ارشيف من :آراء وتحليلات
السعودية VS عائلات ضحايا 11 أيلول .. المعركة لم تُحسم بعد!
علي مراد
تتوالى منذ أيام احتفالات الصحافة السعودية المكتوبة والمرئية ومواقع التواصل الاجتماعي بما سُمّي بـ"انتصار سعودي" على عوائل ضحايا هجمات 11 أيلول/سبتمبر2001. يدّعي الإعلام السعودي بأن قاضي محكمة "مانهاتن" الفيدرالية جورج دانيالز رفض قبول دعوى قضائية رفعتها 800 عائلة من عوائل ضحايا هجمات أيلول وشركات التأمين ضد النظام السعودي على خلفية دعمه للمنفّذين، مستندين الى حقهم بالإدّعاء بناء على ما نصّ عليه قانون "جاستا" الذي أقرّه الكونغرس في أيلول عام 2016.
يحاول النظام السعودي منذ سنوات إسقاط كل المحاولات لإدانته بجرم تقديم دعم لمنفّذي هجمات 11 أيلول، فهو لم يوفّر طريقة أو أسلوبًا أو ضغطًا إلا وجرّبه لنفي التهم وحتى إسقاط القانون الذي يخوّل المتضررين مقاضاته في المحاكم الأمريكية، وهو منذ مدّة يحاول اتهام ايران أو قطر بدعم وإيواء قادة في تنظيم "القاعدة" قبيل وأثناء تنفيذ الهجمات ليفلت من المسؤولية.
حقيقة ما حصل يوم الخميس الماضي أن القاضي جورج دانيالز استمع الى إفادة المحامي شون كارتر، محامي 800 عائلة من عوائل ضحايا الهجمات الارهابية، الذي طالب بقبول الدعوى أمام المحكمة استنادًا الى أدلة بناها فريقه، تتعلّق بتقديم مسؤولين سعوديين دعمًا عبر منظمات خيرية لمنفّذي الهجمات. واستمع القاضي في المقابل لدفوعات المحامي مايكل كيلوغ ممثّل السفارة السعودية في واشنطن، الذي طالب القاضي برفض قبول الدعوى بحجة عدم توفّر الأدلة الكافية.
تتسلّح العائلات بمضمون الصفحات الـ 28 من تقرير تحقيقات الكونغرس حول الهجمات، الذي أُفرِج عنه في تموز 2017، حيث يتضمّن إشارة واضحة إلى أن بعض منفّذي الهجمات ساعدهم دبلوماسيون في القنصلية السعودية في "لوس أنجلوس" قبيل تنفيذ الهجمات بأشهر قليلة. ما حاول الإعلام السعودي تزييفه وتحويره في قرار القاضي دانيالز هو أنه لم يبتّ نهائيًا بقراره حول قبول الدعوى أو ردّها، لكن وسائل إعلام أمريكية نقلت عنه قوله إن "الادلة المقدّمة من قبل الإدعاء قد لا ترقى الى مستوى يخوّله بموجب القانون توجيه الاتهام بشكل رسمي للسعودية"، وقد نفت المتحدثة باسم عائلات الضحايا "تيري سترادا" أن يكون القاضي قد بتّ بشكل نهائي في مسألة قبول الدعوى أو رفضها ونقلت عن محامي الضحايا أن القاضي سيستمرّ في دراسة الملفّ ولن يصدر قراره النهائي قبل شهرين على الأقل.
المتابعون عن كثب لمحاولات النظام السعودي إسقاط تهمة الارتباط بمنفّذي الهجوم، يعرفون جيّدًا أنه يحاول منذ إقرار قانون جاستا الضغط على المشرّعين الأمريكيين وحتى على مواطنين أمريكيين لإسقاط القانون أو تعديله بحيث تفلت السعودية من المحاسبة.
بداية تشرين الثاني / نوفمبر الماضي أعلنت حاكمة ولاية "آيوا" الأمريكية "كيم رينولدز" 1 أن مكتبها طلب من "لجنة الأخلاقيات والحملات" التحقيق في ضلوع اثنين من الموظفين الحاليين للولاية بعمل سياسي لصالح السعودية خلال شغلهما مناصب حكومية هامة في الولاية، الأمر الذي يُحاسب عليه القانون.
