ارشيف من :آراء وتحليلات

التوظيف السياسي السيئ لملف النازحين

التوظيف السياسي السيئ لملف النازحين

بغداد:عادل الجبوري
من ابرز الافرازات السلبية لوجود تنظيم داعش في مدن ومناطق عديدة في العراق خلال الاعوام الثلاثة المنصرمة، نزوح اعداد هائلة من المواطنين بسبب سيطرة عصابات ذلك التنظيم على مناطقهم، وبالتالي تحولها الى ساحات معارك، لم يكن ممكنا بالنسبة للمدنيين المكوث فيها.
ومنذ اجتياح داعش لمدينة الموصل ومدن اخرى في صيف عام 2014 وحتى الان، تقدر اوساط حكومية وغير حكومية عدد النازحين بأكثر من مليونين ونصف المليون شخص، في حين تشير احصائيات منظمة الهجرة الدولية الى ان اعداد النازحين في العراق بلغت خلال ثلاثة اعوام ونصف اكثر من ثلاثة ملايين شخص.

وفي كل الاحوال، فان الارقام مهولة وكبيرة جدا، ولا شك ان موجات نزوح بهذا المستوى، لا بد ان تخلف مشاكل وازمات اجتماعية وصحية واقتصادية صعبة ومعقدة للغاية، مهما كانت الخدمات التي تقدم للنازحين في المناطق التي نزحوا اليها، وهذا امر طبيعي، ولا يعد العراق حالة نادرة وغير مسبوقة، ففي ظل الحروب والصراعات والكوارث الطبيعية غالبا ما تحصل موجات نزوح كبيرة، تعجز في كثير من الاحيان حكومات الدول الحاصلة فيها عن مواجهتها والتغلب عليها دون مساعدة ومساهمة دول ومنظمات دولية مختلفة.
بيد ان ما هو غير طبيعي، الاستغلال والتوظيف السياسي لازمة النازحين من قبل قوى واطراف داخلية وخارجية، لا سيما بعد ان اوشكت الحرب ضد تنظيم داعش على الانتهاء بهزيمة ذلك التنظيم واندحاره الكامل.
طي صفحة داعش، وقرب حلول موعد الانتخابات البرلمانية العامة (15 ايار-مايو 2018)، جعل ملف النازحين، يدخل في خضم الصراعات والاجندات السياسية، ليكون ورقة مساومة وضغط وتفاوض، حالها حال اوراق سياسية اخرى.
ولعل الارقام التي اشرنا اليها نقلا عن جهات عراقية، وعن منظمة الهجرة الدولية، تخضع للتغير ارتباطا بتغير الظروف، فخلال الشهور الثلاثة الماضية، سجلت تقارير احصائية دقيقة عودة اعداد لا يستهان بها من النازحين الى مدنهم ومناطقهم الاصلية، بعد اختفاء عصابات داعش منها، وتوفر الحد الادني من مستلزمات العيش فيها.         
فقد اشارت تلك التقارير الى ارتفاع معدلات عودة النازحين الى مناطقهم خلال شهر تشرين الاول-اكتوبر الماضي، مقارنة بشهر ايلول-سبتمبر والشهور التي سبقته، وارتبطت تلك الزيادات باستعادة السلطات الاتحادية سيطرتها على مدينة كركوك ومعظم المناطق المتنازع عليها بين بغداد واربيل، وكذلك انحسار وجود تنظيم داعش بعد تعرضه لهزائم كبيرة على يد الجيش والقوات الامنية العراقية وتشكيلات الحشدين الشعبي والعشائري.
وتذكر التقارير انه خلال الفترة من بداية شهر تشرين الاول-اكتوبر وحتى الحادي والثلاثين منه، بلغ عدد النازحين العائدين الى مدينة كركوك 342 الف شخص، فيما كان عدد العائدين خلال شهر ايلول-سبتمبر 111 الف شخص، وفي شهر اب-اغسطس 99 الف فقط.
