ارشيف من :أخبار لبنانية
تهديد إسرائيلي للبنان
"قنص" إسرائيلي على الأزمة... أي رد؟
ما كان ينقص لبنان في واقعه الداخلي المأزوم جاءه من البوابة الاسرائيلية، فهل تمضي المواجهة السياسية والاعلامية والمتمددة الى الشارع من دون تهيب للتهديدات الاسرائيلية؟
قد يكون أخطر ما في هذه التهديدات انها كشفت مسارعة اسرائيل الى استغلال فرصتين لاقتحام الازمة الداخلية ومحاولة "القنص" عليها من خلالهما، وهما احتدام غير مسبوق لازمة داخلية في عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بحجم يكاد يهدد بتعطيل كل المؤسسات، واقتراب اعلان الدولة اللبنانية توقيع العقود مع تحالف الشركات النفطية العالمية الذي حصل على رخصتي استكشاف وانتاج النفط في الرقعتين 4 و9 من المياه البحرية اللبنانية. وفي هذا التوقيت المزدوج البالغ الدقة والخطورة، خرج وزير الدفاع الاسرائيلي اليميني المتشدد أفيغدور ليبرمان ليصف منح لبنان عطاءات للتنقيب في الحقل رقم 9 الواقع على الحدود البحرية بين لبنان والاراضي الاسرائيلية بأنه أمر "استفزاي جداً". وحض الشركات العالمية على عدم تقديم عروضها مدعياً ان "البلوك رقم 9 ملك لإسرائيل بكل المقاييس وليس للبنان"، الامر الذي اثار استنفاراً رسمياً ترجمته سلسلة مواقف متعاقبة لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الوزراء سعد الحريري ووزيري الخارجية والدفاع ومن ثم لـ"حزب الله".
ووصف الرئيس عون كلام ليبرمان بانه "يشكل تهديداً مباشراً للبنان ولحقّه في ممارسة سيادته الوطنية على مياهه الاقليمية، يُضاف الى سلسلة التهديدات والانتهاكات الاسرائيلية المتكررة للقرار 1701 في الجنوب". وفيما نبّه الرئيس بري الى خطورة هذه التصريحات أصدر الرئيس الحريري بياناً جاء فيه أن "ادعاء ليبرمان ان البلوك 9 عائد لإسرائيل هو إدعاء باطل شكلاً ومضموناً، ويقع في إطار سياسات اسرائيل التوسعية والاستيطانية لقضم حقوق الآخرين وتهديد الأمن الإقليمي". وأكد "متابعة الحكومة اللبنانية خلفيات هذا الكلام مع الجهات الدولية المختصة، لتأكيد حقها المشروع بالتصرف في مياهها الإقليمية ورفض أي مساس بحقها من أي جهة كان، واعتبار ما جاء على لسان ليبرمان استفزازاً سافراً وتحدياً يرفضه لبنان". اما "حزب الله"، فقال إن تصريحات ليبرمان "هي تعبير جديد عن الأطماع الإسرائيلية المتواصلة في ثروات لبنان وأرضه ومياهه، وتندرج في إطار السياسة العدوانية ضد لبنان وسيادته وحقوقه المشروعة". وأضاف: "إننا إذ نعبر عن تأييدنا لمواقف الرؤساء الثلاثة وبقية المسؤولين اللبنانيين ضد هذا العدوان الجديد، نجدد تأكيد موقفنا الثابت والصريح في التصدي الحازم لأي اعتداء على حقوقنا النفطية والغازية والدفاع عن منشآت لبنان وحماية ثرواته".
والواقع ان المواقف الاسرائيلية من لبنان واصلت وتيرتها التصعيدية في الايام الاخيرة بما يرسم علامات استفهام وشكوك واسعة حول دلالات اندفاع الدولة العبرية راهنا نحو الوضع اللبناني الذي يكاد لا يمضي يوم الا وتطلق اسرائيل في شأنه تهديدات جديدة. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يتحدث أمس خلال مؤتمر عن الأمن في تل أبيب وقال: "عندما يطرحون عطاء يخص حقلا للغاز يشمل الامتياز 9 الذي هو ملك لنا بكل المقاييس... فإن هذا يمثل تحدياً سافراً وسلوكاً استفزازياً هنا". وأضاف: "الشركات المحترمة (التي تقدم عروضاً في المناقصة)... هي في رأيي ترتكب خطأ فادحاً لأن هذا يخالف جميع القواعد والبروتوكولات في حالات مثل هذه".