وتتّهم حاكمة الولاية كلًّا من كوني شميت وزوجها كيم شميت بتلقي مبلغ 101500 دولار للعمل لصالح السعودية لإسقاط قانون جاستا. هذه الفضيحة لم تكن الأولى من نوعها خلال العام المنصرم، حيث ضجّ الإعلام الامريكي بتسرّب معلومات عن قيام جماعة الضغط Qorvis – وكيلة السعودية في نشاط اللوبي – بالإتيان بخمسين عسكريًا أمريكيًا متقاعدًا من مختلف الولايات الأمريكية الى العاصمة واشنطن، والإقامة بفندق ترامب الدولي لأيّام على نفقة الشركة (أنفقت الشركة حوالي 270 ألف دولار في الفندق 2)، لكي يقوم هؤلاء العسكريون بزيارة الكونغرس ولقاء أعضائه والتحدث اليهم عن قانون جاستا وضرورة "تعديله لأنه يؤثّر على أمن وسلامة الجنود الأمريكيين في العام".
هذه الفضيحة (3) اعتُبرت مزدوجة لكلّ من السعوديين – الذين استغلّوا العسكريين المتقاعدين - ودونالد ترامب، الذي تتّهمه منظمات معنيّة بمراقبة أداء الإدارة الامريكية أنه حصل على منافع شخصية من السعوديين عبر استضافة العسكريين في فندقه أثناء نشاط الضغط على أعضاء الكونغرس بخصوص "جاستا".
وفي حزيران الماضي ادّعى مدعي عام مقاطعة "ماريلند" على ترامب 4 بتهمة استغلال المنصب للانتفاع الشخصي على خلفية هذه الواقعة.
اللافت في سجلات جماعات الضغط التي تتعامل معها السعودية – وبعضها متفرّغ للضغط لتعديل "جاستا"– هو أن هذا النشاط تقريبًا توقف منذ أيار الماضي موعد زيارة ترامب الى الرياض. الكثير من وسائل الاعلام الامريكية كانت قد تداولت معلومات عن تمكّن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وشقيقه خالد (الذي عُيّن في نيسان الماضي سفيرًا في واشنطن) من بناء علاقة شخصية واتصال مباشر بينهما وبين ترامب عبر صهره جاريد كوشنر 5.
الفكرة الأساسية هي أن قانون "جاستا" يجب أن يُعدّل في الكونغرس لكي يصادق عليه ترامب، ومع وجود كونغرس فيه أغلبية جمهورية، يمكن الحديث عن اتفاق بين الرئيس الأمريكي والجمهوريين في غرفتي الكونغرس على إقرار تعديل القانون في المرحلة المقبلة، ولا يمكن تفسير غياب الضغط السعودي حول جاستا بناءً على ما يرد في البيانات المتاحة إلّا وفق هذا التحليل. يذكر أن عضوي مجلس الشيوخ الجمهوريين "جون ماكين" و"ليندسي غراهام" كانا قد بدآ حملة بعد إقرار القانون أواخر عام 2016 لدعوة زملائهم في الكونغرس لتعديل "جاستا" بحجة تأثير القانون على سلامة المواطنين والعسكريين الأمريكيين في دول العالم.
حتى لو سلّمنا جدلًا بأن هناك اتفاقًا بين ولي العهد السعودي ودونالد ترامب لتعديل قانون "جاستا"، لا يمكن التنبؤ بمدى التزام الجمهوريين وترامب نفسه بتطبيق هذا الاتفاق. الثابت الأكيد أن الرئيس الأمريكي يسعى للاستفادة من الثروة السعودية لأكبر قدر ممكن، وهو لن يتوانى عن استغلال أيّ باب لتدفيع النظام السعودي أثمانًا مالية تساهم في تحسين اقتصاده والاستثمارات الأجنبية في بلده، فهو الذي يواظب على التغريد بطريقة منتظمة على حسابه في "تويتر" عن الانجازات الاقتصادية والمالية وزيادة الوظائف التي تحققها إدارته منذ تسلّمه الحكم العام الماضي.
1- Iowa Governor Seeks Review of Officials Who Worked for Saudis
https://28pages.org/2017/11/08/iowa-governor-seeks-review-of-officials-who-
worked-for-saudis/#more-8892
2- فاتورة المصروفات المالية بين تشرين الاول 2016 و آذار 2017 لجماعة الضغط "كورفيس" وكيلة السعودية الاساسية في نشاط اللوبي