ارشيف من :آراء وتحليلات

الكويت والسعودية نحو الطلاق

الكويت والسعودية نحو الطلاق

لطيفة الحسيني

تجاوزت الأزمة الخليجية حدود الخلافات الظرفية. السياسات السعودية منذ نشوبها قبل أكثر من ٧ أشهر أوصلت الأمور الى  حائطٍ مسدود على غير صعيد. لغة الهيمنة التي حكمت تهوّر المملكة طيلة هذه الأشهر أفرزت واقعًا جديدًا وتحالفاتٍ يبدو أنها ستدوم طويلًا.
 
بعد خروج قطر من العباءة السعودية والإماراتية، يبدو أننا أمام سيناريو قد يتكرّر أيضًا مع الكويت. أكثر من معطى يتكوّن ليوصل إلى نتيجة قد لا تتأخّر لتتجلّى. المراقبون لسير العلاقة السعودية الكويتية منذ ما قبل الأزمة الوليدة بين تحالف الرياض أبو ظبي المنامة ضدّ الدوحة يتوقّعون انقشاعًا للحرب المستترة التي تقودها المملكة بوجه الإمارة الخليجية.

غارة تركي آل شيخ

تُعتبر التغريدة الهجومية لرئيس الهيئة العامة للرياضة في السعودية تركي آل الشيخ، أحد أزلام وليّ العهد محمد بن سلمان، ضدّ وزير الرياضة الكويتي خالد الروضان وما استتبعها من استياء عبّرت عنه الإمارة بوضوح عبر استدعاء سفير المملكة لديها عبد
العزيز الفايز، إحدى المؤشرات على النيّة "السلمانية" في النيل من جارتها. أكثر من سبب يقف وراء ذلك، لكنّ الترجيح الأقوى يرتبط بمفاعيل الأزمة الخليجية. الكويت رفضت الإذعان للرياض، وأصرّت على اتخاذ دور وسطيّ بين دول الخليج دون الالتحاق بالمعسكر السعودي الإماراتي البحريني بوجه قطر. حاولت رأب الصدع بين الدول المتصارعة كثيرًا خلال الفترة الماضية، وحتى قُبيل قمة مجلس التعاون التي استضافتها في شهر كانون الأول/ديسمبر 2017. صحيحٌ أن جهودها لم تُثمر مصالحات، إلّا أن تمسّكها بلعب دور "الإطفائي" أفشل محاولات المملكة، التي تعمّدت خفض مستوى تمثيلها في القمة المذكورة، في استقطاب الكويت ووضعها تحت جناحها.

أداء سياسي لا ترضى عنه المملكة السلمانية

النشاط الكويتي خلال الأشهر الماضية على الصعيد الخليجي وصولًا الى رحلات أمير البلاد بين العواصم وزيارته البيت الأبيض وتواصله مع قطر وتعزيز التعاون العسكري معها بات يُزعج المملكة. أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح زار الرياض في تشرين الأول/أكتوبر 2017 والتقى الملك سلمان، لكن وليّ العهد غاب حينها عن الاجتماع على الرغم من أن عددًا كبيرًا من الأُمراء والوزراء ورجال الدولة كانوا حاضرين.

مصادر إعلامية مقرّبة من القصر الملكي أشاعت وقتها في الصحف أجواء امتعاض من أداء الصباح، قائلةً إن القيادة السعودية لم تكن مرتاحةً للسلوك الكويتي في الأزمة الخليجيّة والدّور الحِيادي الذي اتّسم به، وكانت تُفضّل موقفًا كويتيًا أكثر انحيازًا للدّول الأربع المقاطعة لقطر.
وقد عَبّر عن هذا الموقف أكثر من كاتبٍ سعودي، أبرزهم عبد الرحمن الراشد، الذي أعاد تذكير السلطات الكويتيّة بالدّور السعودي في الوقوف إلى جانبها أثناء أزمة احتلالها من قبل القوّات العراقيّة عام 1990، وقال ما معناه إنه لولا الدّور السعودي لما تحرّرت الكويت. هذا المقال الذي نُشر في صحيفة "الشرق الأوسط" أثار الكثير من الجدل والانتقاد في الصحافة الكويتيّة وبين المُغرّدين الكويتيين.