الاخبار: تفاهم لأجل التفاهم
لنعد بالزمن 12 عاماً. كانت الإشكالات شبه يومية بين شباب محلتي الشياح وعين الرمانة. لم يكن الجانبان يحتاجان إلى تمييز من يشتمونه في الجانب الآخر من الشارع. إلى أن، فجأة، في قلب كنيسة مار مخايل، على بعد عشرات الأمتار، وقّع الزعيمان، العماد ميشال عون والسيد حسن نصرالله، تفاهماً يظل استثنائياً في تاريخ لبنان المعاصر. وما بعده لم يعد كما قبله، فصار شباب المحلتين يتصرفون بطريقة مختلفة. حتى الموتورون بينهم، كانوا مضطرين إلى التمييز بين هذا أو ذاك عند حصول إشكال.
خلال سنوات الحرب الأهلية المقيتة، لم تترك جماعة لبنانية جماعة أخرى من شرّها، قبل أن ينتقل الشرّ إلى قلب كل جماعة بنفسها. حتى صار الشرّ هو ترياق العيش المشترك بين كل هذه الجماعات. لكن سنوات ما بعد الحرب، فرضت آلية خارجية لإدارة الحياة السياسية والأمنية والاقتصادية في لبنان. وكانت سوريا تملك تفويضاً أميركياً وسعودياً في إدارة الدفة، وتوزيع الغنم والغرم على جميع اللاعبين. فتقرر أن تحجب فلاناً عن المشهد، أو أن ترفع من شأن فلان، غير آبهة لغضب جمهور أو أهالٍ أو ناس.
بعد مقتل رفيق الحريري وخروج القوات السورية من لبنان، عاد اللبنانيون إلى هوية العيش المشترك بحب عنيف. وكادت الأمور تلامس حدود الانفجار مرات ومرات. لكن، في تلك الكنيسة الهادئة على تقاطع كله ضجيج، خرج التفاهم بين عون ونصرالله ليقفل الباب على أي محاولة لاستعادة نار الحرب الأهلية. ولما جربت إسرائيل تكرار احتلالها، كان هذا التفاهم أحد أبرز نقاط القوة في مقاومتها.
إلا أن التفاهم الموقَّع بين حزب الله والتيار الوطني الحر لم يقتصر مفعوله الإيجابي على تنظيمين وأعضائهما وبعض الجمهور. لقد خلق مناخاً عاماً، ساد مساحات تتجاوز نصف لبنان، وفرض على الآخرين، من داخل الطوائف نفسها أو من طوائف أخرى، التعامل معه كحقيقة قادرة على منع أخذ البلاد نحو فتنة جديدة. حتى فشلت كل محاولات الأميركيين والسعوديين في خلق بؤر تخترق هذا الهدوء، وظل الأمر ينتج انتصارات لهذا التفاهم، حتى وصل العماد عون إلى رئاسة الجمهورية.
قبل يومين، كنا في دفن الراحل مصطفى ناصر، في جبانة روضة الشهيدين في الشياح. بين الحاضرين شخص تربطه صلة بنواب من تكتل التغيير والإصلاح. كان يعبّر بضيق عما يجري في البلاد. صمت فجأة ثم قال: اتصل بي نائبان من التيار الوطني الحر، من دائرة بعبدا، وسألاني: نود المشاركة في مراسم الدفن، فهل تعتقد أن مشكلة قد تواجهنا إذا حضرنا إلى هذه المنطقة؟
ما الذي حصل، ما الذي يحصل؟
خلال الساعات الطويلة التي تلت حفلة تسريب الخطاب السخيف لجبران باسيل، وما أعقبه من تصرفات أكثر سخافة، ولو جاءت في معرض الاعتراض، بدا أنه يوجد في بيتنا من لا يأبه لحياة الناس، ومن لا يهتم لاستقرار البلاد، ومن يزعجه الهدوء والعيش الواحد. وبدا أنه يوجد في بيتنا، من يقول لنا صراحة، إن تقليد خطب الثائرين، أو صراخ أبناء الأزقة، هو ما تطرب له أذناه. وبدا أنه يوجد في بيتنا، من يعتقد أن بالإمكان إعادة الأمور إلى لحظات الانهيار العام. وبينما يتراشق المتعارضون خطباً وحجارة ورصاصاً، كان أهلهم، يبكون من رحلوا في الحرب المجنونة. وكان الجميع يعوِّل، من جديد، على من بيده الحكمة والتبصر والأمر، وها هو الجمع، ينظر من جديد، من خلف غبار الشوارع وفوق الأصوات الصبيانية، ليبحث عن يدين، لرجلين، ليس في لبنان الآن، غيرهما، من يقدر على الخروج إلى الشرفة ورفع الصوت: كفى ولدنة!
