ارشيف من :أخبار لبنانية
أزمة كلام باسيل مستمرة بالتصاعد.. ولا مبادرات للتسوية
غلبت على أخبار الصحف الصادرة صباح اليوم في بيروت الأزمة السياسية الناتجة عن الكلام المسرّب للوزير جبران باسيل بحق رئيس مجلس النواب نبيه بري، والتداعيات التي لحقت بهذه الاساءة، في ظل غياب أي مادرة واضحة لحل الأزمة، خلا الدعوة التي وجهها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون للتسامح بين الجميع.
"الأخبار": البلد الى شلل حكومي ونيابي
رأت صحيفة "الأخبار" أن اللبنانيين يحبسون أنفاسهم في انتظار ما ستؤول إليه المعركة المفتوحة بين الرئيس نبيه برّي والوزير جبران باسيل. الأفق مغلق، وكل الأجواء تؤّكد أن البلاد تتجه نحو مرحلة شلل نيابي وحكومي، تضعها على حافة منزلق طائفي وسياسي خطير.
دخَل لبنان أسوأ أزماته منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً. أزمة اختلطت فيها الاعتبارات السياسية والشخصية والانتخابية، وتهدّد بشلّ البلد على كل المستويات، في غياب أي بوادر وساطة. والأخطر أن الاحتقان يكاد يهدّد بهزّ التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله الذي غالباً ما يُعوّل على وساطته في مثل هذه الظروف.
فقد علمت «الأخبار» أن وقوف الحزب، في بيانه أول من أمس، إلى جانب الرئيس نبيه برّي في الحرب المندلعة بينه وبين وزير الخارجية جبران باسيل، أثارت أجواء امتعاض داخل قيادة التيار. ورغم تأكيد قناة «أو تي في» البرتقالية، التي شنّت هجوماً نارياً على بري في نشرتها المسائية أمس، «أننا سنظل مع المقاومة، ومع جماعة المقاومة، ومع بيئة المقاومة، وسنظل نرى في تفاهم مار مخايل حمايةً للبنان بوجه العدو الصهيوني والداعشي»، نفت مصادر بارزة في التيار الوطني الحر وجود أي اتصالات مع حزب الله. أكثر من ذلك، قالت المصادر نفسها: «هم (الحزب) حدّدوا خياراتهم، وبالتالي لا داعي للاتصالات». وسألت: «هل هناك من يريد أن يحقّق للسعودية ما لم تحقّقه باحتجاز رئيس الحكومة». وأضافت: «أعرب جبران باسيل عن الأسف، وأصدر رئيس الجمهورية ميشال عون بياناً أمس. فما الذي يريدونه بعد؟ بالنسبة الينا الموضوع انتهى».
وعلمت «الأخبار» أن باسيل مصرّ على التوجّه إلى أبيدجان للمشاركة في مؤتمر الطاقة الاغترابية الذي تنظمه وزارة الخارجية والمغتربين في الثاني والثالث من شباط المقبل، وأن طلباً قُدّم الى السلطات العاجية لتشديد الإجراءات حول مكان انعقاده.
بيان رئيس الجمهورية الذي ارتكز على مبدأ التسامح والموازنة بين خطأين لم يأتِ على مستوى تطلّعات الرئيس برّي و«حركته». فوصف عون ما حصل بأنه «أساء إلى الجميع، وبأن ما حصل على الأرض خطأ كبير بُني على خطأ»، بحسب دوائر عين التينة، «ليسَ إلا مساواة المعتدي بالمُعتدى عليه». كذلك فإن «مُحاولة الرئيس أخذ المسألة على عاتقه، يعني أنه مصرّ على التعاطي وكأن شيئاً لم يكُن، ويبرّر لباسيل عدم اعتذاره».
وكان رئيس الجمهورية قد دعا في أول موقف له من الأزمة الحالية إلى أن «يتسامح الذين أساؤوا إلى بعضهم البعض، لأنّ الوطن أكبر من الجميع، وأكبر من الخلافات السياسية التي لا يجوز أن تجنَح إلى الاعتبارات الشخصية، لا سيّما أنّ التسامح يكون دائماً بعد إساءة». بيان الرئاسة تلاه آخر لتكتّل التغيير والإصلاح، بعد اجتماع استثنائي له في مركزية التيار الوطني الحر في سنتر ميرنا الشالوحي برئاسة باسيل. وقد جاء هذا البيان مُكمّلاً لما قاله عون، إذ ساوى بين «كرامات اللبنانيين»، واعتبر أن «شعار المسامحة هو الأمر الأفضل».