توالت المواقف السعودية من عدم رضوخ الكويت لسياسة المملكة، قد تكون مقالتا رئيس تحرير صحيفة "عكاظ" جميل الذيابي خير معبّرٍ عن ذلك. الذيابي نشر مقالة في 11 تشرين الثاني/أكتوبر بعنوان "هل انحازت الكويت للدوحة، ثمّ نشر مقالًا آخر في  21  كانون الثاني/يناير الجاري بعنوان "خيبة الدوحة.. ووساطة الكويت!". يتحدّث في إحداها عن أن عدم الوضوح الكويتي إزاء هذه القضايا سيثير صعوبات وتعقيدات لا شك أن جميع الدول الخليجية في غنى عنها، ثمّ يقول في الأُخرى "لماذا هذا الصمت وعدم رفع الصوت بإدانة السلوكيات والمخططات القطرية؟ ماذا لو مارست تلك الدول الحياد عندما غزا صدام حسين الكويت، وانتظرت عن إبداء مواقفها بحجة (الحياد) في قضية عادلة؟". بوقٌ إعلاميّ أشار بشكل لا لُبس فيه الى ما قد يؤجّل النظام قوله ويُضمره.

نزاع نفطي

تاريخ العلاقات السعودية الكويتية يشهد على خلافات نشبت قبل أعوام لكن مفاعليها مستمرّة الى الآن. حقل الخفجي الذي يقع في المنطقة المحايدة بين السعودية والكويت يُعدّ أبرز محاور تلك النزاعات وهو بانَ الى العلن عام 2009، على خلفية تجديد السعودية العقد مع شركة "شيفرون تكساكو"، لثلاثين عامًا دون التنسيق مع الجانب الكويتي، وذلك بعد انتهاء العقد الموقع في عام 1959 واستمرّ طيلة السنوات الخمسين الماضية.

وسبب الأزمة أن الجانب الكويتي يعتبر أن تجديد العقد مع شركة "شيفرون" دون العودة إليه، يقتضي أن تصدّر السعودية النفط عن طريق عمليات الخفجي، وليس من ميناء الزور القائم على الأراضي الكويتية؛ لأن الكويت ليست طرفًا في الاتفاقيّة مع "شيفرون". إلّا أنه في أوائل أكتوبر/تشرين الأول 2014، قررت السلطات السعودية إغلاق حقل الخفجي البحري متذرّعة بأسباب بيئية، وهو ما دفع نقابات نفطية كويتية الى المطالبة بتدخّل عاجل وفوريّ من قبل مجلس الوزراء الكويتي والمجلس الأعلى للبترول آنذاك، لحلّ الأزمة التي عادت بخسائر ضخمة للطرف الكويتي.

كذلك طلبت الكويت عام 2015 اللجوء إلى تحكيم دولي للتوصل إلى حل النزاع بشأن حقول النفط والغاز المشتركة مع السعودية،ومن بينها الوفرة والخفجي والدرة، بعدما وصلت المحادثات بينهما إلى طريق مسدود.

ملفّ مزدوجي الجنسية يدخل في صلب النزاع الكويتي السعودي أيضًا. يبلغ عدد هؤلاء أكثر من 90 ألفًا، والطرفان يعملان على تخييرهم  وحملهم على التنازل عن إحدى الجنسيتين خوفًا من انعكاس أمني لهذه الظاهرة على ساحتي البلدين. وحتى الآن، لم يتوصّل الجانبان الى مخرج لهذه الأزمة.

البرودة في العلاقات بين الكويت والسعودية بدأت تتحوّل الى سخونة. يتحدّث المراقبون عن إمكانية انفجار الأزمة المستجدّة، لكن الكويت هذه المرّة لن تنتظر مُباغتتها. الأزمة مع قطر أعطتها درسًا لما يمكن أن تُقدم عليه السعودية تجاه جيرانها. لم تعد الأخوّة التي تتغنّى بها المملكة تحكم علاقاتها مع "أشقائها" الخليجيين، فنهج الإملاءات والوصايات فقط هو الذي يروق أن تتبّعه مع أيّة دولة قد تتمرّد عليها.

2018-01-26