ارشيف من :أخبار لبنانية
استمرار الخلاف الرئاسي على مرسوم دورة ضباط الـ94
يسيطر هدوء نسبي على الوضع السياسي العام في البلاد في ظل عطلة الأعياد، إلا أن الخلاف حول المرسوم المتعلق بدورة الضباط عام 1994 والمعروفة بـ"دفعة عون" تفاعل أكثر، بعد كلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من بكركي وردّ رئيس المجلس النيابي عليه.
"الأخبار": بري: عون ينسف الطائف
أشارت صحيفة "الأخبار" إلى أنه للأسبوع الثاني على التوالي، يحتلّ الخلاف بشأن المرسوم الذي وقّعه الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري لمنح ضبّاط ما يسمى «دورة عون» أقدمية سنة، المشهد السياسي اللبناني، مع عودة الاشتباك بين الرئيس عون والرئيس نبيه برّي إلى ما قبل أزمة الحريري.
موقف عون من بكركي خلال قداس الميلاد، وتأكيده على إصراره على المرسوم، ودعوته المعترضين إلى اللجوء إلى القضاء، لم يكن ليمرّ من دون ردّ من برّي، الذي تعمّد أمس عقد لقاءٍ للصحافيين، رد خلاله على كلام عون بقسوة، موسّعاً النقاش في ردّه من أزمة المرسوم إلى تناول اتفاق الطائف برمّته.
غير أن برّي، الذي ذكّر بالمادة 54 من الدستور حول ضرورة توقيع الوزير المختصّ أي مرسوم يقع ضمن اختصاصه، لم ينسَ توجيه الرسائل إلى الحريري، وخصوصاً تجاوز توقيع وزير الداخلية، والاكتفاء بتوقيع وزير الدفاع. وهذه الإشارة من رئيس المجلس النيابي، تتعدّى التذكير التقني بتجاهل تواقيع الوزراء المختصين، إلى ملاحظة في صلب اتفاق الطائف الذي قام أوّلاً وأخيراً على التوافق، وأرسيت المعادلة على هذا النحو طوال العقود الماضية، حتى في عزّ الاشتباك بين 8 و14 آذار، وحتى بعد التسوية الرئاسية الأخيرة.
فقول برّي عمّا لفته في كلام عون عن أن «المرسوم يوقّعه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وحدهما»، ثمّ تعقيبه «إذاً رحمة الله على الطائف، وعلى الدستور، والعُرف، ومجلس الوزراء، والوزراء. وتقبل التعازي في باحة ساحة المادة 54 من الدستور»، يؤكّد أن الأزمة بالنسبة إلى برّي مستمرة ولها تفاعلاتها، وأنها ليست حدثاً عابراً، بل هي أمر يعيد البحث في التركيبة الحالية للنظام القائم الآن. ومع أن مصادر عين التينة تكتفي بما قاله رئيس المجلس، أمس، إلّا أنه ردّاً على أسئلة «الأخبار»، قالت المصادر إن «حركة أمل أكثر الحريصين على اتفاق الطائف ولا نيّة لدينا أبداً للإخلال به، لا الآن ولا مستقبلاً، لكن ما حصل يؤشّر إلى أن أحداً ما لديه هذه النّية، وفي حال كانت هذه النية موجودة، لا يمكننا أن نقف موقف المتفرّج».
وسألت المصادر: «ألم يكن مرسوم من هذا النوع يستأهل التشاور حوله والتوافق عليه طالما أنه سياسي بامتياز؟»، وذكّرت بكلام برّي عن دور المؤسسات، مؤكّدةً أنه «طالما أن القيّمين على المشروع عرضوه على المجلس النيابي، فهذا يعني أنهم يدركون أهميته وأهمية التوافق حوله». وسألت «الأخبار» مصادر عين التينة عن السبب الذي دفع عون إلى القيام بهذه الخطوة وتراجع الحريري عن تعهداته، فردّت بأن «رئيس الجمهورية يحاول في الوقت الضائع أن يمسك بالدولة، مستفيداً من الظروف التي خلقتها أزمة الحريري، لكن البلاد في غنىً الآن عن هذه المحاولات، والأمور ليست بهذه السهولة».
