ارشيف من :آراء وتحليلات

هل تصطبغ بغداد بلون الدم مرة اخرى؟

هل تصطبغ بغداد بلون الدم مرة اخرى؟

في وقت مبكر من صبيحة يوم الاثنين، الخامس عشر من شهر كانون الثاني-يناير الجاري، وقع تفجيران انتحاريان في ساحة الطيران بمنطقة الباب الشرقي وسط العاصمة العراقية بغداد، ليسقط اكثر من ثلاثين شهيدا وما يناهز المائة جريح، جلهم -ان لم يكن كلهم- من المدنيين الابرياء، الذين كانوا يبحثون عن عمل، او من باعة الارصفة.
يأتي هذا العمل الارهابي المروع بعد شهور من الهدوء الامني الذي شهدته بغداد بفعل الهزائم والانكسارات العسكرية الكبيرة التي مُني بها تنظيم داعش الارهابي، وانتهت الى اعلان النصر النهائي والشامل عليه في التاسع من شهر كانون الاول-ديسمبر الماضي.
ولعل منظر بقع الدماء، والاشلاء الممزقة، والسيارات والمحال المحترقة، أعاد الى الاذهان مشاهد دموية مأساوية عانتها مناطق مختلفة من العاصمة العراقية بغداد، طيلة أعوام عديدة، وكانت منطقة الباب الشرقي، وتحديداً ساحة الطيران التي شهدت التفجيرات الارهابية الاخيرة، من المناطق التي تعرضت كثيرا لاستهداف الجماعات الإرهابية. ومَن كتب الله لهم النجاة من العمليات الارهابية السابقة، وكذلك العمل الاخير، يقولون ان الصورة تكررت، من حيث المكان والزمان والفئات المستهدفة، وكأن الارهابيين يريدون ان يؤكدوا لنا انهم ما زالوا موجودين رغم هزائهم العسكرية المذلة في الموصل والرمادي وتكريت وديالى وكركوك.
واذا توقفنا عند طبيعة المكان الذي وقع فيه التفجيران الارهابيان، نجد انه ساحة يتجمع فيها عمال البناء واصحاب الحرف المختلفة، واغلبهم قادمون من محافظات ومدن اخرى بحثا عن فرص العمل، وكذلك باعة الارصفة، واصحاب مطاعم شعبية ومحلات تجارية صغيرة. اما بالنسبة للتوقيت، فقد اختار الارهابيون فترة الذروة الصباحية التي تكون فيها ساحة الطيران تعج بالحركة في اقصى مستوياتها.
وقبل تفجير ساحة الطيران المزدوج، كانت ساحة عدن في منطقة الكاظمية، شمال غرب بغداد، قد شهدت تفجيرا ارهابيا بحزام ناسف اودى بحياة عدد من الاشخاص واصابة آخرين.
والقراءة الاولية لتلك المستجدات الامنية، تذهب الى ان المرحلة المقبلة يمكن ان تشهد مزيدا من  الاستهدافات الارهابية لاماكن تجمع المدنيين، ومؤسسات الدولة، ارتباطا بعاملين، الاول، سعي الارهابيين التعويض عن خساراتهم وهزائمهم العسكرية، بعمليات ارهابية نوعية تربك الشارع، وتعيد مظاهر القلق والخوف، وتبدد ثقة المواطن بالاجراءات الحكومية المتبعة، وبالتالي، فإن الارهابيين سيحاولون اعادة انتاج دورات عنف دموية جديدة، كما كان عليه الحال في فترات سابقة.
والعامل الثاني، يتمثل في انطلاق حراك سياسي محوره الانتخابات المقبلة، المزمع اجراؤها بعد اربعة شهور، اذا لم يصَر الى تأجيلها لسبب او لآخر.
وطبيعي ان الحراك السياسي-الانتخابي يشتمل على كثير من التشهير والتسقيط، بل وربما الدخول على خط اثارة واستثارة الشارع امنيا، وهذا ان لم تقم به الاطراف السياسية المتنافسة فيما بينها، فمن شبه المؤكد تلجأ اليه قوى خارجية بأدوات بعضها داخلي.
ومن المعروف، وعلى ضوء تجارب الاربعة عشر عاما الماضية، ان التأزيم والتصعيد السياسي غالبا ما يفضي الى اوضاع امنية مضطربة وقلقة، ويتيح للجماعات الارهابية تحقيق اختراقات كبيرة وخطيرة.
واذا كانت الاجواء الانتخابية هي الاكثر تأزيما وتصعيدا، فمن الطبيعي جدا ان نتوقع حصول ما هو سيئ، بل الاسوأ، لا سيما وان الشخصيات والمؤسسات والاجهزة الامنية المسؤولة، ليست بعيدة عن مجمل الحراك والتنافس والصراع الانتخابي، اما من خلال الترشح او الدعم السياسي او التمويل المالي، وهي بذلك تكون من ضمن اللاعبين في ماراتون الانتخابات.
ولعل هناك ترابط، وتأثر وتأثير بين  كلا العاملين، فالجماعات الارهابية ومن ينسجم ويلتقي معها في اجنداتها ومخططاتها، يمكن ان تستغل الاحتقانات والتشنجات السياسية، في خضم حمى التنافس الانتخابي، لالحاق الاذى بالمدنيين ومرافق الدولة ومؤسساتها المختلفة. في ذات الوقت، فإن بعض القوى السياسية، ستعمد الى استخدام التراجع الامني كورقة لتسقيط واضعاف خصومها ومنافسيها.
قد تبدو المخاوف والهواجس المطروحة مبررة ومقبولة، لكن من الخطأ التهويل منها وتضخيمها، لأن ذلك التهويل والتضخيم، ربما يدخل في اطار الاهداف المراد تحقيقها، وهو ما يستدعي من الحكومة والداعمين لجهدها، دراسة ومراجعة الخطط والاجراءات الامنية، والنأي بها قدر الامكان عن التنافس الانتخابي، والحرص على عدم التفريط بما تحقق من منجزات ومكاسب مهمة للغاية في الحرب ضد الارهاب الداعشي، فلو عادت مشاهد القتل الدموي في بغداد ومدن اخرى الى ما كانت عليه في السابق، فحينذاك يكون تنظيم داعش هو الذي انتصر علينا وليس العكس!.

2018-01-16