ارشيف من :صحافة عربية وعالمية
شهران على «محكمة الريتز»: «صمود» الوليد يعرّي ابن سلمان
علي جواد الأمين - صحيفة الأخبار
مع تعرقل «تسويات» محمد بن سلمان مع الأمراء المحتجزين في محكمة الخمس نجوم في الرياض، تطغى ملامح صراعات القصر على «حملة مكافحة الفساد»، فيما تزداد ورطة ولي العهد مع مضي شهرين على الحملة التي لم تنته بعد، ما يفتح الباب أمام أزمة داخلية تكشف «ضيق» نطاق سلطة ابن سلمان على الأمراء الكبار
سياسة محمد بن سلمان في تحقيق أهدافه، تقوم على سياسة «خلط الأوراق» لتشويش الصورة أمام الرأي العام السعودي والعالمي، أو «صيد عصفورين بحجر واحد»، وكلاهما سياستان تسمحان له بأن يكون خصماً وحكماً في آن واحد. في «محاربة الفساد»، يسعى ابن سلمان أولاً، إلى اصطياد المنافسين والمعارضين، وهو ما يبدو في «الخط الزمني» لخطوات الأمير الشاب، بدءاً من انقلابه على منافسه الأكبر محمد بن نايف في تموز، ثم شنّ حملة اعتقالات طاولت دعاة وإعلاميين مناوئين له في كانون الأول، وليس انتهاءً باحتجاز الأمراء أخيراً، حيث أطاح منافسه الثاني متعب بن عبد الله، وفي الوقت نفسه، يسعى ابن سلمان ثانياً، إلى الاستحواذ على مليارات الدولارات من رجال الأعمال، بحجة «الفساد» المدعّمة بمحتجزين فاسدين، أما سياسته ضد المعارضات والتظاهرات الشعبية، فتقوم على «خلط الأوراق»، عبر وسم النشطاء بالإرهاب أو الولاء لإيران.
«حاميها حراميها»
في حملته على الأمراء ورجال الأعمال، البالغ عددهم 320، من بينهم 37 أميراً سعودياً، بحسب النيابة العامة، يتجه محمد بن سلمان بالتزامن مع الضرائب و«إجراءات» اقتصادية طاولت لقمة عيشهم، إلى أخذ الأموال من الأثرياء ومنحها للفقراء، وهو ما يروّج له المسؤولون السعوديون مع وسائل الإعلام المحلية وبعض الغربية، آخرها ما شدد عليه وزير المالية، محمد الجدعان، في مقابلة مع صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية الشهر الماضي، بأنّ «الأموال المستردة سيجري ضخها في قطاع التعليم، والإنفاق على الرعاية الصحية». وبحسب ابن سلمان، ستصل هذه الأموال إلى «نحو 100 مليار دولار في إطار التسويات»، كما أعلن في مقابلة مع «نيويورك تايمز» في تشرين الثاني الماضي.
وعلى الرغم من أن معظم السعوديين لا يرفضون محاسبة الأمراء الأثرياء من آل سعود، إلا أنهم يرفضون استدعاء هذا الملف من قبل محمد بن سلمان نفسه على طريقة «حاميها حراميها»، نظراً لسجله الحافل في سرقة لمال العام، وصرفه مبالغ ضحمة على نفسه (يخت بقيمة 550 مليون دولار، وقصر في فرنسا بـ300 مليون دولار، ولوحة فنية بقيمة 450 مليون دولار، وجزيرة في المالديف، كشفت التسريبات أنه دفع مقابلها 346 مليون دولار).
تطويع متعب
فيما تصبّ «حملة التطهير»، في إطار تعبيد طريق العرش الذي يسير فيه ولي العهد، ذهب مراقبون ووسائل إعلام غربية كـ«فاينانشال تايمز»، إلى أنّ الهدف الأساسي من «حملة مكافحة الفساد»، هو إقصاء وزير الحرس الوطني، الأمير متعب بن عبد الله، باعتباره آخر عقبة تعترض صعوده للعرش، وبدا ذلك في إعفاء متعب من منصبه بالأمر الملكي نفسه الذي أمر بإنشاء «لجنة مكافحة الفساد»، ثم احتجازه بعد ذلك لأسابيع، قبل أن يطلق سراحه بعد التوصل إلى «اتفاق تسوية مقبول»، يقضي بدفع أكثر من مليار دولار، بحسب وكالة «رويترز».
وما يؤكد أن الحملة تهدف إلى تحجيم نفوذ متعب، إحالة السلطات أخيراً، أربعة جنرالات يعملون معه على التقاعد، وإبقاؤها على شقيقه تركي بن عبد الله، خشية من انتقامه بعد مقتل مدير أعماله، اللواء علي القحطاني، على الرغم من الإفراج عن اثنين من أشقاء متعب الخميس الماضي.
متعب، كان آخر أهم العقبات أمام ابن سلمان، بعد محمد بن نايف، والسبب أن وزارة الحرس الوطني، هي آخر معقل قوة يهدد استقرار ابن سلمان في حكمه، إذ يتبعها نحو 100 ألف عنصر، من أفضل الوحدات البرية تجهيزاً في السعودية.
