ارشيف من :صحافة عربية وعالمية

إعلان ترامب ليس سببًا للاحتفال بل للغضب والقلق‎

إعلان ترامب ليس سببًا للاحتفال بل للغضب والقلق‎

بإمكاننا أن نتفهم الفرحة العارمة التي سيطرت على "إسرائيل" الرسمية في ظل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل". يدور الحديث عن خطوة تاريخية فعلًا، مثلما اعتبرها بنيامين نتيناهو. المشكلة هي أنه بغض النظر عن "إسرائيل" والمتعاطفين معها من اليمين في الولايات المتحدة، أغلب العالم لا يعتقد بأن هناك سببًا للاحتفال بذلك، إلا للغضب والقلق.

الإعلان لا يغير شيئًا على الأرض، بل إنه ينتهك الوضع الراهن للمجتمع الدولي.  الإعلان عملياً يتحدى الالتزام طويل الأمد لواشنطن بصيغة "الهيئة المستقلة" التي نشأت في خطة التقسيم في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1947، التي تحدد فيها أن القدس تتم إدارتها من قبل نظام دولي خاص.

الإعلان أيضًا حرف للإجماع الدولي القائم منذ 1967، الذي ينص على ان الوضع الرسمي للقدس يتحدد باتفاق ومفاوضات بين الطرفين. رغم التحفظ الذي حدده ترامب بأن الاعتراف سينطبق على حدود المدينة مثلما سيتم تحديدها في المستقبل، وكونه أحادي الجانب فإنه يرسخ سيطرة "إسرائيل" على القدس، ويضعف ضمنًا مطالبة الفلسطينيين بعاصمة.

الصدى التاريخي للإعلان، مع ذلك، سيتأثر بتداعياته، فلا شك أن بيان ترامب - الذي جاء رغم تحذيرات علنية لبابا الفاتيكان مروراً بأوروبا وحتى ملوك الأردن والسعودية - يضع القدس على رأس غضب العالم العربي بشكل عام، والفلسطينيين بشكل خاص. في حال ترجم الغضب على هيئة تظاهرات احتجاجية في رام الله وغزة، فإن إعلان ترامب لن يتأثر. لكن في حال تطور الغضب إلى مظاهرات دموية، إضعاف السلطة الفلسطينية، إحباط مبادرة "السلام" الأمريكية أو تقويض استقرار المنطقة، فمن الممكن أن يُسجل كخطوة طائشة لرئيس غير متزن، يتخذ إجراءات خطيرة تقلب الواقع دون ان يدرك ما الذي يفعله.

بينما تعتبر "إسرائيل" الخطوة عادلة وضرورية من جهة رئيس شجاع ومتعاطف، أغلب العالم يضع القرار على سلسلة القرارات المثيرة للاستفزاز التي اتخذها ترامب ضمن سلسلة طويلة من القضايا الدولية والداخلية; من الإنسحاب من اتفاقية منع احتباس الحرارة العالمي واتفاق التجارة الحرة في منطقة المحيط الهادئ، وحتى منع هجرة المسلمين إلى الولايات المتحدة وضرب العلاقات مع "الناتو" ومع أوروبا الغربية.  في الولايات المتحدة أيضاً معظم الردود كانت سلبية، ربما لأنه من الصعب ان نتوقع من الرأي العام الأمريكي التطرق بجدية للاعتراف بالقدس، في حين ان ترامب يكسر القواعد الأساسية في السياسة ويقدِّم دعمًا كاملًا للمرشح الجمهوري في الانتخابات التي ستجري الأسبوع المقبل في ولاية ألاباما، الذي تراكمت ضده أدلة وشهادات كثيرة. بغض النظر عن الإسرائيليين أنفسهم، لا أحد يعتقد أن "إسرائيل" معفاة من تخلي ترامب عنها في قضايا أخرى.

مع ذلك، ينبغي على الفلسطينيين أن يشكروا ترامب على شيء واحد على الأقل: هو أعادهم للعناوين الرئيسية، حتى في الولايات المتحدة، بعد أشهر طويلة من الغياب. والآن يبقى علينا ان ننتظر لنرى إن كان هذا مجرد فلاش مؤقت وبعده العودة إلى الهاوية، أو ان الفلسطينيين ومؤيديهم سيحاولون استغلال الزخم وإثارة فوضى لتذكير العالم بأنهم موجودون. حينها فقط سنعرف اذا كانت "إسرائيل" قد خرجت مستفيدة من خطوة ترامب أو أن تجارتها التاريخية خرجت بخسارة كبيرة ومؤلمة في الواقع.

2017-12-08