ارشيف من :ترجمات ودراسات

’العهد’ يلتقي اسرى مصريين نجوا من الاعدام على ايدي الصهاينة في حربي 56 و67: أسرى النسيان! (2من2)

’العهد’ يلتقي اسرى مصريين نجوا من الاعدام على ايدي الصهاينة في حربي 56 و67: أسرى النسيان! (2من2)

القاهرة - شريف عاطف سليمان

إبان عدوان 56 و67 وحرب الاستنزاف قامت قوات الاحتلال الصهيوني بأسر ما يقرب من 65 ألف مصري، من العسكريين والمدنيين، وارتكب ضباط وجنود الكيان الصهيوني أبشع الجرائم ضدهم بالمخالفة لكل القوانين والاتفاقيات الدولية، خاصة اتفاقية جنيف الصادرة عام 1949، والتي صادق عليها الكيان الصهيوني في يوليو 1951، بما يستوجب محاكمة مجرمي حرب الكيان جنائيًا وإلزامه بالتعويض المادي المناسب عن كل الجرائم التي ارتكبها.


موقع "العهد" الاخباري واستكمالا للملف الذي يتحدث عن اسرى مصر في حربي 56 و67، يتناول في الحلقة الثانية قضية هؤلاء الاسرى وحقوقهم من خلال مجموعة من المقابلات مع مواطنَين مصريين كانا في عداد الاسرى واستطاعا الافلات من قبضة جنود العدو ومع نجلي شهيدين من الاسرى..


لقراءة الجزء الأول

اضغط هنا
 

مواجهة الحد الأدنى

حي السيدة زينب كان محطتنا الأولى، قصدنا محل البقالة الذي يملكه "الأسير الهارب" من أسر العدو "العم" أمين محمد جمعة البالغ من العمر 72 سنة.
قضى جمعة 3 سنوات ونصف السنة في حرب اليمن، وشارك هناك في 40 فرقة عسكرية في كل أسلحة الجيش المصري، واستُدعي إلي سيناء عقب النكسة مباشرة.
لا زالت ذاكرة جمعة تحتفظ بالكثير من الصور عن الحروب التي شارك فيها، لكن أكثر ما يحضره هو ذاكرة سيناء. يشير الى انه "في أعقاب النكسة استشهد قائد السرية التي كانت تضمه"، ويضيف: "كنا ندفن انفسنا طوال فترة النهار، وبالليل كنا نستغل فرصة ذهاب الصهاينة إلى سكنهم ونقوم بضرب العربات التي تركها الجيش المصري، إضافةً إلى تخريب مخازن الطعام والذخيرة، وعندما كانوا يرون آثار الحرائق، كانوا يسرعون بالجري وراءنا".

’العهد’ يلتقي اسرى مصريين نجوا من الاعدام على ايدي الصهاينة في حربي 56 و67: أسرى النسيان! (2من2)
 أمين محمد جمعة.. استطاع الفرار من الأسر

تعتبر معركة رأس العش من المعارك الشهيرة التي خاضها الجيش المصري ضد قوات العدو الاسرائيلي، يستذكرها "الأسير الهارب" بالقول: "الجنود المصريون استمروا في مراوغة الصهاينة حوالي 20 يوماً، بعدها أرسل العدو إمدادات إلى منطقة رأس العش".
يضيف جمعة: "كنا عاملين ستارة نارية من ورائهم، وكبدناهم خسائر فادحة، وبعد المعركة استشهد 3 ظباط وقائد سرية ورقيب أول سرية، وتسلمت أنا القيادة لاني كنت رقيب السرية".
وأردف: "بعد معركة رأس العش اتجهت السرية إلى منطقة الجفجافة، حيث استضافهم عرب سيناء، وأثناء هذه الفترة استطاع بعض أفراد السرية إقامة علاقات مع بعض أفراد قوات الاحتلال الصهيوني من النساء". ويضيف: "استغللنا علاقتنا بهم، لوضع اجهزة تنصت في مواقعهم، كما استطعنا سرقة أوراق ومستندات مهمة، ومن خلال وجودنا في "الموقع الاسرائيلي" كنا نقوم فيما بعد برسم "رسم كروكي" ثم نقوم بتخبئة كل هذه الاوراق في المغارة التي كنا موجودين فيها".


هربت من الاعدام
واستطرد جمعة راويًا أحداث وقوعه في الأسر، حيث يقول إن قوات الاحتلال أمسكت بثلاثة جنود من السرية المصرية، حيث دل أحدُهم على مكان باقي أفراد السرية، فذهب الصهاينة إلى المغارة التي كانوا يقيمون فيها، لكن جمعة استطاع الهرب، وبقي وحيدًا حوالي 4 أيام دون طعام أو شراب إلى أن سقط مغشيًا عليه، ووقع في قبضة قوات الاحتلال.

