ارشيف من :آراء وتحليلات
’كباري’ مبارك
أحمد فؤاد (صحافي مصري)
في زمن جمود مبارك الطويل، خرجت عدة نكات عن "كباري مبارك"، باعتبار الشيء الوحيد الواضح للنظام وقتذاك، هو حرصه على مدّ الطرق وإنشاء الكباري " الجسور"، واستمر على منوال سلفه السادات، في مخاصمة بناء المصانع أو الاستفادة من التأسيس السابق للنهوض بالصناعة المصرية.
لكن من الظلم لنظام مبارك التوقف فقط عند شبكات الطرق، فقد نجح لأول مرة في الخروج من الوادي الضيق، وأنشأ عددا من المدن الجديدة، تجاورها مناطق صناعية، وبدت كلها مشروعات مبشّرة.
توازت جهود النظام الأسبق مع طفرة في مجالي البترول والطاقة، واكتشاف وتنمية عدد من الحقول، واستخراج الغاز لأول مرة من المتوسط، ومد الغاز الطبيعي إلى المساكن والمصانع، وتوسع تغطية شبكة الكهرباء.
كل ما فعله النظام الأسبق نسفه تمامًا وعرّاه أنه باع مصانع وشركات القطاع العام، التي كانت أفضل ما تركته ثورة يوليو العظيمة على الإطلاق.
تحولت الوحدات الإنتاجية الضخمة، التي قدمت منتجات استهلاكية أعانت الاقتصاد المحلي على عبور أزماته العديدة، إلى خطوط تجميع للمشترين الجدد في أحسن الظروف، بينما فضّل غالبية المستثمرين الاستفادة من الأراضي، وإغلاق المصانع نهائيًا.
الصناعة المصرية وحدها عبّرت عن زيف الإصلاح الاقتصادي لنظام مبارك، ومثل سقوطها، أمام تحديات عصر مأزوم، الحكم البات والنهائي على حكمه الطويل.
في قراءة زمني مبارك والسادات، تكمن أزمة النظام المصري الحالي.
"كامب ديفيد" تتجاوز في الواقع المصري شكل المعاهدة، لتتحول إلى فاعل حقيقي، لا يجري الحديث عنه، سواء من قِبل الأنظمة التي ارتضت ما ترتبه المعاهدة من تبعية وارتهان، والمعارضة الباحثة عن صك اعتراف غربي، بعد فشلها المريع في استقطاب رجل الشارع.
المعاهدة التي رتبت دخول صندوق النقد والبنك الدوليين، وما ارتبط بهما من مؤسسات التمويل الأمريكية، وما لحقهما من مراكز، حوّلت مصر تدريجيًا إلى التبعية الكاملة، تبعية تنطلق من أسفل القواعد الحاكمة للمشهد السياسي، قبل أن تربط الاقتصاد بقاطرة الغرب.
مصر التي تجاوزت فترة حصار غربي، عقب فشل عدوان 1956، بدفع من تصميم على الاستثمار في قطاعات الاقتصاد الحقيقية، من زراعة وصناعة، تفشل الآن –وبجدارة كاملة- في الخروج من أسر توصيات صندوق النقد الدولي، أو بالأدق أوامره.
الأزمة أن الاقتصاد المصري الذي كان يحتاج لثورة، تم ترقيعه على صديد وتقيحات، فتحول المرض السياسي إلى سرطان اقتصادي-اجتماعي، وبات الشارع يدفع ويدفع مقابل تصريحات مسؤولي الصندوق بالرضا عن مسار الحكومة.
الجديد في دور الدولة خلال عهد السيسي، هو سيطرة فكرة الانسحاب من كل قطاعات النشاط الاقتصادي، تاركة البلد فريسة سهلة أمام أي مشترٍ، طالما يمتلك الثمن بالورقة الخضراء، التي لا يرد لها أمر حاليًا.
الدولة تمارس فعل الهروب، بفجاجة، أمام الشركات الأجنبية الكبرى، والدعم يتم رفعه عن السلع الأساسية، والضرائب يتم فرضها بقسوة على محدودي الدخل، مع تقديم الكثير من الامتيازات لكبار رجال الأعمال باعتبارهم أمل مصر في تحقيق الرخاء الاقتصادي، "روشتة" الخراب الدولي العاجل يجري تطبيقها بكل همة.
حياة المواطن المصري تسير تحت ظلال "كامب ديفيد" من سيئ إلى أسوأ، وموارد الاقتصاد المصري، وهي تحتاج جهدًا لتكون ضخمة، يجري تبديدها على مشروعات بلا طائل، وأرقام الدين الخارجي التي تجاوزت 80 مليار دولار، لأول مرة في التاريخ، والدين الداخلي، التي كسرت رقمها السابق لتسجل 3 تريليونات جنيه، لا تترك مجالًا للشك في مدى فشل حديث النظام عن الإصلاح المزعوم.