في المقابل، قال برّي أمام زواره أمس، لدى سؤاله عن رأيه في بياني رئاسة الجمهورية والتكتّل: «لا تعليق». ورأى أن «هناك من لم يُغادر مرحلة ما قبل اتفاق الطائف، إذ يُراد نسف الطائف والدستور وخلق أعراف وقواعد جديدة». وأضاف: «لا يتوقعنّ أحد مني، أنا نبيه بري، أن أقبل بتثبيت مثل هذه الأعراف والقواعد المخالفة للطائف والدستور. مشكلتهم أنهم لا يعرفونني جيداً ولم يقرأوني جيداً أيضاً». وجدد مطالبته بالاعتذار من كل اللبنانيين.
"البناء": التصعيد سيد الموقف والأزمة مفتوحة
من جهتها أشارت "البناء" إلى أن محاولة رئيس الجمهورية لملمة ذيول الأحداث التي أعقبت كلام وزير الخارجية جبران باسيل بحق رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لم تنجح، وجاء بيانه عن مسامحة الذين أساؤوا إليه ومطالبته الآخرين بمسامحة بعضهم، سقفاً لبيان صدر عن تكتل التغيير والإصلاح يضع فوضى الشارع الغاضب الذي لا يمانع أحد بإدانة ما قام به من شغب وغضب، أو إحالة أيّ مرتكبين منه للقضاء المختصّ، في كفة موازية للكلام المباشر الصادر عن رئيس التيار الوطني الحر، وزير الخارجية، بحق رئيس المجلس النيابي، ليرسم معادلة قوامها أنّ الأمر انتهى هنا، معتبراً أسف رئيس التيار كافياً وبديلاً لكلّ مطالبة بالاعتذار.
لم يُنهِ بيان التكتل الأزمة ويسحب فتيل التصعيد، الذي بقي مفتوحاً في الشارع، فيما بدا أن لا وساطات في الأفق يمكن أن تبشّر بإنهاء هذا التوتر الآخذ في التصاعد، وأنّ التطمينات عن إجراء الانتخابات وعدم تأثرها بما يجري، مهما كانت صادقة فهي تبقى غير كافية وغير مطمئنة أمام ما يجري وما قد يجري ما لم تحدث خطوة دراماتيكية تستدرك الأخطار وتسحب الفتائل.
يبدو أن المشهد الداخلي يتجه نحو مزيدٍ من التصعيد الذي بقي سيد الموقف لليوم الثاني على التوالي مع غياب المبادرات الجدية للحلّ وتصلّب المواقف واستمرار الحملات الإعلامية والسياسية وتبادل رسائل الاتهامات والتهديدات بين حركة أمل والتيار الوطني الحر، رغم المواقف الصادرة من بعبدا وعين التينة التي اتسمت بالتهدئة، لكن الأزمة مستمرة ومفتوحة على الاحتمالات كافة، بحسب مصادر مطلعة، وقد تحكم سياق المحطات والاستحقاقات المقبلة ومنها الانتخابات النيابية التي يبدو أنها المستهدف الأول مما يجري الأمر الذي يثير التساؤل عما إذا كان تسريب الفيديو مقصوداً في إطار مخطط خارجي بالتعاون مع بعض الجهات المحلية للإطاحة بالانتخابات؟
وفي حين جاء بيان تكتل التغيير والإصلاح دون السقف المتوقع والمطلوب لتطويق ذيول الأزمة وتقديم اعتذار للبنانيين، كما طالبت عين التينة، اكتفى البيان بالأسف الذي عبّر عنه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عشية تسريب الفيديو والاستجابة لتوجيه رئيس الجمهورية بالمسامحة مع المعتدين على مركزية «التيار» في ميرنا الشالوحي. واعتبر «التكتل» بعد اجتماعه برئاسة باسيل في بيان تلاه النائب إبراهيم كنعان أن «الكرامات متساوية وأن اللبنانيين متساوون بحقوقهم وواجباتهم وأن يكون هناك احترام لحرمة المواقع والأملاك العامة والخاصة، وان الدولة هي التي تحمي الجميع وتعطي الجميع حقوقهم بالوسائل الديموقراطية والقانونية والقضائية». وأكد كنعان أن «التكتل يعاهد اللبنانيين الاستمرار بمشروع بناء الدولة والإنجاز، وأي إرادة لتعطيل هذه المسيرة لن يكتب لها النجاح، لأنها ستواجه بتصميم أكبر من قبلنا ومن قبل قواعدنا واللبنانيين».
