ارشيف من :صحافة عربية وعالمية
تقشف السعودية... مواطنون يودّعون عصر الرفاهية
خالد الخالدي - صحيفة "العربي الجديد"
يربط الجيل الحالي من السعوديين عصر الرفاهية في بلادهم بالملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، أما العصر الحالي فهو عصر إجراءات تقشف ورفع دعم، يتخوف فيه المواطنون من الوصول إلى مرحلة الفقر حتى
ألقت الإصلاحات الاقتصادية التي بدأتها السلطات السعودية واستهدفت رفع سعر الوقود إلى ضعفي سعره السابق، وفرض ضريبة القيمة المضافة على كلّ السلع والخدمات، وخصم عدد من العلاوات السنوية على الرواتب الحكومية، بظلالها المدمرة على المجتمع السعودي، إذ طاولت الآثار السلبية جميع الشرائح والفئات العمرية من الجنسين.
على الطرقات
بالرغم من أنّ السلطات السعودية عادت وأدخلت عدداً من الإصلاحات على التغييرات الاقتصادية القاسية وذلك بصرف بدل غلاء معيشة مؤقت وإعطاء دفعة مالية للعسكريين السعوديين الذين يحاربون في اليمن، فإنّ هذه التغييرات الاقتصادية تضغط على السعوديين الذين باتوا يرون أنّ دولة الرفاه النسبي في عهد العاهل الراحل عبد الله بن عبد العزيز قد انتهت.
يقول أحمد، وهو موظف حكومي في مدينة الدمام في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط لـ"العربي الجديد": "لا أعلم ماذا سأفعل براتبي بعد الآن، الغلاء سينهشنا بعد زيادة قيمة الوقود وفرض القيمة المضافة. صحيح أنّ بدل غلاء المعيشة الذي قررت الحكومة صرفه لعام واحد بمقدار 1000 ريال (260 دولاراً أميركياً) لكلّ موظف حكومي سيخفف من الآثار، لكنّ الأمور ستعود مرة أخرى إلى المربع الأول بعد انتهاء مدة الصرف المقررة وسنرجع إلى الفقر من جديد".
سيسبب قرار رفع أسعار الوقود إلى الضعفين مشكلة كبيرة في السعودية خصوصاً أنّ البلاد لا تملك بنية مواصلات تحتية، فلا مواصلات عامة في أغلب المدن، كما أنّ مشروع "مترو الرياض" لم يبصر النور بعد، ما يعني أنّ معظم المواطنين السعوديين الذين يذهبون إلى أعمالهم التي تبعد عن قراهم ومدنهم مسافة 100 كيلومتر وأكثر سينفقون الكثير على النقل في بلد "يعيش على النفط" بحسب خبراء اقتصاديين. يقول محمد لـ"لعربي الجديد": "أعمل على بعد 80 كيلومتراً من بيتي مدرّساً في مدرسة حكومية، أي يتوجب عليّ أن أقطع يومياً 160 كيلومتراً في الذهاب إلى العمل والعودة منه، ما يعني أنّ 30 في المائة من راتبي الضئيل أصلاً، سيذهب لنفقات الوقود فقط، بالإضافة إلى ضريبة القيمة المضافة التي ستلاحقني حتى لو اشتريت كيس خبز".
الضرر الأكبر
استثنت قرارات صرف بدل غلاء المعيشة المؤقت موظفي القطاع الخاص الذين رأوا أنّهم تحملوا الجزء الأكبر من القرارات الحكومية في فرض الرسوم الباهظة، إذ يقول أحمد غ، وهو موظف في شركة سيارات كبيرة في جدة لـ"العربي الجديد": "موظفو القطاع الخاص الذين لم يشملهم أيّ دعم مؤقت سيتحملون المشقة الكبرى، فنصف رواتبنا سننفقه على الوقود وتصليح السيارة". يضيف: "الإعلام الرسمي الحكومي يحاول إقناعنا أنّ أسعار الوقود مرتفعة مثلما هي مرتفعة في دول أخرى كالسويد وألمانيا والنمسا وأنّ تلك الشعوب تدفع الضرائب أيضاً مثلما ندفع نحن الآن، لكن هناك نقطة غابت عنهم وهي أنّ ألمانيا ليست دولة نفطية، على العكس منا، كما أنّ فيها شبكة مواصلات عامة محترمة ومترابطة وتؤدي الغرض، بينما لا توجد باصات عمومية أصلاً في مدينة جدة، وبعض الناس بدأ يذهب إلى عمله على دراجة هوائية".
المتضرر الأكبر من هذه القرارات هو سكان المدن الحدودية خصوصاً التي تقع في شمال البلاد حيث لا تهتم الحكومة بها بسبب بعدها عن مركز صنع القرار في الرياض. زياد عامل كهرباء في محطة تابعة للحكومة السعودية تبعد عن قريته التي تقع قرب مدينة حائل أكثر من 150 كيلومتراً، لكنّه يقول إنّه سيضطر إلى تقديم استقالته بعد قرار رفع سعر الوقود، والاتجاه إلى دولة الكويت القريبة للبحث عن عمل. يقول لـ"العربي الجديد": "المحطة الكهربائية التي أعمل فيها تصنف على أنّها قطاع خاص بالرغم من أنّها تابعة للحكومة، ما يعني أنّ بدل غلاء المعيشة المؤقت لن يكون من نصيبي، كما أنّ سيارتي التي أذهب بها كلّ يوم إلى العمل أميركية أي إنّها تستهلك الوقود أكثر بكثير من غيرها". يضيف زياد: "أحمل شهادة في الخدمة الاجتماعية لكنّي لم أحصل على وظيفة فيها ما يعني أنّ فرصتي في العمل داخل الكويت كمدرّس أفضل بكثير من فرصتي في بلدي. أعرف عشرات الشباب الذين اختاروا التوجه بعائلاتهم نحو الكويت إذ بدأوا يسكنون إلى جانب أبناء عمومتهم، لأنّ تكاليف الحياة زادت بشكل كبير في قرانا ومدننا، كما أنّ الكثير من أبناء القبائل التي تعيش في هذه المناطق تتمنى أن ينتهي الحصار على قطر كي تتمكن من الذهاب والعمل هناك لأنّ الحياة صارت كالجحيم هنا".