الخطوة الأخيرة ضد متعب، سبقتها خطوات كثيرة للملك سلمان وابنه، بدأت حتى قبل بدء مراسم دفن والده الراحل، تصبّ جميعها في خانة واحدة، وهي التخلص من تركة الملك عبد الله، بدءاً من إعفاء خالد التويجري من منصبه رئيساً للديوان الملكي، الذي كان مقرباً جداً من الملك الراحل ونجله متعب، خصوصاً أن التويجري من متخرجي وزارة الحرس الوطني، وصولاً إلى إزاحة شقيقَي متعب، مشعل وتركي، من إمارتي منطقتي مكة المكرمة والرياض، في كانون الثاني عام 2015، وانتهاءً بإعفاء متعب أخيراً.
ورطة الوليد
«تسوية» الوليد وصلت إلى طريق مسدود، هذا ما أكدته وكالة «بلومبيرغ» الأميركية، الجمعة الماضي. يقاوم الأمير الملياردير أي توجه للإقرار بارتكابه مخالفات، وهو يرفض، بحسب ما أكدت صحيفة «تايمز» البريطانية، الخميس الماضي، طلب السلطات دفع ما يصل إلى 7 مليارات دولار مقابل الإفراج عنه، أي ما يقارب 40% من ثروته، التي ناهزت 18.7 مليار دولار أميركي، بحسب القائمة الخاصة بعام 2017 التي تصدرها مجلة «فوربس» العالمية كل سنة. وفيما تطالب الحكومة السعودية بأن يكون الدفع نقداً أو باتفاق يشمل النقد والأسهم، تقدم الوليد بن طلال بعرض، وفق صحيفة «فايننشال تايمز»، من شأنه نقل حصته في شركة المملكة القابضة، التي تبلغ 95 في المئة، إلى الحكومة السعودية مقابل الإفراج عنه.
ورطة محمد بن سلمان مع الوليد تتفاقم يوماً بعد يوم، بعدما اتخذت منحىً بعيداً عن «مكافحة الفساد»، خصوصاً مع الأنباء التي تحدثت عن أن والده الأمير طلال، البالغ من العمر 86 عاماً، بدأ بخوض إضراب عن الطعام، احتجاجاً على احتجاز ثلاثة من أبنائه، وهو ما نفاه ابنه عبد العزيز في تغريدة، أمس، إلا أنه أشار إلى أنّ والده «دخل المستشفى لإجراء فحوصات».
يُعَدّ الوليد بن طلال، أميراً مشاكساً في السياسة والإعلام، ويرغب محمد بن سلمان في تحجيم نشاطه السياسي والاقتصادي، فهو يمتلك مشاريع ضخمة داخل المملكة كمشروع جدة العقاري الذي تتجاوز مساحته خمسة ملايين متر مربع، وله أسهم كبيرة في العديد من المؤسسات الإعلامية العربية والأجنبية مثل مجموعة قنوات «روتانا» وقناة «الرسالة»، وله حصص في «سي أن أن» و«فوكس» و«تويتر».
وقد ظهر غضب محمد بن سلمان من تحركات الوليد الإعلامية والسياسية، في إيقاف بث قناة «العرب»، بأمر منه حينما كان ولياً لولي العهد، بعد دقائق من انطلاق بثها من البحرين في أيار عام 2015، إذ إن لابن سلمان نزعة في الاستحواذ على وسائل الإعلام في المملكة، كقناة «العربية» التي كانت أحد أذرع شبكة «أم بي سي» التلفزيونية، وأصبحت بعد شرائه حصص الوليد بن طلال وأسرة رفيق الحريري، ورجل الأعمال السعودي محمد العمودي، جزءاً من إمبراطورية «الشركة السعودية للأبحاث والتسويق»، التي يملك أولاد الملك سلمان الغالبية العظمى من أسهمها.
ولا يروق محمد بن سلمان الحماسة السياسية التي يبديها الوليد في مواقفه الخارجية، كمخاطبته الرئيس الأميركي دونالد ترامب أثناء الحملة الانتخابية، على «تويتر»، بأنّه «عار ليس على الحزب الجمهوري فحسب، بل على أميركا كلها»، ومطالبته إياه بالانسحاب من سباق الرئاسة الأميركية، وهو ما ردّ عليه ترامب في حينها بتغريدة، بأنّ الأمير الوليد «يريد أن يتحكم بسياستنا في الولايات المتحدة بأموال الوالد»، محذراً إياه بأنه سيمنعه من ذلك بعد انتخابه. ويشاكس الوليد في المناطق الحساسة أيضاً، إذ سبق أن ظهرت حماسته في تحميل السعودية، جزئياً، المسؤولية عن ظهور تنظيم «داعش»، وذلك في مقابلة مع برنامج «أمانبور» على قناة «سي أن أن» الأميركية في عام 2014، بينما تشارك بلاده في «تحالف دولي» بقيادة أميركية ضد التنظيم، في محاولة لإثبات العكس.