ارشيف من :آراء وتحليلات
إيران.. هزة ’طبيعية’ وليست الزلزال الذي يأملون
علي عبادي
ينظر بعض الناس بقلق الى الاحداث الجارية في ايران من تظاهرات احتجاج شملت مناطق عدة، ويتساءلون عما اذا كانت تشكل تهديداً للنظام الاسلامي.
الواقع ان ايران اعتادت على ان تواجه امتحانا داخليا كل عدة سنوات لاسباب اجتماعية واقتصادية وسياسية، تماما كحال الهزات الطبيعية والزلازل التي "تزورها" كل فترة. وتنبع ارضية هذه الاحداث من توترات تخلقها نقاط ضعف في مشاريع التنمية او تعرض شريحة اجتماعية لما تراه تهميشاً او خسارة على ايدي مستثمرين ومنتفعين او بسبب إشكالات سياسية بين التيارات الناشطة. الداخل الايراني حيوي في التعبير عن نفسه، لكنه يلامس احيانا مناطق الخطر في التعبير عن مطالبه. ولا أزال أذكر انه في بعض السنوات شهدت مناطق ايرانية احتجاجات عنيفة للمطالبة بتحويل هذه المناطق الى محافظة على أمل ان تتمتع بمزايا مالية وخدماتية تتمتع بها المحافظات. وتحدي الانماء المتوازن وايجاد فرص العمل في بلد يشهد اوضاعاً عادية ليس أمراً يسهل التغلب عليه، فكيف ببلد يتصدر قيادة المواجهة مع قوى كبرى ويتصدى لنفوذها ويواجه حصاراً من الخارج بسبب نصرته قضايا الشعوب؟ حتى الدول المتقدمة تشهد خللاً في بنياتها الاجتماعية، وضواحي البؤس موجودة حول باريس ونيويورك وعواصم اخرى. وهذا المثال لا يعفي من تأكيد اهمية تفعيل التنمية (الاجتماعية والاقتصادية والسياسية) واعتبارها مرتكزاً لقوة اي بلد يطمح الى احتلال موقع متقدم بين الأمم.
الأحداث الحالية وتجربة 2009
وفي حين ان امتصاص المشاكل الداخلية يتطلب معالجة متعددة الأوجه، فان وجود ايران على "فوالق سياسية" متحركة وساخنة وسط منطقة تعصف بها الزلازل من جميع الاتجاهات، مع الأخذ في الاعتبار بالدور الاستثنائي الذي تلعبه الجمهورية الاسلامية في تحدي الهيمنة الاميركية والكيان الصهيوني، يجعل منها هدفاً مثالياً للتصويب. وما كشفته وسائل اعلام اسرائيلية أخيراً عن تشكيل اميركا و"اسرائيل" 4 طواقم عمل للعمل من اجل "وقف النشاطات الايرانية في المنطقة" يوضح بعضاً مما يحاك لإيران من أجل إضعافها.
جاءت الاحداث الاخيرة في ايران في ذروة ما يعتبره الاميركيون والاسرائيليون تصاعد نفوذ الجمهورية الاسلامية وتهديدها لمصالحهم ونفوذهم المباشر. ولذلك من غير المستغرب ان يبادر الرئيس الاميركي ترامب ورئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو الى تأييد التظاهرات في ايران، بهدف زعزعة النظام وصولاً الى إسقاطه اذا أمكن.
غير ان الوضع الحالي في بعض شوارع ايران، على أهميته، لا يمثل -حتى الآن على الأقل- تهديدا للنظام، وهو بالتالي لم يتحول زلزالاً مدمراً كما يطمح ترامب ونتنياهو ومن يلوذ بهما، بقدر ما هو هزة تعبر عن فراغات ونشاطات في صفائح المجتمع الايراني.
