ارشيف من :آراء وتحليلات
الضجيج التركي يعلو ضد الأكراد.. وخيبة أمل من الحليف
دمشق - محمد عيد
تصاعدت حدة التوتر بين تركيا ووحدات الحماية الكردية عقب إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عزمها إنشاء قوة أمنية خاصة من 30 ألف عنصر للوقوف على الحدود مع كل من العراق وتركيا، وقوامها الرئيسي من الوحدات الكردية.
وبعيدا عن الحسابات الأميركية التي تريد موطأ قدم ثابتاً لها في سوريا يقطع الطريق على أي تواصل منتظر بين محور المقاومة الممتد من لبنان إلى سوريا والعراق وإيران بعد القضاء على داعش، ويحرم هذا المحور من إعلان نصر ناجز، فإن الخطوة الأمريكية هذه أيضا تعكس أيضا استخفافا بـ"الحليف التركي" واستمرارا للنهج السابق في عدم الوقوف على خاطره تجاه أكثر الملفات التي تؤرقه وهي ملف الأكراد، الأمر الذي جعل الأتراك يرعدون ويبرقون من دون معرفة إن كانوا قادرين على ترجمة هذا الغضب إلى سلوك ميداني غير استعراضي، يقفز فوق الخطوط الحمراء الأمريكية التي تجد في الأكراد "ورقة طيعة" وضعت أكثر بيضها في السلة الأمريكية خلافا لأردوغان المربك والممسوك باتفاقيات معلنة وضمنية مع روسيا وإيران، الدولتين اللتين تعطيانه دائما هامشاً محدوداً للمناورة يشاغب فيه على تفاهماته معهما من دون أن يملك القدرة على أكثر من ذلك، ليبقى رهين الصراع الدائم والمتميع بين الاشتباك والتشبيك إقليمياً، مذ أيقن بعد طول مكابرة أن حلمه بالصلاة في الجامع الأموي بات مجرد سراب.
وقالت الخارجية التركية في بيان لها إنها "تدين إصرار الولايات المتحدة على موقفها الخاطئ بشأن الاستمرار في التعاون مع وحدات حماية الشعب الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي السوري)، وتعريض الأمن القومي التركي ووحدة الأراضي السورية للخطر".
جاء ذلك تعليقا على إعلان التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، تعاونه مع "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي يشكل المسلحون الأكراد عمودها الفقري لتشكيل قوة حدودية شمالي سورية.
وأضافت الخارجية التركية في بيانها الذي نقلته وكالة "الأناضول"، أنه لم يتم التشاور مع تركيا بصفتها عضوا في التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، حيال تشكيل ما تسمى بـ"قوة أمن حدود سورية".
رد الفعل التركي لم يتوقف عند بيان الخارجية، وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن الولايات المتحدة تحاول تشكيل "جيش ترويع" على الحدود الجنوبية لتركيا بتدريب قوة حدودية سورية تتضمن مقاتلين من الأكراد، وتوعد بسحق القوة قبل أن تولد.
وتابع اردوغان في خطاب له في أنقرة "تصرّ دولة نصفها بأنها حليف على تشكيل جيش ترويع على حدودنا… ماذا يمكن لجيش الترويع هذا أن يستهدف عدا تركيا؟". وأضاف "مهمتنا خنقه قبل حتى أن يولد".
النبرة التركية الغاضبة ضد الولايات المتحدة وحلفائها الأكراد تزامنت مع حشود عسكرية تركية كثيفة وصلت إلى منطقة لواء الإسكندرون المحتل الذي اقتطعته تركيا من سوريا عام 1939 وذلك لدعم القوات التركية المتمركزة على الحدود مع سورية.
وترافق أيضا مع قصف تركي عنيف استهدف منطقة عفرين التي تعتبر معقلا بارزا للمقاتلين الكرد، وطال القصف أماكن على طريق جنديرس – عفرين وأماكن أخرى بالمنطقة، من دون ورود معلومات عن خسائر بشرية، كما تزامن مع اشتباكات برية متقطعة على محاور في محيط مارع وعين دقنة ومرعناز الواقعة بريف حلب الشمالي، بين الفصائل المقاتلة من طرف، وقوات سوريا الديمقراطية من طرف آخر.
التصعيد التركي سيشكل ربما مقدمة لخطة عسكرية تركية وضعتها وزارة الدفاع التركية وستعرض على الرئيس أردوغان خلال الساعات القادمة وتتضمن أربع مراحل وفق تسريبات بعض الصحف التركية، والمراحل هذه تتضمن دخول القوات التركية إلى عفرين ومنها إلى منبج غرب نهر الفرات وبعدها تعبر إلى شرق النهر إلى عين العرب في الحسكة وصولا إلى الحدود السورية العراقية، ووفق هذه الخطة ستضع أنقرة كامل علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية في الميزان.
ولكن في المقابل هناك من يعتقد أن الاتراك ورغم خوفهم من النيات الأمريكية قد وجدوا في خطوة واشنطن بإنشاء هذه القوة الأمنية ضالتهم المنشودة التي تبرر لهم المزيد من القدرة على قضم الأراضي السورية، وأن "صراخهم العالي" لا يعدو كونه نوعا من ممارسة الضغوط على كل المرتابين من مغامراتهم العسكرية داخل سوريا، لكن الأنباء التي نقلتها مواقع كردية نقلا عن "مصادر خاصة"، والتي تتحدث عن وصول شحنة صواريخ مضادة للطائرات مقدمة من الولايات المتحدة الأمريكية لـ"الوحدات الكردية" في مدينة عفرين بريف حلب الشمالي خلال الأسبوع الفائت ضمن "اتفاق سري" بين الولايات المتحدة والوحدات الكردية خارج إطار التعاون بين التحالف الدولي وقسد، ويرسم لهذه الأخيرة حدود استعمالها وضد من، يجعل من إمكانية تحويل الأزمة إلى "فرصة" بالنسبة لتركيا "محكومة بالفشل"، فكل القرائن تشير إلى أن تركيا تتربع على القائمة الأمريكية للتقسيم إذا ما نجح مشروعها في سوريا ... تقسيم سيحمل الأكراد مبضعه مستندين إلى ما يقولون بأنها مظلومية تاريخية لم تتصدّ أي من الحكومات التركية المتعاقبة لحلها بما فيها حكومة اردوغان التي أكدت غير مرة أن لا وجود لقضية كردية في تركيا.