ارشيف من :آراء وتحليلات

شرط مبدئي لمصداقية مناصرة القدس

شرط مبدئي لمصداقية مناصرة القدس

إيهاب شوقي (صحافي مصري)
مشاعر كثيرة متضاربة ومشوشة ولكن عنوانها الابرز هو الغضب وتندرج تحته مستويات متمايزة من المشاعر تتراوح بين الحزن والشعور بالقهر والعجز وربما تلوح من بعيد مشاعر مفادها اليأس ولكنها لا تفصح عن نفسها لانها تعلم انها ستقابل برفض صارم من الاحرار.
هذه المشاعر تكاد تتطابق في كل قطر عربي ولكن لا نستطيع لو التزمنا الموضوعية والصدق ان نصفها بأنها شعبية لو التزمنا بتعريف الحالة الشعبية بأنها حالة عامة يتم التعبير عنها بوسائل مختلفة الاشكال والمستويات.
لا نستطيع ايضا اذا التزمنا الموضوعية ان نفتش في النوايا وان نقول ان مشاعر الحزن والغضب لا تعيشها الاغلبية الكاسحة ولكننا هنا فقط بصدد توصيف ترجمة المشاعر لمستويات من الافعال.
كان من الواضح انه لن يثني ترامب عن اعلانه الا طلب اسرائيلي مبطن بناء على قياسات صهيونية دقيقة لردود الفعل ومدى تحمل الكيان لها، حتى وان تلقف نتنياهو المأزوم داخليا والملحق بالاتهامات، وخارجيا بفشل مشروع داعش في تدمير المقاومة، الا انه لم يكن ليتحمل هذه المغامرة دون ادراك ابعادها ومخاطرها.
وقبل ان نخوض في اي رصد للتداعيات او اي محاولات للتنبؤ بمآلاتها وقبل اي نقد لمستويات رسمية او شعبية، يجدر بنا ان نرصد حالة مؤسفة!
يؤسفنا ان نقول انه حتى غضبنا يقع في المستطيل الذي رسمته القاعدة البائسة التي تقول ان (99% من اوراق اللعبة في يد الامريكيين) وبالتالي غضبنا من القرار الامريكي لاثره السياسي الخطير يعبر عن حالة غضب محكومة بأمر واقع وهو ان هناك عملية سلام وان الحقوق التاريخية العربية في فلسطين قابلة للتفاوض وان امريكا راعية سلام بل ولها هذه النسبة الكاسحة. وهناك حزن عام بسبب خذلانها لنا. اليس هذا هو الواقع؟
والسؤال المباشر هنا: ماذا لو اعتمدنا المقاومة كخيار استراتيجي وكرسنا ان الحقوق غير قابلة للتفاوض وان فلسطين عربية على كامل التراب؟ الن يتغير الوضع ويسعى الامريكيون للتفاوض؟
دعونا نعترف ان أمريكا والصهاينة لا يخشون لا المقاطعة ولا التظاهرات ولا حتى عمليات فدائية متناثرة. لكنهم يرتعدون اذا ما كانت المقاومة هي الخيار الاستراتيجي. انسفوا قناع الاستسلام والجبن المسمى خيار السلام ان كنتم صادقين.
وهذه بالطبع ليست دعوة لعدم القيام بالمقاطعة والتظاهر واي عمليات فدائية باعتبارها عديمة الجدوى، ولكنها دعوىة للقيام بكل ما يمكن عمله ولكن داخل اطار المقاومة كخيار استراتيجي، لا كمحسن لشروط تفاوض على الحقوق.
اما على مستوى الرصد فيمكننا كالعادة ان نرصد انه سيتم تلميع اردوغان من هواة الحنين للاستعباد "العثمانلي".. وكالعادة سيصفق عرب لماكرون باعتباره مناصرا للعرب دون التفات لسقف الصراع الدولي ووجود فرنسا والمانيا في معسكر عولمة مواجه تماما لمعسكر ترامب. وكالعادة ستخرج تظاهرات متناثرة هنا او هناك وكالعادة ستخرج بيانات رفض واستنكار. كالعادة سيتم تصفية القضية طالما لم تأخذ المقاومة وضعها اللائق ويتم اعادة الاعتبار لها ولخياراتها بدءا من جمال عبد الناصر وصولا الى حزب الله مرورا بفصائل المقاومة الفلسطينية التي لم تتلوث بالنفط. وكالعادة يمكننا ان ننتظر حتفنا وان نفاجأ بقرار جديد مفاده "سيناء عاصمة فلسطين"!!!
ان انكسار الارادة امام الظلم والاستبداد والتلاعب بالثوابت والتلاعب بالعقول والذي افسد بوصلة الشعوب بل والنخب وافسد تقييمهم للامور مقدمة طبيعية للعبث بكل مقدساتهم سواء الدينية او التاريخية او حتى حرماتهم الشخصية.. وبالتالي يمكننا ان نتوقع بحسرة اننا على ابواب الاعلان النهائي لامة الخصيان.
ولا شك ان الشعوب والنخب والناشطين ممن جمعوا المقاومة والارهاب في سلة واحدة وممن استبدلوا الاعداء وحرفوا وشوهوا الصراع: ليسوا بأفضل من حكامهم.
اقتصرت وظيفة الحكام على التحذير من التداعيات واحالة التداعيات الى الشعوب دون تلويح باي من اوراق الضغط، وسيق مصطلح التحذير في الاعلام بشكل مجرد للايحاء باتخاذ موقف، وذلك كمحاولة يائسة لاقناع البعض بذلك، مع العلم ان الاغلبية الكاسحة تعلم ان حكامهم لن يفعلوا شيئا.
والمؤسف ان دعاوى كثيرة سبقت هذا الاعلان وصدرت من قوميين وناصريين مفادها التناقض بين القومية والناصرية والمقاومة سواء في حزب الله او في اليمن، مع خلط كبير بين الحوثيين وبين انصار الامام الموالي لال سعود والذي حاربته قوى التحرر الوطني في حين ان الحوثيين يحاربون الان الرجعية والعمالة السعودية، مع دعاوى اخرى منتشرة بصراع قوميات مثل القومية الفارسية والعربية وهم بذلك يؤدون اكبر خدمة للاستعمار وللرجعية وللكيان الاسرائيلي ويصطفون مع ال سعود في اجندتهم الاستعمارية احيانا بقصد وراءه تمويلات واحيانا دون قصد وبسبب قصور كبير في تقييم المرحلة وخياراتها السياسية وهو في الحقيقة اقل ما يوصف به انه افتقاد للمسؤولية.
ان اعادة الاعتبار للمقاومة واعادة الاعتبار للقومية العربية بمفهومها الحضاري لا العنصري واعادة ضبط التحالفات ولفظ المرتزقة وتنقية الصفوف بمثابة خطوة مبدئية لازمة لوضع اطار شامل عنوانه المقاومة كخيار استراتيجي، مع تنقية برنامجنا الوطني من ادبيات السلام المزعوم والتي تندرج سهوا تحت لافتاتها في كثير من الاوقات.
فلنقاطع ولنتظاهر ولنقم بما يلزم من اعمال فدائية ولكن تحت هذا الاطار والا ستذهب اعمالنا سدى ونصحو على حقائق اكثر ايلاما مما مضى.

2017-12-09