ارشيف من :آراء وتحليلات

أفريقيا ساحة منتظرة للمواجهات السياسية والعسكرية

أفريقيا ساحة منتظرة للمواجهات السياسية والعسكرية

ايهاب شوقي (كاتب عربي من مصر)
كانت افريقيا ولا تزال بؤرة مشتعلة للصراع الدولي بحكم أمرين غاية في الأهمية:
اولا: موقعها الاستراتيجي ودخولها كنطاق جيواستراتيجي بالغ الاهمية في الصراع الدولي على اوراسيا، وانضمام اجزاء منها تحديدا "القرن الافريقي" الى "قوس الازمات " الشهير في تعريفات بريجنسكي، وتأثيرات التفاعلات في باقي اجزاء القارة على هذا القوس.
ثانيا:  الصراع على الموارد والثروات والاهم حاليا في الصراع الدولي هو الصراع على موارد الطاقة، والتي تحتل افريقيا بها رقما لا يستهان به، فبحسب اللجنة الإفريقية للطاقة فإنّ 11% من الإنتاج العالمي عام 2005م موجود في القارة الإفريقية، كما أنّ احتياطي القارة من النفط الخام، بحسب تقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، قدّر بـ 80 مليار برميل، أي ما نسبته 8% من مجمل الاحتياطي العالمي الخام، ويتمركز النفط في إفريقيا بشكل أساسي في منطقتي غرب إفريقيا ومنطقة البحيرات العظمى، بالإضافة إلى شمال إفريقيا.
وبالتالي فإن الاشراف على المضائق الاستراتيجية كما في القرن الافريقي وثروات منطقة الساحل والصحراء وما فيها من صراعات، يجعل كامل القارة تقريبا بؤرة للاهتمام متنوعة الاسباب ومتفقة الأهمية.

 

أفريقيا ساحة منتظرة للمواجهات السياسية والعسكرية
الحرب في الصومال


ويتجلى الاهتمام بشكل لافت مؤخرا في حدثين موحيين يمكننا الخروج بشكل عام  من متابعتهما بنتيجة مطمئنة مفادها اهمية هذه القضايا واحتلالها اهمية دولية عاجلة:
الاول هو مؤتمر دافوس، وما حواه من مناقشات مكثفة حول افريقيا.
والثاني هو تركيز مؤسسة بروكنجز الامريكية على قضايا القارة والمتابع لمخرجاتها يلحظ اهتماما زائدا ومكثفا.