غير أن «سقف البيان أيضاً لم يهدّئ من غضب جمهور حركة أمل الذي عاد الى الشارع مساء أمس وقطع عدداً من الطرقات في الجنوب والعاصمة والبقاع، فيما أصابت شرارة الخلاف المجلس النيابي، فتعطّلت جلسة اللجان النيابية المشتركة لعدم اكتمال النصاب أعقبتها مواقف عالية السقف لنواب كتلة التنمية والتحرير. فقد اعتبر النائب انور الخليل أن «مواقف باسيل تعرقل وتهدّد الاستقرار والسلم الأهلي، والأمر لا يستقيم بالاعتذار بل بمراجعة منهجية لشخصية لا مكان لها في زمن السلم، داعياً باسيل إلى الاستقالة». أما النائب علي بزي فقال «ربما تكون لباسيل مصلحة بتأجيل الانتخابات وهو يريد تطييرها، لأنه رأى أن حسابات الحقل لا تتطابق مع حسابات البيدر، وحتى اعتذاره لا يكفي». واستبعدت مصادر 8 آذار لـ «البناء» لجوء حركة أمل الى خطوات تنفيذية كالاستقالة من الحكومة، لكنها أكدت أننا دخلنا في شلل المؤسسات لا سيما مجلس الوزراء الذي لن ينعقد هذا الأسبوع بسبب سفر رئيس الحكومة الى تركيا.
"الجمهورية": الأزمة تحتاج إلى مبادرة حَكَم
وبحسب "الجمهورية" فقد بدا من المواقف وردّات الفعل على ما جرى ويجري أنّ الأزمة بين بعبدا وعين التينة وتالياً بين التيار الوطني الحر وحركة «أمل» ما تزال على غاربها إلى درجةٍ ذهبَ معها البعض إلى القول: «إشتدّي يا أزمة.. وانفجِري»، بدلاً من أن يكون اشتدادها إيذاناً بانفراجها، بدليل أنّ الشارع عاد إلى التحرّك رغم «الدعوات إلى التسامح»، ما دفعَ المراقبين إلى الحديث عن حاجة الوضع إلى مبادرة حَكَم تدفع الجميعَ إلى الهدوء ومعالجةِ ما حصَل لأنه يهدّد البلاد بأزمةٍ مستطيرة في حال استفحالها. وقالت مصادر واسعة الاطّلاع لـ»الجمهورية»: «ليس المطلوب من القوى السياسية على اختلافها التضامن مع هذا الفريق أو ذاك، وإنّما المبادرة إلى الجمع بين المختلفين لحلّ الأزمة وتجنيبِ البلاد الفتنة».
سعى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد صمتٍ ليومين إلى تطويق ذيول ما جرى من موقعِه «الأبوي»، فاعتبَر «أنّ ما حدث البارحة على الصعيدين السياسي والأمني، أساء إلى الجميع وأدّى إلى تدنّي الخطاب السياسي إلى ما لا يليق باللبنانيين».
وقال: «إنّ ما حصَل على الأرض خطأ كبير بُنيَ على خطأ». وقال: «مِن موقعي الدستوري والأبوي أسامح جميعَ الذين تعرّضوا لي ولعائلتي، وأتطلّع إلى أن يتسامح أيضاً الذين أساؤوا إلى بعضهم البعض، لأنّ الوطن أكبر من الجميع، وهو أكبر خصوصاً مِن الخلافات السياسية التي لا يجوز أن تجنحَ إلى الاعتبارات الشخصية، ولا سيّما أنّ التسامح يكون دائماً بعد إساءة».
ودعا القيادات السياسية إلى «الارتقاء إلى مستوى المسؤولية لمواجهة التحدّيات الكثيرة التي تحوط بنا، وأهمّها المحافظة على الاستقرار والأمن والوحدة الوطنية، وعدم التفريط بما تحقّقَ من إنجازات على مستوى الوطن خلال السنة الماضية، والتي كانت من الأسباب المباشرة للرعاية الدولية التي يلقاها لبنان في المؤتمرات المرتقَبة لدعمِ أمنِه واستقراره واقتصاده ومساعدتِه على حلّ معاناة النازحين السوريّين فيه».
وقالت مصادر واسعة الاطّلاع لـ«الجمهورية» في معرض تفسيرها لهذا البيان الرئاسي إنّ عون الذي أمضى يومين يراقب التطوّرات التي تلت نشرَ الفيديو الذي تضمّن كلامَ الوزير جبران باسيل المسيء لبرّي، «شاء أن يطلقَ ما يُشبه النداء لاستيعاب الأحداث وامتصاصِ ردّات الفعل ومنعِ تفاقمِها ووقفِ أجواء الشحن والفوضى التي شهدها بعض المناطق».
وأضافت: «ما قصَده رئيس الجمهورية هو وضعُ حدّ لكلّ ما يجري في الشارع في أسرع وقت ممكن، لإفساح المجال أمام المعالجات الهادئة عبر الأطر المؤسساتية والدستورية».