ارشيف من :ترجمات ودراسات

’العهد’ يفتح ملف اسرى مصر في حربي 56 و67: أسرى النسيان! (1 من 2)

’العهد’ يفتح ملف اسرى مصر في حربي 56 و67: أسرى النسيان! (1 من 2)

القاهرة - شريف عاطف سليمان

إبان عدوان 56 و67 وحرب الاستنزاف قامت قوات الاحتلال الصهيوني بأسر ما يقرب من 65 ألف مصري، من العسكريين والمدنيين، وارتكب ضباط وجنود الكيان الصهيوني أبشع الجرائم ضدهم بالمخالفة لكل القوانين والاتفاقيات الدولية، خاصة اتفاقية جنيف الصادرة عام 1949، والتي صادق عليها الكيان الصهيوني في يوليو 1951، بما يستوجب محاكمة مجرمي حرب الكيان جنائيًا وإلزامه بالتعويض المادي المناسب لكل الجرائم التي ارتكبها.

’العهد’ يفتح ملف اسرى مصر في حربي 56 و67: أسرى النسيان! (1 من 2)
العدو الاسرائيلي اعترف بالجرائم التي ارتكبها بحق الاسرى المصريين


وبلغ العدو الصهيوني من الصلف والغطرسة وعدم الاكتراث بردود أفعال الجانب المصري، أن اعترف بالجرائم التي ارتكبها ضد الأسرى على صفحات جرائده ووسائل إعلامه في أغسطس 1995، ورغم ذلك فان الحكومة المصرية لم تطالب بمعاقبة المتهمين.


الصهاينة أجبروا الأسرى على حفر قبورهم بأيديهم وأطلقوا النار عليهم، وقاموا بتوثيقهم أحياء ثم قتلهم من خلال رميهم بالرصاص ومنعهم من الشرب حتى الموت، وإلقائهم على بطونهم ثم قتلهم دهساً بالدبابات، واستخدام السلاح المحرم دولياً، وضربهم بالعصي المكهربة وإدخال العصي في أجزاء حساسة من أجسادهم، وإطلاق الكلاب المدربة عليهم، ودفن المصابين منهم أحياء.


ولأن جرائم الحرب لا تسقط بالتقادم، حيث لا يمكن لإسرائيل أن تحتج بقوانينها الداخلية، وفقًا لما أقرته اتفاقية جنيف، حيث تتعهد باتخاذ أي إجراء تشريعي يلزم بفرض عقوبات جزائية فعالة على الأشخاص الذين يرتكبون مثل هذه المخالفات، أو تسليمهم إلى طرفٍ آخر لمحاكمتهم، وذلك وفق ما ذكر نص المادتين 126 و146 من اتفاقية جنيف الثالثة والرابعة على التوالي، كما أكد المبدأ الخامس من مبادئ التعاون الدولي على تعقب واعتقال وتسليم الأشخاص المتهمين بارتكاب مثل هذه المخالفات.


وقد أكدت كافة القوانين الدولية أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، ووفقاً للقانون الإسرائيلي رقم 5710 لسنة 1950 الخاص بمعاقبة المتهمين ومعاونيهم حيث اعتبر هذا القانون أن أعمال التعذيب وسوء المعاملة التي ارتكبت ضد اليهود هي جرائم حرب، ومن ثم فلا يحق لإسرائيل أن تقتصر بتطبيق هذا القانون على ما يعرف بـ"الجرائم النازية ضد اليهود"، بحيث لا تمتد إلى الجرائم التي ارتكبها جنودها ضد الأسرى المصريين، فالنائب العام الإسرائيلي ميخائيل بن يائير أصدر تقريرا بتاريخ 29 أغسطس 1995 ادعى فيه أن الجرائم التي ارتكبت ضد الأسرى المصريين قد سقطت بالتقادم على مرتكبيها نتيجة مرور أكثر من 20 عاما وفقا لقانون الإجراءات الجنائية الإسرائيلية.