قيادة المرأة
بدوره، يقول الناشط السعودي المعارض في لندن، يحيى عسيري، لـ"العربي الجديد": "ارتفاع أسعار الوقود وفرض ضريبة القيمة المضافة في ظل الهدر الذي تعانيه الميزانية جراء صرف وتبذير المحيطين بالسلطة على ملذاتهم وبطولاتهم الشخصية هو استهانة بكرامة الشعب وحقوقه". يضيف: "كيف يمكن للمواطنين أن يرضوا أنّ كلّ هذه الجبايات تفرض عليهم وفي نفس الوقت لا يستطيعون المشاركة في إدارة الحكم واتخاذ القرارات؟".
تنتهج الدول الخليجية سياسة الاقتصاد الريعي المتمثلة في صرف الدولة مبالغ طائلة على الخدمات الاجتماعية ورفاهية المواطنين في مقابل عدم مشاركة هؤلاء المواطنين أسر الحكم في إدارة البلاد، لكنّ انخفاض أسعار النفط وتزايد المصاريف أجبر عدداً من الدول وعلى رأسها السعودية والبحرين على تخفيض رواتب مواطنيها وفرض الضرائب عليهم وهو ما يعني تغيرات اجتماعية كبيرة.
وستكون هذه التغيرات الاجتماعية كبيرة جداً مع قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة، والذي سيطبق بحسب الحكومة السعودية في أواخر شهر يونيو/ حزيران من هذا العام، إذ ستتحمل المرأة أيضاً كلفة التنقل التي زادت إلى الضعفين بعد قرار رفع أسعار الوقود.
تقول عفاف، وهي موظفة تعمل في مدينة جدة وتسكن في سكن مستقل بعيداً عن أهلها الذين يقيمون في المدينة المنورة، لـ"العربي الجديد": "المصاريف زادت بشكل مهول منذ اليوم الأول لإعلان ضريبة القيمة المضافة ورفع سعر الوقود، وبما أنّي موظفة في القطاع الخاص فلن أحصل على ريال واحد كعلاوة. وحتى الدعم الحكومي الذي سيقدم للموظفين ذوي الدخول المتدنية لن يشملني لأنّ القانون السعودي يعامل المرأة كقاصر إذا ما أرادت الحصول على مال من الدولة بينما يعاملها ككاملة أهلية إذا أراد الحصول على ضريبة أو رسوم خدماتية منها". تضيف: "في السابق، كان نصف راتبي يذهب إلى أهلي الذين أساهم بإعالتهم في مدينتهم، لكن اليوم ومع ارتفاع الرسوم فأنا مخيّرة ما بين الاستقالة والعودة إلى مدينتي عاطلة من العمل وتوديع حياتي المهنية، أو العمل بلا جدوى لأنّ الراتب سيذهب على تكاليف المعيشة وبقيته القليلة ستذهب إلى عائلتي ولن يبقى لي شيء".
بدورها، تقول إيلاف، وهي شريكتها في السكن لـ"العربي الجديد": "مسألة التنقل باتت صعبة منذ اليوم الأول لإعلان رفع أسعار الوقود بالرغم من أنّنا لم نقد السيارات بعد، إذ إنّ السائقين الخاصين الذين نتعامل معهم ويتكفلون بنقلنا، رفعوا أسعارهم بشكل جنوني".
من جهته، يقول محمد ن.، وهو سائق تاكسي يعمل مع شركة نقل شهيرة إنّ القرارات الأخيرة في ما يخص الوقود وضريبة القيمة المضافة أجبرت الشركة على تغيير التسعيرة وبالتالي رفع الأسعار لضمان حصول السائقين على حقهم بشكل أفضل. يتابع أنّ البلاد بدأت في توديع عهد الترف الذي عاشته منذ عام 2008 حتى عام 2015 وهي السنة التي توفي فيها الملك عبد الله بن عبد العزيز.
وبالفعل، بات اسم الملك عبد الله يستخدم في المجالس العامة والخاصة كدلالة على تبرم السعوديين من "العهد الجديد" الذي أتى في ظل أزمة انخفاض سعر البترول وعدم وجود مصادر دخل أخرى للبلاد سوى جيوب المواطنين، إذ يقول الطالب الجامعي عمر لـ"العربي الجديد": "ربما سنموت جوعاً في الأجل القريب إذا استمرت الأمور على هذا المنوال".
أما الباحث الاجتماعي في جامعة "الكويت" خليل خالد فيقول لـ"العربي الجديد": "بنية المجتمع السعودي ستتغير بفعل هذه السياسات الاقتصادية الجديدة، إذ سيغيب التكافل الاجتماعي الذي تميزت به مجتمعات الخليج العربي، وستنتشر الأنانية والفردانية في التصرفات بين أفراد العائلات نفسها، لأنّ الحياة ستصبح مثل السباق الذي يلهث فيه الإنسان للحصول على احتياجاته".