كما لا بد من القول ان الوضع الحالي في ايران، ليس بخطورة الأزمة التي شهدتها البلاد عام 2009 على اثر الانتخابات الرئاسية حيث أصابت تلك الازمة صميم النخبة السياسية وأدت لاحقاً الى تحييد بعض الشخصيات عن العمل السياسي لتجاوز الأزمة. أما الوضع الحالي فلا يزال حبيس الشارع، وتحديداً بعض الشارع الناقم على بعض السياسات ونتائجها التي مست مصالحه المباشرة. واذا نظرنا الى حجم التظاهرات فهي قد لا تكون بحجم التظاهرات التي رأيناها عام 2009، انما ثمة خطورة في تمددها الى محافظات عدة واستمرارها ولو على شكل مجموعات، خصوصاً وان النظام يتحسس لأي اشارة اعتراض في الشارع نظراً للتفسيرات التي تعطى له داخلياً وخارجياً.
وفي العام 2009، بادرت ادارة اوباما الى استثمار الأزمة الانتخابية لتحض الايرانيين على تغيير النظام، مخصِّصةً مبالغ مالية لتعزيز حضور منصات ناعمة مثل تويتر في اتجاه ايران. واذا كانت ادارة اوباما لم تتمكن من تحقيق نتائج تذكر لهذا الاستثمار السياسي واضطرت لاحقاً الى الاعتراف بقوة نظام الجمهورية الاسلامية وتوقيع اتفاق نووي معها، فإن تعامل الرئيس الحالي ترامب مع الأزمة الراهنة قد لا يكون أوفر حظاً، خصوصا انه لا يتمتع بالخصائص الناعمة التي كانت ادارة اوباما تغلف نفسها بها.
عدم تشكل تهديد واسع
بناء عليه، يمكن القول ان الأزمة في ايران لا تشكل تهديدا لنظام الجمهورية الاسلامية للأسباب التالية:
1- تمتع النظام بحاضنة شعبية عقائدية واسعة مستعدة للتحرك من اجل حمايته وهي جاهزة للحضور في الميدان عند اول إشارة. ولعبت هذه الحاضنة دوراً رئيساً في انتصار الثورة الاسلامية عام 1979 وفي الأحداث الكبرى التي تلتها داخلياً وفي مواجهة التهديدات والضغوط الخارجية الهائلة.
2- وجود اجهزة امنية يقظة وفعالة تمتلك قدرات على التحكم واحتواء الاحتجاجات، كما التحركات الامنية المناهضة. والتجارب الماضية تؤكد نجاح هذه الأجهزة في السيطرة على التحركات العنيفة في الشارع وعمليات التمرد المسلحة ذات الطابع القومي والأعمال الارهابية المختلفة.
3- عدم وجود قيادة واضحة لهذا التحرك الجاري في بعض المحافظات، ما يحوله مجرد تنفيس عن الاحتقان، اكثر منه عملاً هادفاً من أجل التغيير.
4- دخول العامل الخارجي على خط الأحداث لا يصب في مصلحة المحتجين اذا كانت مطالبهم مشروعة، لأنها ستضعهم في صورة موقف غير مستحب وتُفقدهم اي تعاطف في نظر بقية الشارع الايراني.
لهذه الأسباب، قد تكون للأحداث الحاصلة في ايران وظيفة داخلية تنبه الى نقاط خلل في بعض المواضع الاجتماعية والاقتصادية، يتفهمها قادة النظام على ضوء التوقعات التفاؤلية العريضة التي سادت بعد توقيع الاتفاق النووي، وهي توقعات كان مبالغاً فيها بسبب استمرار العديد من أشكال الحصار والعقوبات على البلاد. وثمة توظيف خارجي (اميركي- اسرائيلي- سعودي واضح) لهذا التحرك يتعلق بمحاولة دفع ايران الى الإهتمام بمشاكلها الداخلية المستجدة والانسحاب من صدارة المشهد الاقليمي عن طريق الربط بين أزمات ايران الداخلية وحضورها المكلف في الخارج، وهذا ما تبناه مطلقو شعارات في مشهد وغيرها.
غير ان ما نعرفه عن مبدئية والتزام القيادة في الجمهورية الاسلامية يدفع الى الاعتقاد بأن لديها ما يكفي من التصميم على استثمار التحولات في المنطقة من اجل محاصرة النفوذ الاميركي والاسرائيلي، باعتبار ان ذلك يصب حكماً في مصلحة الأمن القومي لإيران التي تمكنت من تجاوز التهديدات العسكرية الاميركية والصهيونية بفعل حضورها الفاعل والنشط في الإقليم، ولم يكن الإنكفاء ليحقق مثل هذه النتيجة.