ارشيف من :آراء وتحليلات

’القدس عاصمة لإسرئيل’: شريعة أميركا ومقاومة الثائرين

’القدس عاصمة لإسرئيل’: شريعة أميركا ومقاومة الثائرين


 فاطمة زعيتر


لم يأتِ قرار "دونالد ترامب" بإعلان القدس عاصمة لـ "إسرائيل" من فراغ، إنما جاء ليعبر عن رؤية متكاملة لدى الإدارة الأميركية بخصوص توطيد العلاقة الابدية مع الكيان الإسرائيلي والدعم اللامتناهي له عبر تقديم ملف القدس كـ"صفقة القرن".

عندما نقول أن ترامب اتخذ قراراً أحادياً لا يعني أنه يخالف تطلعات الولايات المتحدة الأميركية، إنما يخالف الشرعية الدولية ويصادر قرارات الدول مجتمعة، فالكونغرس هو من يعبر عن هذه الرؤية مع الرئيس مباشرة، فبالإضافة إلى الأساس القانوني لهذا القرار الرئاسي المرتكز على قانون الكونغرس الأميركي عام 1995، فإن ترامب قد تلقى دعوة إلى الالتزام بهذا القانون من مجلس الشيوخ الأميركي وذلك في تموز/ يونيو الماضي، مؤكدا على نقل السفارة الأميركية من "تل أبيب" إلى القدس المحتلة.. وهذا إن دلَ على شيْ، فإنه يظهر التزام الولايات المتحدة لحلفائها وأصدقائها في "إسرائيل" بالوقوف إلى جانبهم، وقد أكد على ذلك، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل.

ذاك القانون الذي صدر منذ أكثر من عقدين من الزمن، كان بمثابة قنبلة موقوتة تهدد مصير فلسطين القضية وتمس القدس الجريح بكل ما تحمل من دلالات.. وعليه فإن عملية التسوية المنشودة، ومنذ ذلك الحين مهددة وهي على شفا حفرة من الانهيار إلى أن فجرها ترامب.
اليوم جاء الرئيس الأميركي بقراره الخطير والمصيري، بإنهاء عمر تلك المفاوضات وتهديم التسوية المخزية التي أرادوها لفلسطين، بتآمر من العرب والمتخاذلين في كل أرجاء المعمورة وبدعم اميركي دائم ومستمر.. اليوم خابت آمال من استظل "أوسلو"، وراح يبحث عن وسيط جديد للتسوية. في حين يرى الإسرائيلي، عبر رئيس وزراء كيانه "نتنياهو" ، "ان الإعتراف الدولي بالقدس كعاصمة لكيانه الغاصب هو مفتاح تحقيق السلام الموعود"..

ورغم الارتكاز القانوني للقرار الرئاسي الأميركي على أسس قانونية أميركية، إلا أنَه قد واجه رفضاً دولياً واعتبر غير قانوني وأتى بمعزل عن ما يسمى "الشرعية الدولية" فلا يحق لأميركا اتخاذ هكذا قرار بشكل أحادي، لما له من تبعات تهدد السلم والأمن الدوليين. كما أن القانون جعل "نقل السفارة مرتبط بسياسة الولايات المتحدة الملتزمة بإحلال السلام في الشرق الأوسط، وأن القدس لا تزال عاصمة للدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، وأن يتم نقل السفارة فور التوصل لاتفاق سلام نهائي بين الطرفين في إطار حل الدولتين".

’القدس عاصمة لإسرئيل’: شريعة أميركا ومقاومة الثائرين


إضافة إلى كل ما تقدم، فإن القانون الأميركي قد صدر في حقبة  سياسية مغايرة للحقبة التي أقر فيها تنفيذه. ربما يقول البعض ان القرار لن يغير شيئاً على ارض الواقع، حيث ان الكيان الاسرائيلي يضع يده على القدس الشريف منذ 1949، إلا ان هذا القرار يحمل في طياته خطراً كبيراً. حيث إن اي استكمال للمفاوضات مع القبول بهذا القرار يعني تسليم القدس للصهاينة وضياع فلسطين.

لقد وعى الرؤساء الأميركيون حجم المخاطر التي يمكن أن يفجرها تنفيذ القانون، فهو وبحسب سياساتهم ورؤيتهم، يقوض السياسة الأميركية في المنطقة وفي الشرق الأوسط خاصة ويقضي على جهودها من أجل التوصل إلى تسوية شاملة إسرائيلية – فلسطينية، فذهبوا إلى إرجاءه.

المؤسف أنه منذ 1995، ورغم صدور ذاك القانون المجحف بحق فلسطين والقدس، استمر المفاوض الفلسطيني في مسيرة التنازلات المتلاحقة ولم يشكل قرار الوسيط الأميركي الغير نزيه، رادعاً عن إكمال المفاوضات والمساومات. فهل كان يظن الفلسطينيون الذين انغمسوا في دهاليز "اوسلو" السرية أن يستمر تأجيل الإدارة الأميركية والرؤساء المتعاقبون لهذا القرار؟

اليوم، وقد صدر القرار المشؤوم، إشكاليات كبرى من الممكن ان نطرحها: هل من الممكن أن يعود الرئيس الأميركي المتهور عن قراره تحت ضغط المجتمع الدولي الرافض للقرار؟ ما هو مستوى الضغط الذي من الممكن أن يمارسه؟

لكن الدور الأكبر في مناهضة الاستعلاء الأميركي، والذي يمكن أن يعول عليه، يقع على عاتق المنظمات الغير حكومية وجماعات الضغط والمجتمع المدني العربي والإسلامي والعالمي في هذه القضية العالمية والدينية التي تمس المقدسات السماوية وتطال الإنسانية برمتها. فمن الممكن لهذه الجهات أن تمارس ضغطاً متكاملاً يمنع ارتكاب جريمة عالمية جديدة بحق قضية فلسطين، أدواتها التآمر الأميركي السافر والمنحاز للكيان الغاصب من جهة، والصمت والتخاذل الذي اعتاد العالم عليهما من العرب المتناسين لفلسطين والمنشغلين بزيادة أرصدة أموالهم والراكضين خلف كراسهيم. كما وأن طريق المقاومة بكل أشكاله كفيل بأن يحول دون تحويل القرار الأميركي إلى وعد بلفور العصر وتجديد روحه بعد مرور قرن من الزمن عليه.

2017-12-11