الجمهورية: الأمن يهتزّ من بوابة الحدث… و«التيار»: يُريدون إخضاعنا أو اجتياحنا
تتوالى الهزّات الارتدادية الناجمة عن الهزّة السياسية التي تسبّبَ بها تسريب كلام الوزير جبران باسيل بحقّ رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأثارت في الأفق غباراً رمادياً يحجب الرؤية عن السقف الذي سترتفع إليه والمدى الذي سيَبلغه هذا الاشتباك بين «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل»، بعدما أخذ منحى خطيراً ليل أمس في بلدة الحدث نتيجة إطلاق شبّان يَحملون أعلام «أمل» النارَ في الهواء، ما استدعى استنفاراً لشبّان البلدة وانتشاراً مسلّحاً لأهاليها ما لبث أن اختفى مع انتشار الجيش بكثافة.
عاشت بلدة الحدث في قضاء بعبدا ليلاً أمنياً صعباً، حيث سُجّل ما يُشبه الهجوم السّيار قامت به سيارات مدنيّة يرافقها عدد من الدرّاجات النارية في اتّجاه ساحة الحدث، في محيط «فرنسبنك» – ساحة الحداد، أطلق مَن فيها النارَ في الهواء ولاذوا بالفرار، ما أدّى إلى حالٍ مِن الغليان في المنطقة، فنزلَ عدد كبير من الشبّان إلى الشارع مع ظهور مسلّح، فيما حضَر الجيش سريعاً وانتشر في المنطقة وثبّت مواقعَه.
وقال مصدر أمني لـ«الجمهورية» إنّ هذا الأمر خطير ويجب أن ينال المهاجمون عقابَهم، خصوصاً أنّ ما حصَل لا يستهدف الحدث كبلدة إنّما يستهدف لبنان واستقرارَه. وأشار المصدر الى اتّصالات حصلت مع الجهات السياسية والحزبية، وبدأت ملاحقة المعتدين.
وقد استنكر عضو تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ألان عون عبر «الجمهورية»، والذي نزل الى الشارع للتهدئة، «دخولَ متهوّرين مدجّجين بسلاحهم الى الحدث»، منبّهاً من خطورة ما يجري، ومحذّراً من «محاولات تهديد ما بنيَ مِن تفاهمات طيلة الأعوام الماضية بين البيئتين». ودعا إلى «معالجة سريعة للوضع ووضعِ حدّ لِما يحصل قبل ان تتفاقم الأمور نحو الأسوأ»، مؤكّداً أنه «لا يجوز لهؤلاء المتهوّرين نسفُ كلّ ما بنيناه».
وفي السياق، روى رئيس بلدية الحدث جورج عون ما جرى، وقال لـ«الجمهورية» إنّ «عدداً من الشبّان دخلوا البلدة حاملين أعلام حركة «أمل» وأطلقوا النار في الهواء، ما دفعَ الأهالي الى الاستنفار، وقد أجرَينا اتصالات بقيادة حركة «أمل» فتنصّلت من الحادثة». وقال «إنّ الجيش انتشَر في المنطقة، وشباب الحدث الذين هبّوا دفاعاً عن بلدتهم تراجعوا بعد تدخّلِ الجيش وملاحقتِه مطلقي النار». بدوره، أكّد منسّق هيئة قضاء بعبدا في «التيار الوطني الحر» ربيع طرّاف لـ«الجمهورية»، أنّ الجوّ في الحدث ليس مريحاً أبداً وأنّ عناصر «أمل» دخلوا بأسلحتهم إلى البلدة وأطلقوا النار على ساحة الحدث». وأشار إلى أنّ «هذه المظاهر المسلحة دفعَت بأبناء البلدة للنزول إلى الأرض للدفاع عن بلدتهم وسط أجواء شديدة التوتّر»، نافياً أن «يكون التيار مسلّحاً». وشدّد على أنّ «الجيش عمل على ضبط الوضع والتهدئة».
في المقابل، قال الوزير علي حسن خليل عبر «تويتر»: «موقفنا واضح بعدم علاقة الحركة بما يجري في الحدث، ونركن جميعاً الى مرجعية الجيش في حفظ الأمن، ونعتبر أنّ زج اسم الحركة في هذه المسألة يهدف للتشويش على مصالح الناس وعلى القضية الاساسية. وهي محاولات ستفشل والأيام المقبلة ستُثبت أنّها ليست مسألة عابرة في وجدان الناس بل ستكون عبرة لمن تطاول».