ووفقا للسوابق القضائية الدولية، فهناك حادثة اختطاف إسرائيل لأدولف إيخمان من الأرجنتين عام 1960 لمحاكمته فيما يعرف بالجرائم التي ارتكبت ضد اليهود في ألمانيا النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، علي الرغم من أن المتهم ليس إسرائيليًا، كما أن إسرائيل لم تكن قائمة وقت اندلاع الحرب العالمية الثانية، كما اختطفت فرنسا مواطنا ألمانيا يدعى كلاوس باربي عام 1983 لمحاكمته على جرائم ارتكبها ضد الفرنسيين في الحرب العالمية الثانية، أي بعد مرور 40 عاما على انتهاء الحرب، وقد أكدت محكمة النقض الفرنسية عدم سقوط هذه الجرائم بالتقادم، كما حصلت إسرائيل على تعويضات مالية ضخمة من ألمانيا عن قتل النازي قدرت ب38  بليون دولار فضلا عن تعويض سنوي قدره 618 مليون دولار بعد مرور أكثر من حوالي 50 عاما على ارتكاب هذه الجرائم.

’العهد’ يفتح ملف اسرى مصر في حربي 56 و67: أسرى النسيان! (1 من 2)
 بن يائير أصدر تقريرا عام 1995 ادعى فيه أن الجرائم التي ارتكبت ضد الأسرى المصريين قد سقطت

المسار القضائي
في 4 يوليو سنة 2000 قامت اللجنة المصرية لتوحيد الأمة العربية من حزب مصر العربي الاشتراكي، وعلى رأسها وحيد الأقصرى رئيس حزب مصر العربي الإشتراكي، بتقديم بلاغ إلى النائب العام تطالب فيه بإقامة دعوى قضائية أمام المحكمة المختصة ضد الحكومة المصرية لإلزامها باتخاذ الإجراءات الكفيلة بالقصاص لأسرى القوات المسلحة المصرية، وفقًا للقوانين والاتفاقيات الدولية، وقد أحال النائب العام البلاغ إلي النيابة المختصة للتحقيق فيه، وتم استدعاء مقدم البلاغ للإدلاء بأقواله في سراي النيابة بتاريخ 28 أغسطس 2000 وفي 16 سبتمبر من نفس العام فوجئ مقدم البلاغ حين توجه إلى النيابة ومعه عدد من الشهود العيان بأن البلاغ تم حفظه بتاريخ 7 أغسطس 2000 دون استيفاء التحقيق فيه.


وبحسب الأقصري، فإن الغريب في الأمر أنه بمجرد نشر الصحف المحلية والعالمية للخبر، علاوة على التنبيه عنه في برنامج (رئيس التحرير) الذي يقدمه حمدي قنديل يوم الاثنين الموافق 6/9/2000 تم سحب البلاغ من النيابة الجزائية إلى النيابة الكلية برقم صادر 3967 بتاريخ 5/9/2000 وأعقب ذلك قرار حفظه يوم الخميس 7/9/2000.
وفي 21 أغسطس من نفس العام صرح وزير الخارجية المصرية آنذاك عمرو موسى بأن وزارة الخارجية تقوم بإعداد ملف شامل عن قضية الأسرى وتعهد بعرضه على الشعب المصري في أقرب وقت.


لكن جديدًا لم يجد قرابة التسعة أشهر، فتحرك الحزب على محورين، أولهما أن قام بتحريك دعوى قضائية بالاشتراك مع بعض الأسرى ضد رئيس الوزراء بصفته رئيس الحكومة المصرية أمام القضاء الإداري لإلزامه باتخاذ الإجراءات الكفيلة بالقصاص من اسرائيل، وثانيهما تقديم بلاغ إلى النائب العام في يونيو 2001، لتحريك الدعوى الجنائية ضد مجرمي حرب الكيان الصهيوني بموجب المادة رقم 1 من قانون العقوبات التي تقرر اختصاص القضاء المصري بمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم داخل الأراضي المصرية.