وهذه الارقام توحي بوضوح بأن المتغيرات العسكرية والامنية في الميدان لصالح الدولة العراقية، تمثل عاملا اساسيا ومهما، لاعادة الامور الى سابق عهدها، قبل العاشر من حزيران-يونيو 2014. بعبارة اخرى ان ازمة النازحين اخذت تتحلحل بصورة طردية مع اختفاء وانتهاء تنظيم داعش من الاراضي العراقية، دون ان يعني ذلك عدم وجود مشاكل ومعوقات فنية ولوجيستية، وحتى امنية، تعرقل سرعة ايقاع عودة النازحين خلال فترات قصيرة، لا سيما وان اعدادهم الهائلة تتطلب متسعا من الوقت لاغلاق ذلك الملف.
والشيء الملفت حاليا، هو ان هناك قوى سياسية ترى ان المسارات العامة للامور ليست في صالحها، لذلك راحت تضرب على وتر تأجيل الانتخابات المقبلة، تحت ذريعة مشكلة النازحين، وعدم تمكنهم من المشاركة الانتخابية في ظل الظروف القلقة التي يعيشون تحت وطأتها، واستحالة اعادتهم الى مناطقهم قبل موعد الانتخابات.
وتلك القوى، هي في الواقع تخلت عن جمهورها وخذلته، حينما اجتاح تنظيم داعش مناطقه، واستباح الحرمات، وانتهك الاعراض، ونهب الممتلكات، وهي –أي تلك القوى- تدرك انه لم يعد هناك من يتعاطف معها ويدعمها ويساندها، ناهيك عن حجم التقاطعات والخلافات الحادة بين المكونات السياسية التي يفترض انها تمثل مختلف المدن والمناطق التي تعرضت للاجتياح الداعشي.
وتحظى القوى المطالبة بتأجيل الانتخابات بدعم ومؤازرة اطراف خارجية، ترى ان بروز الحشد الشعبي كقوة عسكرية فاعلة ومؤثرة كان لها دور محوري في القضاء على داعش، يعد عاملا مقلقا يهدد مصالحها، خصوصا وان منجزات الحشد، لا بد ان تنعكس الى حد كبير على المشهد الانتخابي المقبل والنتائج التي سوف تتمخض عنه.
ومن بين اوضح مصاديق السعي الى عرقلة اجراء الانتخابات في موعدها المقرر، هو مقاطعة الكتل البرلمانية الممثلة للقوى الساعية الى التأجيل لجلسات مجلس النواب التي تخصص للتصويت على مشروع قانون الانتخابات، وبدلا من أن يحضر اعضاء تلك الكتل الى قاعة الجلسات، يقضون وقتهم في كافتيريا البرلمان لاحتساء الشاي والقهوة وتبادل الاحاديث!.
وتذكّر تلك المواقف، بالمواقف المعارضة لمشروع الدستور الدائم الذي تم التصويت عليه في الخامس عشر من تشرين  الاول-اكتوبر من عام 2005.
وتتسلح ما يمكن ان نصطلح عليها بـ"قوى التأجيل"، بضخ اعلامي مساند يتبناه عدد من القنوات الفضائية التي غالبا ما تقف ضد اية خطوات ايجابية من شأنها تعزيز وترسيخ العملية السياسية الديمقراطية، وتجنيبها مواطن الضعف والتصدع ومخاطر الانهيار.
وطبيعي ان يستمر الضغط السياسي والاعلامي باتجاهات مختلفة لعرقلة اجراء الانتخابات، وتستمر المراهنة على العرقلة والتعويق، ولكن في مقابل ذلك يبدو ان هناك ارادة وتصميما من قبل طيف سياسي واسع لاجراء الاستحقاق الانتخابي في موعده، والتصريحات التي جاءت مؤخرا على لسان قوى وزعامات وشخصيات سياسية عديدة لها ثقلها وحضورها الجماهيري، الى جانب تأكيدات المرجعية الدينية في النجف الاشرف الرافضة للتأجيل، يمكن ان تفرغ ضغط "قوى التأجيل" من محتواه وفاعليته، ولا شك ان الانتصار العسكري الكبير على داعش يتطلب تحصين وحدة البلاد، وهذا ما حصل بإفشال التوجهات الانفصالية، ويتطلب اصلاحا وتطويرا وتفعيلا للعملية السياسية، وهذا ما يتحقق جزء مهم وكبير منه عبر الانتخابات.

 

2017-12-01