ارشيف من :آراء وتحليلات

إصلاح وانتخابات ونظرية ’الكفتة’

إصلاح وانتخابات ونظرية ’الكفتة’

أحمد فؤاد (صحافي مصري)
تقترب مصر من إتمام 4 أعوام على سيرها في برنامج إصلاح اقتصادي، أثبت أنه أقدر على الإبادة من القنابل النووية، فاستطاع تبديد الثقة في مؤسسات الدولة المصرية كافة، وتسبب الفشل في جعل الهجرة أعذب أحلام الجيل الجديد.
الإصلاح تحت وصاية مؤسسات السيطرة الدولية، ممثلة في صندوق النقد والبنك الدوليين، ارتكز على مسخ الهوية وقتل الإرادة، ومنع إمكانيات خلق المستقبل، عن طريق تجريد البلد من إيمان الناس بالقدرة على الفعل، والأهم تفتيت المتبقي من الثروات الوطنية، وعرضها على النخاسين الجدد بأسعار شبه مجانية.
نظرية السيد "عبد العاطي"، صاحب اختراع علاج الإيدز بـ"الكفتة" صارت الحقيقة الأسمى في مصر، النظام والحكومة والمعارضة والنشطاء أتباع خاضعون لسلطان العلامة الفهامة "عبعاطي".. نظرية "الكفتة" حاكمة للمرحلة الآنية من تطور المجتمع المصري، تطور عكسي للخلف، أو الأسفل، نظرة على دفتر أحوال "المحروسة" كفيلة بالإصابة بقيء مستمر حتى الموت.
هيئة قناة السويس، لصاحبها ومديرها الفريق مميش، تصدر نشراتها بحساب مداخيل القناة بالجنيه المصري، لأول مرة منذ افتتاحها -1879- للتغطية على التراجع الرهيب في الإيرادات، بفعل الأزمة التي ضربت التجارة الدولية، ولا يبدو فى الأفق القريب أي استفاقة منها، والأنكى أن الدولة مطالبة بدفع الفوائد، ومن ثم، يتبقى أصل المبلغ، العام المقبل 2018.
مشروع القناة الجديدة لم يكن في وقته، والمشاريع القومية لا هي مشاريع ناجحة، ولا تمت لـ"لفظة" قومي بصلة، والإنجازات الوهمية ستورث الصدور نارًا ستحرق الوطن، الخداع لا يطول، وكلمة الحقيقة أبقى وأعلى وإن تأخرت، وخبا صوتها تحت وطأة الإجراءات الأمنية.
قس على ذلك كل ما تذيعه وتدّعيه الحكومة من أرقام، كذب ابن هراء، نعيش في ظل وهم كبير، والإفاقة ستكون على مصيبة.
المنطقة الاقتصادية لقناة بدت كحلم، أصعب وأضخم مما تحتمله لحظتنا الحالية، تكاليف باهظة، وإرادة غائبة، ورؤية عمياء تمامًا، هي أقرب لمعركة مستقبل، في بلد مشلول لا يملك إلا سلاح "الدعاء"، لعلّ الله يرزقه بالمعجزة، في زمن لا يعرف المعجزات.
وبالتوازي لا تتعلم الحكومة، ولا تقرأ بالأساس تفاصيل الأزمة، تعاني من أزمة فهم الأزمة، وبالتالي لجأت الى قرض جديد لتمويل المشروع النووي، مشروع قومي هو الآخر، كما يشنف آذاننا مسؤولو الحكومة، في إشارة –ربما- لفشل ينتظره قبل أن يبدأ.
القرض من روسيا هذه المرة، فوائد القرض وغرامات التأخير مخيفة، وتأثير القرض -50% من إجمالي الدين الخارجي- مرعب على المستقبل، الدول تبنى بالإرادات لا بالقروض أو المساعدات، والنماذج الدولية تزعق شرقًا وغربًا أن الشعوب تخلق طريقها، شريطة توافر الرؤية، وتجذير قيم الكفاءة، وتعميق الانتماء الوطني، بمعناه الحقيقي بعيدًا عن العواطف الفارغة، وصراخ الفضائيات الليلية.
في كل أزمة تقف مصر الدولة تائهة، تبحث عن ذاتها فلا تجد إلا الخسائر، مصر باتت الجانب الأضعف والأقل و"المضحوك عليه" في كل علاقاتها الخارجية، بدءاً بسد النهضة، ونهاية بأزمة الطائرة الروسية التي هوت، وأسقطت معها بلدًا، الدولة لا تمتلك أدنى درجات الكفاءة للاستفادة من أي حدث.
قرب توقيت سقوط الطائرة الروسية في شرم الشيخ، سقطت طائرة مصرية في البحر المتوسط، وكالعادة خرجت فرنسا مستفيدة، وفشلت مصر في تحقيق أي شيء، فرنسا ذاتها استفادت حين شهدت عاصمتها كراً وفراً بين شرطتها وقطعان إرهابية، وتحاول الدول "تخضيع" الكوارث للخروج بمكاسب تعوضها، بينما نحن لاهون خلف قناع لا نرى منه إلا ما نريد، ولا يرانا العالم إلا وفق مصالحه.
ومع اقتراب سريع لانتخابات رئاسية، تبدو حتى اللحظة حلبة سباق بلا منافسين، تضعضعت الآمال وانزوت إلى ركن بعيد، عقب 4 أعوام فقط، كانت قادرة على تبديد شعبية وشرعية رهان الشارع على الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، بشكل عصي على الفهم أو التصور، الشارع الذي كان يهاجمك لأقل بادرة حديث عقلاني عن "السيسي"، بات يموج بعداء هادر وغليان واضح وسافر، سخونة تنتظر أقل سبب لإطلاق مارد التمرد من قمقم مخاوف التحرك غير المحسوب.
السيسي أذكى من آل إليه أمر الحكم في مصر، يلعب على الوجدان الجمعي للمصريين، كعازف ماهر، يراهن على تردي الحال عقب كل حراك شعبي، وبؤس تجارب الناس مع الثورات، ويلعب على ارتباط المعارضة بالغرب أو الصهاينة، أو التمويل الذي يلوث أغلب الأحزاب والشخصيات في مصر حاليًا.
لكن الظن بالنجاح وهم، المصري ذكي بالفطرة، وأجاد طوال ألفي عام التعامل مع محتلين من كل الملل والمذاهب، تفوّق البقاء لدى المصري على السلاح والقوة وأوهام العظمة الإمبراطورية.

2017-12-26