ارشيف من :صحافة عربية وعالمية
’رأي اليوم’ تسأل: أين الشفافيّة في قضية محتجزي الـ’ريتز كارلتون’؟
صحيفة "رأي اليوم" الالكترونية
شاركَ الوزير السعوديّ إبراهيم العساف الذي كان مُحتجزًا ضِمن مِئتيّ شَخصيّة بَينهم أُمراء، ورِجال أعمال، في فندق “الريتز كارلتون” بتُهمة الفَساد، في جَلسةٍ لمَجلس الوزراء اليَوْمْ الثلاثاء، بعد أن ثَبُتت براءَته من هذهِ التّهم، حَسب ما وَرد في بَعض وسائل الإعلام المُقرّبة من الحُكومة.
وكالة الأنباء السعوديّة الرسميّة “واس″ نَشرتْ على مَوقِعها صُورًا للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ووليّ العَهد محمد بن سلمان والوزير العساف نَفسه خِلال جَلسةٍ لمَجلس الوزراء.
لم يَصدر أيَّ بيانٍ رسميٍّ عن النّائب السعوديّ العام، أو اللّجنة العُليا لمُكافحة الفَساد يُوضّح للرأي العام السعوديّ ماذا حَدث للوزير العساف، وزير الدّولة الحالي، والماليّة السّابق، وكيف تم إطلاق سَراحُه بعد أسابيعٍ من الاحتجاز، ولماذا جَرى احتجازه من الأساس، وما هِي الأدلّة والبَراهين التي استندت إليها الدولة لتَبرير هذا الاحتجاز.
السّؤال الذي يَطرح نفسه بقُوّة، وبَعد أن ثَبُتَ للجَميع براءَة الوزير العساف، وربّما آخرين مِثله لاحقًا، هو: من الذي سَيُعوّض هذا الشّخص، أو هؤلاء الأشخاص، عن الضّرر المَعنوي الذي تَعرّض له وأُسرته، ومَن يَضمن عدم وجود آخرين، من بَين المُعتقلين الآخرين تَعرّضوا للضّرر نَفسِه، أو ربّما ما هو أكبر مِنه؟
القاعدة الأساسيّة والمَنطقيّة، لأيِّ حَملةٍ ضِد الفَساد، ليس في المملكة العربيّة السعوديّة، وإنّما في أيِّ مَكانٍ آخر في العالم، هي “الشفافيّة” وسِيادة القانون، ولكن مِن الواضِح في حالة السيد العساف، وربّما آخرون، غِيابها تمامًا، سَواء في حالة الاعتقال أو الإفراج، أو حجم التّسويات الماليّة التي جَرى التوصّل إليها، تَحت ضَغطِ الاعتقال، وربّما التعذيب، بشَقّيه النّفسي أو الجَسدي.
كثيرةٌ هي الأخبار التي تَتردّد بين الحين والآخر عن الاعتقالات، والمُعاملة التي يَتعرّض لها المُعتقلون في سِجن “الريتز كارلتون” ولكن يَعجز المُراقب عن التّحقق من مَدى صِدقِيّتها، لأنّها تَصدُر عن مَصادر غير رسميّة، ولدينا أحدث الأمثلة في هذا المِضمار ما نَشرته صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانيّة من أن الأمير طلال بن عبد العزيز، الأمير الإصلاحي والتقدّمي المَعروف، والأخ غير الشقيق للملك سلمان بن عبد العزيز، دخل في إضرابٍ عن الطّعام احتجاجًا على حَملة التّطهير التي طالت ثلاثة من أبنائه، أبرزهم الأمير الوليد بن طلال.
وذَكرت الصّحيفة أن الأمير طلال البالِغ من العُمر 86 عامًا بَدأ إضرابًا عن الطّعام بعد أُسبوعٍ تقريبًا من إلقاءِ القَبض على ابنه الأمير الوليد، أي يوم 10 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وفقد عشرة كيلوغرامات من وَزنِه، وجَرى إجباره على التغذية الصناعيّة عبر إدخالِ أنبوبٍ إلى جَوفِه.
الأمير طلال يَتمتّع بدَرجةٍ عاليةٍ من الكِبرياء، ولم يُطالب العاهل السعودي الذي زاره في الشّهر نَفسه (نوفمبر) لتَعزيته في وفاةِ شقيقته الأميرة مضاوي، وقَبّل يَدُه، لم يُطالب مُطلقًا بالإفراج عن أبنائِه، وظَهرت صُور اللّقاء على وسائِط التواصل الاجتماعي في حينِها.
الأمير محمد بن سلمان حَظِي بشَعبيّةً كبيرةٍ في أوساط الشباب السعودي بسبب حَملته على الفساد، واعتقال حيتانه الكِبار المُفترضين، من أُمراء ورِجال أعمال، حسب وسائل الإعلام الرسميّة، ولكن غِياب “الشفافيّة” ووسائل التّحقيق القانونيّة، بمُذكّرات رَسميّة من النّائب العام، مُستندةً إلى أدلّةٍ دامِغةٍ مُوثّقة، قد تَجعل هذهِ الشعبيّة تتبخّر، وما حَدث للوزير العساف أحد الأدلّة البارزة في هذا المِضمار.
السيد العساف عادَ إلى مَنصِبه كوزير دولة، وحَضر اجتماع مجلس الوزراء إلى جانِب العاهِل السعودي ووليّ عَهدِه، وزُملائِه الآخرين، في إعلانٍ عَمليٍّ بالصّوت والصّورة عن بَراءَتِه، واعتذارٍ مُبطّنٍ له، على أعلى مُستويات، ولكن هل هذا التّعويض المَعنويّ يَكفي؟ ثم من سَيُعاقِب من وَجّهوا إليه هذهِ التّهم، وأضرّوا بسُمعَتِه، وسُمعَة الكَثير من أمثالِه الذين سَيتم الإفراج عَنهم لاحِقًا، ولَيسوا أعضاءً في مَجلس الوزراء؟
الشفافيّة مَطلوبة، ونَعتقد أنّها لا تَقِل أهميّةً عن العَدالةِ نَفسِها، أو أنّها أقصر الطّرق لتَحقيق الأخيرة، أي العَدالة.