"البناء": ملف الضباط يُعيد التوتر الرئاسي
وفي وقتٍ رأت مصادر نيابية أن «الأمور معقدة وأن أزمة سياسية بين الرئاستين تلوح في الأفق، إن لم تصل المساعي الى خاتمة إيجابية، وأن كلام الرئيس ميشال عون في بكركي يؤشر الى تمسكه بموقفه إزاء قانونية ودستورية المرسوم وضرورة تنفيذه، استبعدت مصادر سياسية على صلة بالرئيسين عون وبري تصعيد المواقف بين بعبدا وعين التينة أو أن تفجير العلاقة التي تحسّنت في الآونة الأخيرة على نطاق أوسع، مؤكدة لـ «البناء» أن «الأمور مضبوطة تحت سقف القانون والدستور واحترام الرأي والرأي الآخر»، مشيرة الى أن «الخلاف الحاصل في مقاربة الدستور هو الخلاف الذي لا يُفسِد في الودّ قضية، مرجّحة أن تتقلّص دائرة الخلاف وتتّجه الى حلّ وسطي للأزمة، مشيرة الى أن «لا مصلحة لكلا الطرفين بتصعيد المواقف أكثر لما لذلك من انعكاسات سلبية على عمل المؤسسات وعلى البلد بشكل عام»، موضحة أن «الرئيسين عون وبري يدركان حجم المسؤوليات على عاتقهما إزاء معالجة الأزمات التي يعاني منها البلد، ما يفرض تغليب مصلحة البلد ومعالجة الأزمات الحياتية المتفاقمة وعدم الانشغال بمرسوم من هنا وقضية من هناك».
وكان الرئيس بري قد أجرى اتصالاً هاتفياً بالرئيس ميشال عون هنأه خلاله بعيد الميلاد.
مصادر مقرّبة من عين التينة رفضت اعتبار كلام رئيس المجلس بمثابة قنبلة أو انفجار أو تصعيد في وجه رئيس الجمهورية، بل توضيحاً قانونياً ودستورياً لخلفيات وأبعاد المرسوم وخطورة تمريره من دون مراعاة الاصول الدستورية والقانونية والميثاقية، ولفتت لـ «البناء» في ردها على كلام وزير العدل «بمعزل عن أسماء الضباط المذكورة أسماؤهم وتوقيع وزير الداخلية، لكن القضية الأساس هي تمرير المرسوم من دون توقيع وزير المال». ولفتت الى أن «كلام بري هو لتصويب الأمور ووضعها في نصابها القانوني ودعوة إلى إعادة النظر في المرسوم وتوقيعه من الوزراء المختصين».
واعتبرت المصادر أن «كلام بري لا يعني فشل المساعي والوساطات التي لا زالت مستمرة والاتصالات جارية للتوصل الى حلّ تحت سقف الدستور والقانون والميثاق». وأصرّت المصادر على أن «المرسوم يرتب أعباءً مالية الآن وفي المستقبل، مشيرة الى رفع لائحة في المجلس العسكري تتضمن بعض الأسماء الواردة في المرسوم لترفيعهم الى رتبة عميد وحينها سيرتّب درجات اضافية وبالتالي مخصّصات اضافية».
ولفتت المصادر الى أن «الرئيس بري يكنّ للقضاء كامل الاحترام، ولا يقصد بكلامه النيل من هيبة ونزاهة القضاء بقدر ما يدلل على أن قوة عمل المؤسسات أقوى من القضاء. فالقضية ليست عادية كما يصوّرها البعض بل قضية دستور وميثاق وقانون وتوازن في السلطة وفي عمل المؤسسات».