’العهد’ يلتقي اسرى مصريين نجوا من الاعدام على ايدي الصهاينة في حربي 56 و67: أسرى النسيان! (2من2)
جمعة أمام بقالته برفقة المراسل شريف حسين


يضيف: "وضعونا في "باراكس"، والباراكس يوجد فيه أكثر من عنبر، هناك عوملت أسوأ معاملة وضربوني بالكرباج، وكان طعامنا عبارة عن ربع رغيف و3 علب سجاير فقط، وضعوا قدمي في الزيت المغلي، وعلموني بنجمة داود تمهيدًا لإعدامي، لكني استطعت الهرب منهم".
واستكمل جمعة روايته قائلًا، إن "القتل عند قوات الاحتلال الاسرائيلي كان "بالمجان"؛ حيث كانوا يقتلون من يجيد القراءة، ومن يطلب المياه". ويروي عن المعاملة الوحشية بحق الاسرى المصريين انه "عندما جاءت سيارة المياه سأل الصهاينة عن العطاشى، وعندما رفع بعضهم أيديهم قتلوهم، وعندما سألوا آخرين ، خافوا من الاجابة أنهم أيضاً عطشى، فنفوا احتياجهم للمياه ومع ذلك قُتلوا أيضًا".
وأثناء ترحيل جمعة إلي مكان تنفيذ حكم الإعدام استطاع الهرب وعاد إلي الجفجافة مرة أخرى للحصول على المخططات والرسوم الكروكية التي رسمها الجنود المصريون للمواقع الإسرائيلية وعاد أدراجه إلى القاهرة، بعدها قابل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وأعطاه الرسوم  حيث كافأه بمبلغ "18 جنيها" كانت في جيب عبد الناصر".
واختتم جمعة: "رفعت قضية عشان آخد تعويض، واتحكم لي بـ 20 ألف جنيه تعويض، بعدها الحكومة طعنت علي الحكم وأنا طعنت، وطعني أنا اللي اتقبل وقبلوا يزودوا قيمة التعويض، وفي 22 أبريل 2017 كسبت قضية كنت كاسبها في المحكمة الإدارية العليا على اسرائيل عشان آخد التعويض المناسب، بعدها القضية اختفت ومش لاقي أوراقها وكل ما أكلم سكرتير الجلسة ويقولي "حاضر هرد عليك" .. الحكومة مش بتساعدني وواقفة ضدي عشان مخدش حقي".

كنا ندفن زملاءنا وننام على قبورهم
محافظة حلوان كانت المقصد الثاني لنا لمقابلة الأسير محمد السيد، الذي استقبلنا بعينين دامعتين، يحكي محمد السيد البالغ اليوم من العمر 75 سنة لموقع "العهد" روايته التي يزيد عمرها عن نصف قرن ولا زال يحتفظ بها بذاكرته وكأنها بالامس. يقول: "كنا في رفح، وفوجئنا بالحرب وكنا في أول الصفوف فسقط من سقط وسلاحنا كان رديئا. حاولنا المقاومة لكن الوضع كان في منتهى الصعوبة".

’العهد’ يلتقي اسرى مصريين نجوا من الاعدام على ايدي الصهاينة في حربي 56 و67: أسرى النسيان! (2من2)
محمد السيد: أخذونا كلنا أسرى

وتابع: "أمرنا القادة بالانسحاب من العريش إلى سيناء، بقينا 10 أيام في حالة انسحاب عشوائي وخسائر كبيرة، وذهبنا لتسليم أنفسنا إلى الصليب الأحمر في القنطرة، بناءً على نصيحة بعض العرب في سيناء، لكننا فوجئنا أن الصهاينة كانوا موجودين هناك، كان عددنا يقارب الألف، فأخذونا كلنا الى الأسر".
واستكمل: "مكثنا في منطقة صحراوية كأسرى، لم نذق في اليوم الأول إلا قطعة جبن، وعندما احتجنا للمياه، قال جنود الاحتلال لنا إن المياه مقطوعة من المنطقة، على الرغم من أنهم كانوا يستخدمون المياه ويستحمون أمامنا، واضطر بعضنا إلى شرب بول زميله حتى لا يموت من العطش".
وأردف: "كانوا يسلطون الأضواء علينا ليلًا ونحن نيام، محذرين إيانا من الحركة وإلا تعرضنا للقتل، وأحيانًا كنا نستيقظ لنجد بعض زملائنا قتلى، فنقوم بدفنهم وننام أعلى مواقع دفنهم، وللأسف أُضطررت إلى دفن أكثر من مجند".


حق من قتلهم سليمان خاطر وحق والدي!
أما محمد أحمد البرهيمي، وهو ابن الشهيد أحمد البرهيمي، فيقول لموقع "العهد" نقلاً عن أحد أصدقاء والده العائدين من الأسر إنه "رأى البرهيمي وقد وقع في الأسر برفقة 250 فردًا من كتيبته، وحوصروا بالدبابات وقتلوا دهسًا ورميًا بالرصاص".
وأضاف: "حصلنا على معاش قدره 16 جنيه تقريباً، ولم نحصل على أي تعويض"
ويطالب محمد اليوم بحق والده فيقول: "أريد حق والدي، لأنه مش أقل من الصهاينة الذين قتلهم سليمان خاطر والحكومة دفعت في كل واحد منهم حوالي مليون دولار".

’العهد’ يلتقي اسرى مصريين نجوا من الاعدام على ايدي الصهاينة في حربي 56 و67: أسرى النسيان! (2من2)
محمد عبد السلام حسن: حتى اليوم نجهل كيف استشهد والدي

واختتم: "المفروض بما إني ابن شهيد، كانوا عوضونا ماديًا، أو عينوني في البترول أو الضرائب أو المطار، للأسف تم تعييني في مديرية الزراعة مقابل الحصول على مرتب لا يتجاوز اليوم 1800 جنيه فقط شهريًا".
محمد عبد السلام حسن - 64 - سنة وهو ابن أحد الأسرى عبد السلام حسن، يقول "زملاء والدي، الذين عادوا من الأسر أخبرونا أنه استراح قليلًا بعدما تعرض للتعب، وما زلنا الى اليوم نجهل كيفية استشهاده، نريد ان نعرف كيف قُتل، وللأسف الحكومة لم تساعدنا في الحصول على أي اجابة عن هذا السؤال".

 

2017-12-21