وفي 4 مارس 2008 قررت محكمة القضاء الإداري بقبول تدخل الخصوم المتدخلين إلي جانب المدعين وبرفض الدفع من الجهة الإدارية بعدم اختصاص المحكمة ولائيًا بنظر الدعوى وباختصاصها، وبقبول الدعوى شكلًا وبإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من الامتناع عن اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالقصاص لأسرى الحرب والمدنيين المصريين.
كان الحكم تاريخيًا ومستندًا إلي العديد من الأدلة والقرائن، من أهمها المادة 26 من قانون المرافعات تنص على أنه "يجوز لكل ذي مصلحة أن يتدخل منضماً في الدعوى لأحد الخصوم أو طالبًا الحكم لنفسه بطلب مرتبط الدعوى ويجري هذا التدخل إما بالإجراءات المعتادة لرفع الدعوى أو بطلب يقدم شفاهةً يثبت في محضرها"، وأن أجهزة الدولة المختلفة وعلى رأسها وزارة الخارجية وما يتبعها من بعثات دبلوماسية تكون المختصة بالدور الوطني والقانوني حال إهدار حقوق المواطنين خارج البلاد أو حال وقوع اعتداء وقيام حرب من دولة أجنبية على البلاد، وأنه لا يحاج ذلك بفكرة سيادة الدولة المعتدية.


واستشهد الحكم بكتاب حق الدم لمؤلفه محمد إبراهيم بسيوني، المرفق أوراق الدعوى أسماء لبعض قادة الحرب في إسرائيل الذين أصدروا هذه الأوامر إلى الجنود لقتل الأسرى  المصريين. وقد حدد المؤلف عمليات القتل الجماعية وعمليات قتل مزرية للأسرى فضلًا عن إنزال كافة صنوف التعذيب الإنساني والقتل الصريح للمدنيين في سيناء من المدرسين والعمال، وهو ما لم تعقب عليه الحكومة بحسب قول المحكمة.


وأشار الحكم إلى عدم تضمن رد وزارة الدفاع على الدعوى، ثمة رد موضوعي على طلبات المدعين والخصوم المتدخلين، باستثناء بعض البيانات الخاصة ببعض الأسرى وقد أفصحت وزارة التضامن في ردها على عدم وجود إحصاء لديها بالأسرى المصريين لحربي 1956، 1967. واقتصر رد وزارة الخارجية على طلب التحقيق من الدولة المعتدية التي زعمت القيام به في الفيلم الوثائقي "روح شاكيد" بخصوص قتل وتعذيب الأسرى المصريين في حرب 1967 ولم تواف الوزارة المذكورة به أو بنتائجه.

’العهد’ يفتح ملف اسرى مصر في حربي 56 و67: أسرى النسيان! (1 من 2)
قضية الاسرى المصريين طويت في النسيان لكنها لا تموت

وفي 21 يناير الماضي، قررت المحكمة الإدارية العليا بالطعن الذي تقدمت به الحكومة على الحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري في عام 2008 أن الحكومة ملتزمة باتخاذ الإجراءات التي تكفل حقوق أبناء مصر من المواطنين العاديين أو من أفراد القوات المسلحة الذين قتلوا في الأسر أثناء الحروب أو عذبوا أو انتهكت حقوقهم التي كفلتها لهم القوانين والاتفاقيات الدولية وذلك في مواجهة الدولة المعتدية على مصر في حروب تشكل عملًا غير مشروع وفقًا لأحكام القانون الدولي.

لقراءة الحلقة الثانية من ملف الأسرى المصريين ويتضمن اسرى مصريين نجوا من الاعدام على ايدي الصهاينة في حربي 56 و67

اضغط هنا

2017-12-18