ارشيف من :آراء وتحليلات
هجوم سيناء: من يكون القاتل غير داعش؟
محمد محمود مرتضى
في الرابع والعشرين من الشهر الماضي، نفذ مسلحون ملثمون هجوما عل مسجد الروضة غرب مدينة العريش في محافظة سيناء في مصر، سقط ضحيته مئتان وخمسة وثلاثون شهيدا، وجرح مائة وتسعة آخرون.
يعتبر هذا الهجوم هو الاعنف في تاريخ الهجمات التي شهدتها سيناء خاصة ومصر بشكل عام. الا ان الملفت كان عدم تبني اي من التنظيمات الارهابية لهذا الهجوم ما يطرح مجموعة من الاسئلة حول اهدافه وابعاده وسياقاته.
إن مقاربة الهجوم وفق العقلية «التكفيرية» تحتم علينا القول ان هجمات التكفيريين من امثال داعش وغيره كانت على الغالب تهدف الى امرين:
الاول: الاستنهاض، ونعني به قيام التنظيم بعمليات تحت مبررات يلزم منها استنهاض الناس وتحشيدهم مع شعارات التنظيم واهدافه وايديولوجيته.
الثاني: التنكيل أو النكاية، ويقصد بها الايغال في ايذاء «العدو» لإضعاف قوته الامنية والعسكرية.
وهذان الهدفان يمكن ملاحظتهما في مجمل عمل داعش والقاعدة في العراق وسوريا واليمن وغيرها.
ومن جهة أخرى فإن المتتبع لاعمال داعش، على سبيل المثال، يلحظ ان عملياته التي كان يستهدف بها المدنيين تقع في وفق خطين:
الاول: ما يقع خارج نطاق سيطرته. وفي هذه الحالة فانه كان يستهدف المخالف له عقائديا لإضعافه، او الموافق له عقائديا لزرع الفتنة.
الثاني: ما كان يقع في نطاق مناطق سيطرته السابقة التي انهزم فيها، وفي مثل هذه الحالة كانت العمليات تأتي في اطار الانتقام مما يسميه «خذلان النصرة».
وبالنظر الى طبيعية العملية التي حصلت في سيناء واستهدافاتها واسلوب تنفيذها، وردود الفعل المتوقعة منها، فان الهجوم ليس فقط لن يحقق الهدفين المذكورين فحسب، بل انه سيترك نتائج معاكسة تماما. حيث من المتوقع، وهذا ما حصل، ان يلاقي الهجوم الاستنكار والارتياب والشجب من مختلف الشرائح الدينية والاجتماعية والسياسية في مصر وخارجها. مما سيلقي ظلالا من الشك على «كفاءة» ادارة الهجوم، على فرض ان جماعات ارهابية تكفيرية تقف وراءه. على أن تاريخ الارهاب التكفيري في سيناء يشير الى ان هذه الجماعات كانت تعلن دائما عن مسؤوليتها عن أي عملية تقع. بل لا نجازف بالقول ان سباقا محموما كان يحصل بين تنظيمي القاعدة وداعش في تنفيذ الهجمات والاعلان عنها في اطار صراع الاستقطاب. ومن هنا فان عدم تبني الهجوم من اي جهة «تكفيرية» يثير الريبة حول الهوية الحقيقية لمنفذي الهجوم واهدافهم.
وبمعزل عما تقدم فان ثمة ملاحظات حول مجريات العملية ينبغي التوقف عندها وهي تتعارض بشكل عام مع اسلوب عمل التنظيمات التكفيرية:
1- ان الهجوم لم يكن يهدف، بحسب سياقه وشهادات الشهود، الى مجرد ايقاع اكبر قدر من الضحايا، بل كان يركز على «ابادة» كل من كان في المسجد وعدم ترك أي شخص حي منهم.
2- ان الهجوم لم يكن «انتحاريا»، كما لم يكن انغماسياً ولا خليطاً منهما. ما يدل على ان المجموعة المهاجمة مرتاحة «جداً» في تأمين خط الانسحاب. كما يدل أن المهاجمين لديهم المعلومات الاستخبارية الكافية حول اقرب تواجد لقوى عسكرية وامنية مصرية والوقت الذي ستستغرقه هذه القوات للوصول الى مسرح العملية.
3- ان المهاجمين، في معظمهم، لم يكونوا ملثمين ما يشير الى أن معظمهم ليسوا من المنطقة ولا من محيطها.
4- لقد تم اختيار الهدف من احدى الطرق الصوفية. ولعل هذه النقطة هي الوحيدة التي تربط الهجوم بالجماعات التكفيرية. لكن هذا الامر، مع عدم تبني أي من المجموعات لهذا الهجوم، وبالتالي عدم وصول الرسالة التي يراد ايصالها اذا ما كانت تتعلق بخصوص كون المستهدفين من الصوفية، يطرح احتمال كون ان من قام بالهجوم انما أراد ان تتجه الانظار بشكل تلقائي الى الجماعات التكفيرية باعتبارها جماعات تعادي الطرق الصوفية وتكفرها.
5- ان هذه الهجوم وقع في وقت يزداد فيه الحديث عن صفقة القرن، وعن عودة الحديث عن ايجاد «وطن بديل» للفلسطينيين. علما أن سيناء كانت احدى المناطق التي طرحت سابقا في سياق هذا الموضوع اضافة الى الاردن.
6- ان هذا النوع من الهجمات كان يمارس في العراق ( سنجار، وطوزخرماتو) والتي تبين لاحقا أن هدفها تفريغ المنطقة من فئات معينة كانت تستهدفها الهجمات، وذلك بهدف احداث تغييرات ديموغرافية استفاد منها الاكراد لاحقا.
وبناء على كل ما تقدم، فان الارجح أن هدف الهجوم، هو احداث تغيير ديموغرافي في المنطقة عبر دفع الناس الى مغادرة المنطقة وافراغها. وقد تتعزز هذه الفرضية اذا ما شهدنا المزيد من العمليات الارهابية في سيناء شبيهة بهجوم مسجد الروضة.