وعن الاتجاه الذي ستسلكه عين التينة في حال فشلت المساعي، قالت المصادر إن «الرئيس بري لن يذهب الى القضاء وكل شيء في أوانه وأن كل السيناريوات واردة». وتتحدث المصادر عن عتبٍ من بري على رئيس الحكومة سعد الحريري الذي وقع المرسوم من دون استشارة رئيس المجلس، مشيرة الى أن مسعى رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط كان يهدف الى إلغاء المرسوم وهو يقف في ضفة الرئيس بري».
وأسف جنبلاط في تغريدة «لأن الجو الوفاقي الذي ساد البلاد في المدة الاخيرة عاد وانتكس بعد مرسوم الضباط غير المتفق عليه والذي من الافضل قانونيا العودة عنه».
"الجمهورية": أزمة المرسوم... والساحر المفقود!
واعتبرت "الجمهورية" ان الأزمة ما تزال في المربّع الأول، والمعالجات لم تنجح في إطفائها، وتشخيص المرض وتقديم الحلول اللازمة. اكثر من ذلك فقد تولّدت عنها ازمة ثانية بمحاولة تصغير الاولى وحد حصرها ببُعد تقني، والتغاضي عن الخلفية السياسية الحقيقية لها. وعن حيثيات العلاقة بين الرؤساء وما يمثلون من حيثيات وطنية وطائفية.
عون ليس في صدد التراجع، وبري في صدد الاستمرار في المواجهة وقطع طريق تمرير المرسوم، والحريري لا يملك أن يغيّر في الأمر شيئاً، وواضح انّ التناقض المفاهيمي بين عون وبري في مقاربة هذه الازمة، قد أسّس لبداية مشتعلة للسنة الجديدة.
لقد وعد اهل الحل والربط السياسي بأن يسير البلد في اتجاه انضباط عام في المؤسسات، وبعد عطلة الاعياد سيذهب بهدوء الى المحطة الانتخابية، الّا انّ المرسوم حرف مساره وسيدخل الى السنة الجديدة مع ازمة معقدة محبوكة بحبال التصعيد واشتباك سياسي معزّز بفقدان الانسجام بين الرئاسات، يُنذر احتدامه بفتح الابواب على ما هو أبعد من خلط اوراق سياسية، ومن السجال حول المرسوم والصلاحيات، إذ ربما تفتح على مسارات ترسم علامات استفهام حول الصورة السياسية بشكل عام، وحول ديمومة عمل ومصير الحكومة وسائر المؤسسات، وتهدّد بتشَظّي كل عناوين وملفات المرحلة المقبلة، وقد لا ينجو منها الملف الانتخابي الذي بدأ البعض يرسم من الآن، تكهنات تطيح بتحالفات معينة وترسم خريطة جديدة بتحالفات وتوجهات جديدة.
صار السؤال عمّن استشار او استشير او قدّم استشارة او حَرّض او حَثّ او أوعَز أو نصح بإشعال فتيل الاقدميات و»تهريب» المرسوم، في الخلف، فقد سبقته الوقائع.
واذا كان الأمل بالتراجع عنه من قبل مُعدّيه ضعيفاً جداً، فهل يشكل تجاوز توقيع وزير الداخلية على مرسوم الاقدميات، على ما كشف بري بالامس، الدافع القهري الى هذا التراجع عنه؟
بصرف النظر عن قانونية مرسوم الاقدميات او عدمها، فإضافة الى الخلل الذي يعتريه بعدم توقيع وزير المال عليه، يعتريه خلل آخر يتمثل بتجاوز توقيع وزير الداخلية، لأنّ من بين الضباط المعنيين بالمرسوم، ضباطاً من قوى الامن الداخلي، وبالتالي أيّ مرسوم يفترض ان يمهر بتوقيع الوزير المختص، فكما وقّع وزير الدفاع مرسوم الاقدميات يتوجّب توقيع الداخلية.
وقانوناً، اي مرسوم لا يحمل توقيع الوزير المختص لا قيمة له ويعتبر وكأنه لم يكن. ولطالما رَدّ مجلس النواب الى الحكومات مشاريع قوانين مُحالة الى المجلس بمراسيم من دون توقيع الوزير المختص.