ارشيف من :آراء وتحليلات
انتخابات.. ’صنع في واشنطن’
أحمد فؤاد (صحافي مصري)
وسط غياب "غريب" لحديث الانتخابات عن الشارع المصري، الشارع الحقيقي، بعيدًا عن الفضائيات وأحاديثها، وحسابات ملّاكها، تخطو مصر متئدة متثاقلة إلى مشهد مظلم، نحو استحقاق رئاسي، كان يبدو قبل أيام محسومًا، لصالح الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي.
رغم إعلان الحقوقي خالد علي عن ترشحه منذ أسابيع، إلا أن المرشح، الذي يتعايش على ذكرى ثورة كانون الثاني/يناير 2011، حصل على أقل من 140 ألف صوت فقط، حين كانت الثورة في عنفوانها، الحدث الأبرز بالمشهد المصري، ولا يبدو صاحب حظ كبير بالسباق، خاصة مع مزاج المواطن المصري، المفضل دومًا لشخصيات معروفة، تستند لأركان القوة المعروفة، والتي لا يملكها المرشح.
الحصول على التمويلات الأجنبية هي أول سلاح مصوب إلى المحامي الحقوقي الشهير، الذي ينطلق في معارضته للسيسي من أجندة الثورات الملونة، التي نجحت مرة، لكنها لن تصلح لتحريك الشارع، بعد معاناة مذهلة شهدها المصريون، وتمنى بعضهم أن تعود سنوات مبارك، ليس بسبب الحنين لحكمه، لكن لأنه كان يحفظ الحد الأدنى من "الأمل في المستقبل"، وهو ما يغيب عن المصري الآن.
غياب حديث الانتخابات عن الشارع له ألف تبرير، منه ما يرتبط بشخص الرئيس الحالي، وتبديد رصيد الثقة الشعبية، الذي كان يحوزه يومًا ما، وانزلاق الاقتصاد المصري لهاوية لا قعر لها، بعد الاستعانة بصندوق النقد الدولي كمنقذ للأوضاع الصعبة، فأحالتها توصيات الصندوق وسياسات المسؤولين إلى جحيم.
الشعب، صاحب المصلحة الحقيقية والأولى في استمرار البلد كبلد، غابت عن قاموس يومياته الانتخابات، وما يرتبط بها من أسماء، ولم تجد أخبار اللجنة المشرفة على انتخابات الرئاسة من صدى سوى التندر، في شاهد على إيمان الناس أن السياق الحالي لمصر لن ينتج حلًا من أي نوع، وأن جذر الأزمة هو التبعية، وتسليم البلد لسماسرة الناهب الدولي.
وجاء الفريق سامي عنان، رئيس أركان الجيش الأسبق، كمرشح اقتحم الساحة، في مشهد هوليوودي، اعتاد على أدائه، منذ أن كان ضابطًا يخدم في محافظة الأقصر البعيدة، ووجد في حادث الدير البحري 1997، أشهر حادث إرهابي بتسعينات القرن الماضي، فرصة للقفز على مركب الشرطة التي ارتبكت وسط الطلقات والجثث، وظهر في فيديو شهير مع الرئيس الأسبق، الذي أشاد بشجاعته وسرعة تصرفه، ليترقى بسرعة إلى أن وصل لمنصب الرجل الثاني في الجيش.
واستمر "عنان" يؤدي بنجاح صورة المقتحم، عشية قيام ثورة 25 يناير، حيث عاد للقاهرة من زيارة إلى الولايات المتحدة، ليمسك مع المشير حسين طنطاوي بمقاليد البلد، ويجبرا –مع الانتفاضة الشعبية- مبارك على التنحي، ويتولى المجلس العسكري تسير أمور الدولة.
ورغم خروجه من الجيش على يد الرئيس المعزول "مرسي"، إلا أن "عنان"، ابتعد تمامًا عن المشهد المصري، ولم يضبط حاضرًا أي مناسبة مع الرئيس الحالي، في إشارة لاختلاف الرؤى والتوجهات، وربما خلافات شخصية، لم تظهر أبدًا على السطح، بين قائدين عسكريين سابقين.
"عنان" يعود للمشهد من بوابة البطولة، وباستراتيجية خطف الأضواء كلها، حدث هذا رغم أن الرئيس كان يقيم مؤتمرًا شبابيًا لإعلان ترشحه، حفل كالعادة بخروج عن النص، استتبعه موجات من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، من أرقام الرئيس التي لا تصدق أبدًا، سواء في حساباتها، أو في انعكاسها على الوضع الحقيقي.
"عنان" بقدر ما يمثل من ماء تدفق إلى البحيرة، من نفس النبع الأمريكي، يطرح تساؤلات، ولا يقدم أجوبة، فالرجل الثاني -سابقا-، هاجم في بيان إعلان ترشحه النظام الحالي، ووصل لإدانته في قضايا تيران وصنافير، والمسار الاقتصادي، وغياب الشفافية.
تحدث عنان، وصوب رصاصاته في مقتل، لكنه لم يقدم البديل، والغريب أن أحدًا لن يطلب منه ذلك، فالطبقة المتحكمة حاليًا في مفاصل الدولة المصرية، تتكون من أبناء كامب ديفيد المخلصين، لن يتحدث أحد منهم –ولو على سبيل المداراة- عن مخاصمة سياسات التعاون مع العدو الصهيوني، أو إبعاد صندوق النقد الدولي عن التدخل في الشأن المصري، أو استعادة دور القطاع العام، أو التفاعل مع قضايا المنطقة انطلاقًا من المصلحة المصرية.
ربما يكون "عنان" هو مرشح أحد الأجهزة السيادية، التي تتصارع فيما بينها، على خلفية فشل ذريع في إدارة شؤون الدولة، ميزت وصبغت حكم السيسي بسنواته كلها، ووضعت النظام ذاته في حالة صدام مع الشارع، وفتحت مرة أخرى الباب للحديث عن ثورة تكنس دولة السادات، التي قامت إثر انقلابه على سياسات جمال عبد الناصر، وهو ما يؤرق تلك الأجهزة تحديدًا، أن يفلت زمام الفعل، ويؤدي إلى مجهول.
الإحباط في صورته السوداء يسيطر على سماء المحروسة، لكن الوعي مفتاح الحل، وأول الطريق إلى ثورة حقيقية، تعتبر ما جرى، ويجري، إحدى حلقات الصراع بين وكلاء محليين لناهب دولي واحد، لا اختلاف بين الصور المتعددة لمضمون واحد.