيش فيها الأكراد في نظام فيدرالي"، وهو غاية ما يسعى إليه هؤلاء في الوقت الحالي بحسب درار نفسه.
وقد أتى موقف درار المستجد والمحكوم بتطورات السياسة وواقع الميدان وضرورات المرحله وما تلاه من نقاشات مؤيدة أو متحفظة في سياق المراجعات التي تجريها هذه الفصائل، بعد الحديث عن تعليق الدعم العسكري الأمريكي للأكراد وعدم وضوح آلية مشاركتهم في العملية السياسية المقبلة بعد أن أصبح لدمشق وحلفائها اليد الطولى في الميدان، يضاف إلى ذلك بروز التناقض الكردي العربي ببعده العشائري بشكل واضح في مناطق سيطرة الفصائل الكردية المسلحة بعد حملات التجنيد الإجباري التي قامت بها هذه الفصائل.
واذا كانت الإيديولوجيا والمقاصد تختلف بين الجانبين (الكرد والعشائر العربية) اختلافا كبيرا، فان زوال تهديد داعش الذي دمر المدن والحواضر سمح للعشائر العربية بالتفكير جديا في إدارة مناطقها بنفسها بعيدا عن الهيمنة الكردية وهو أمر شجع الأمريكيون عليه لدواعي إدارة التناقض والابتزاز بين الطرفين لمصلحتها وجعلهما رهينتي رغباتها.
درويش: الكرد السوريون ليسوا جزءا مستقلا قائما بذاته
عبد الحميد درويش ابن مدينة القامشلي وسكرتير الحزب الديموقراطي التقدمي الكردي في سوريا الذي يزور دمشق باستمرار ويلتقي المسؤولين السوريين دائما أكد لـ"موقع العهد" أن "الكرد السوريين ليسوا جزءا مستقلا قائما بذاته بل هم جزء من مجموع الشعب السوري وأية مصيبة تلحق بالشعب السوري ستصيبهم بالضرورة والعكس صحيح". ورغم إقراره بوجود اصوات انفصالية داخل البيئة الكردية إلا أنه شدد على أنها "أصوات خاصة جدا ولا تمثل الأكراد" وأضاف درويش "أنا لا أثق بأمريكا ومن خلال تجربتي أجزم بأن الأمريكيين ليسوا أصحاب مبادئ بل هم يفعلون أي شيء من أجل ضمان مصالحهم الخاصة وهم دولة كبيرة يمكنها تسخير الكثيرين لمصلحتها ولكننا نحن الأكراد لا تزيد ثقتنا بأمريكا عن واحد في المئة، والأكراد الذين يتعاملون معها مخطئون للغاية".
وتوجه السياسي الكردي المحنك إلى الدولة السورية مطالبا إياها بتفهّم الأكراد وحل مشاكلهم و"قضيتهم في سوريا" مضيفا بأن الأكراد السوريين "يتبعون للدولة السورية "وهم من أنصار حل وطني في سوريا وليسوا من أنصار التصادم مع الدولة السورية".
وعن رؤيتهم المستقبلية للوطن السوري قال درويش: "نحن مع وحدة سوريا أرضا وشعبا" وقد بات الوقت ضروريا لإيجاد حل وقد يكون هذا الحل "إدارة ذاتية". أضاف: "نحن سوريون أكراد وأنا سوري بالدرجة الأولى".
موقف درويش هذا عززه قيامه كسكرتير عام الحزب الديموقراطي التقدمي في سوريا بتوقيع اتفاق مع الجبهة الديموقراطية السورية المعارضة لبحث القضايا السياسية وقد نص الاتفاق بين الطرفين على "عقلنة المطالب والحفاظ على وحدة سوريا وأن تكون النقاشات على التوافقات وليست على نقاط الخلاف للتوصل إلى الممكن تحقيقه".
وقد شكل توقيع هذا الاتفاق السابق للتبدل الأمريكي الصريح تجاه وقف تسليح الأكراد مصداقية لموقف درويش وغيره من الفصائل الكردية التي بدأت تطرق باب دمشق مجددا بغية التنسيق وتقديم أوراق الإعتماد الوطنية لها مجددا.
الحكومة السورية: على الأكراد السوريين أن يطمئنوا إلى أن الدولة السورية مسؤولة عنهم ومعنية بحمايتهم
مصدر حكومي سوري رفيع أكد لـ"موقع العهد" أن "المرسوم 107 حول الإدارة المحلية هو تطبيق لمبدأ اللامركزية الإدارية وكان هذا تجديدا لمرسوم موجود منذ العام 1960 أيام الوحدة مع مصر وهو يقر بتقسيم سوريا إلى وحدات إدارية محلية ويقر أيضا بوجود مصالح متميزة لكل وحدة إدارية بحيث يحق لها التمثيل والتقرير وتفعيل هذا القانون يمكن ان يكون محط نقاش وحوار بين أبناء سوريا".
واكد المصدر السوري أن "على الأكراد السوريين أن يطمئنوا إلى أن الدولة السورية مسؤولة عنهم ومعنية بحمايتهم كواجبها تجاه أي مواطن سوري، فهم مواطنون سوريون والمادة الثالثة من الدستور نصت على مبدأ حظر التمييز بين أبناء الدولة بسبب الجنس او العرق أو اللغة أو الدين".
وشدد المصدر الحكومي السوري على انه "بلا أدنى شك ان أي ميليشيا كردية انفصالية ستتعاطى الدولة السورية معها إما عبر آلية المصالحة الوطنية التي تسمح باستعادتها إلى الحياة الطبيعية للدولة السورية أو أنها ستضطر في آخر المطاف إلى مواجهتها كقوة تمرد واحتلال". مشدداً على "ان فيدرالية الدولة السورية لا تكون إلا من خلال أن ينص الدستور على أن سوريا دولة اتحادية وهذا لا يكون إلا من خلال الاتفاق أولا على تضمين ذلك في أي مشروع دستور قادم وأن يحظى ايضا بموافقة الشعب بأغلبيته عندها يعرض مشروع الدستور على الاستفتاء التأسيسي".
وفي المقابل رأى مصدر سوري معارض داخل سوريا لـ"العهد" أن "حل المسألة الكردية في سوريا يجب أن يكون ضمن إطار الدولة الوطنية السورية وضمن إطار اللامركزية الإدارية وتطوير قانون الإدارة المحلية بما يضمن وحدة سوريا أرضا وشعبا".