وبالطبع فإن شعارات كثيرة ترفع كحق يراد به باطل وان كانت في عالم السياسة تداخلات كثيرة بين الحق والباطل.
فشعارات كالحرب على الارهاب والتنمية، ترفع كمدخل للتدخل والنهب الاستعماري من جهة، والحصول على موطئ قدم عسكري استراتيجي متقدم من جهة اخرى، الا انها لا تخلو من حتمية تحجيم النفوذ والامتداد الارهابي بحيث لا يخرج عن الدور المرسوم له بعناية امريكية، وكذلك لان الاستقرار حول منابع الطاقة مهم للبدء في استغلالها.
ويمكننا القول ان الصراعات يتم تأجيجها وتهدئتها وفقا للحاجة ووفقا لطبيعة المرحلة.
والمرحلة الراهنة وبشكل عام هي مرحلة حاسمة في الصراع الدولي، ويمكننا ان نرصد بعض ملامحها مشفوعا ببعض الأمثلة:
اولا: المتأمل للمناطق المتوترة والتي تشهد تداخلا دوليا يرى هناك ملمحا سياسيا ضاغطا من نوع "الدبلوماسية القسرية"، وهو مصطلح جاء على لسان "اش كارتر" وزير الدفاع الامريكي الأسبق، وهو يعبر عن سياسة حادة قائمة على الردع وابرز فنياتها هو منطق "العصا والجزرة".
ومن امثلة ذلك القضايا الدولية العالقة مثل الملف النووي والقضية الفلسطينية والمساومات السياسية في اسيا الوسطى وقضايا الكوريتين.
ثانيا: يرى المتأمل نقاطا تشكل خطوطا حمراء لا تتحمل الدبلوماسية، وهو ما يؤدي الى تدخل عسكري.
ومن ضمن امثلة ذلك، المناطق الكردية في سوريا والعراق، والعدوان على اليمن الذي شهد تداخلا عسكريا داخل ذات المعسكر بعد ان وصلت التفاهمات الاماراتية ـ السعودية في الجنوب لطريق سياسي مسدود، كان نتاجه الاشتباكات بالوكالة بين مرتزقة الدولتين المعتديتين.
وهذا ما حدث بشكل او بآخر في اوكرانيا، وقد وصل الضغط الامريكي على الروس لخط احمر، استدعى تدخلاً روسياً بضم القرم.
ايضا وبالعودة الى الصراع في افريقيا، فان التنافس الامريكي ـ الصيني على اشده، ولكنه يأخذ شكلا سياسيا واقتصاديا، وتحاول المنتديات الدولية صناعة قناع تنموي للنفوذ هناك، ويعمل الملمح الاول المتمثل في الدبلوماسية القسرية عمله في محيط النقاط الحساسة.
ولكن وفي النقاط الحساسة استراتيجيا، نجد الملمح الثاني والمتمثل في قواعد عسكرية، فقد وجدنا ان القاعدة الامريكية الوحيدة المعلنة في افريقيا تقع في جيبوتي، وكذلك فوجئنا بأن اول قاعدة عسكرية صينية يتم انشاؤها في الخارج تقع ايضا في جيبوتي!
اذاً هناك مناطق لا يوجد بها هزل وتشكل خطوطا حمراء تسقط معها كل المحاذير وتبذل من اجلها المغامرات.
وما نود قوله باختصار هنا هو ان الصراع على اوراسيا وصل الى اشده بطريق الحرير الجديد، والسعي الامريكي الكامن وراء خططها وتحركاتها هو قطع هذا الطريق، وهي تتبع مسارا قائما على التوترات والحروب لقطع مساره، وعلى دبلوماسية قسرية في محيط هذا المسار.
سوريا على هذا المسار كمدخل لاوروبا، وكذلك باب المندب على هذا المسار كطريق للسويس ثم لاوروبا.

أفريقيا ساحة منتظرة للمواجهات السياسية والعسكرية
الحدود العراقية - السورية

وقطع الشرق السوري والتواصل الايراني ـ العراقي ـ السوري هدف مزدوج لقطع طريق الحرير ولأمن اسرائيل، والسيطرة على باب المندب امر حيوي، وهو يفسر لماذا الامريكيون والاسرائيليون موجودون في غرف عمليات العدوان على اليمن.
ان هناك صراعا قادما على الصومال للسيطرة على جمهوريتي "ارض الصومال" و"بونتلاند" الساحليتين وغير المعترف بهما، وما نراه من اهتمام مبالغ به بالصومال ومؤتمرات دولية خاصة به، هو من نوع دبلوماسية محيط  نقطة التوتر "القسرية"، وفي الجهة المقابلة من باب المندب، فان الصراع على الجنوب اليمني وصل الى اشده، وسط تقارير غربية عن افكار لاعلان محافظة ساحلية، وهو ما نراه موازيا لجمهوريات الصومال الانفصالية غير المعترف بها دوليا، وهذه المحافظة وولاءاتها للوكلاء ربما هي ما تفجر صراع المرتزقة، بينما هي ذاهبة للمصلحة الامريكية التي يعمل لديها الوكلاء والاخوة الاعداء!
ان ابرز مقاومة للخطط الامريكية هو الحيلولة دون قطع الطرق باعتبار طريق الحرير ليس مصلحة صينية ـ روسية فقط، ولكنه مصلحة لكل الدول المار بها، وكذلك العمل على تثبيت التواصل الايراني ـ العراقي ـ السوري، وهو طريق مقاوم لمشروع "اسرائيل الكبرى".
 لا بد وان تلتفت القوى السياسية وكل الأحرار الى أهمية العمل في القارة الافريقية وفي محيط التوترات وعدم ترك الساحة خالية للامريكيين ووكلائهم المنفذين لخطط امريكية بشكل غير مباشر.
والأهم، هو بيان طبيعة الصراع وأهدافه للجماهير لان ذلك سيزيل الكثير من الالتباسات والفتن التي تشكل أقنعة لأصل الصراع، وهو ما يؤدي الى خطوات هامة للوحدة الداخلية في الاقطار وفي الامة لتفادي المزيد من الانهيارات.

2018-01-30