ارشيف من :آراء وتحليلات
عن ’زياد الدويري’ وغيره: فليسقط المطبعون
أن يبتعد نظام حكم عن مواطنيه، ويخاصم أمانيهم، ويتسبب في أذى لشعورهم الوطني يوميًا، لم تعد –للأسف- قضية الساعة في مصر، بل صارت قضية كل ساعة استباحة البلد لقطعان المطبعين والمتعاملين مع العدو الصهيوني، وفتح مجالات الحديث العام أمامهم، حتى أصبحت الساحة الإعلامية حكرًا على أحباب بني صهيون.
أغلق نظام كامب ديفيد، الغارق في التبعية، مناخ الإبداع، وترك الساحة الثقافية تحت رحمة أحباب بني صهيون، وأصبحت الجوائز الأدبية تقاس بمدى القرب من ساحات السلام الزائف، ولم تقنع رصاصات غرست في قلب صاحب مبادرة الانبطاح، أو جنازته الخالية إلا من حضور منافقي الدولة ورؤساء وزراء الكيان العدو، من جاء بعده بأن نهايتهم في ركن سوداوي من الذاكرة الجمعية للمصريين.
فيلم لمطبع لبناني، زياد دويري، سيعرض في إحدى دور السينما، التي تدعى وزرًا مستقلة، وهي تبحث في حقيقة أمرها عن التمويل الأمريكي والأوروبي، وسط صمت الدولة، وانشغال الشارع بتداعيات بائسة لانتخابات رئاسية، لا تستدعي أحداثها إلا "البصق"، من أي وطني، يعلم كيف جعل أولو الأمر من دولة رائدة، مجرد مثل يضرب في سوء المصير.
المعارضة الملونة، صاحبة الصوت العالي، في مواجهة أي تحرش –أو نية تحرش- من النظام، سكتت، ولم تنطق، وما كان منتظرًا من أبناء بلد ارتضوا أن يصبحوا عمالة تابعة، إلا تصرف منحط كهذا.
التبعية قبل أن تخلق نظامها، كانت تهندس المعارضة أيضًا، ليصير حكم البلد بين أعوان، وإن اختلفوا شكليًا، فكلهم في العمالة سواء.
الرئيس المصري الحالي، الذي ما فتئ يشيد بخيارات السادات ويتغنى بتبعيته، يقول بأنه يبحث عن مستقبل، فهل يعتبر المستقبل تحت ظلال فنون وثقافة آل ساويرس، وجوائز آل ساويرس الأدبية، التي خلقت قطاعات من الكتّاب المصريين لا يبحثون إلا عن التوافق مع "شروط الفوز".
أخطر ما يمكن أن يحدث لبلد، أن تصبح القيم معروضة لمن يدفع، وقد تكفلت "كامب ديفيد" بتدمير المنظومة القيمية لعموم المصريين، وفيما حوّلت الوطن إلى جسد مستباح، قدست المال، وجعلته المعيار الأوحد للشرف، وبئس هكذا شرف.
يطالعنا وجه آل ساويرس، أغنى أغنياء مصر بملفات فساد فاضحة، فمن شركة محمول بدأت حكومية، وبيعت بقرار خارجي، لم يملك "مبارك" له دفعًا، تحولت الملايين إلى مليارات، ومن مصانع القطاع العام، التي اختلط فيها عرق العمال بدماء جنود خاضوا المعارك لتثبيت الاستقلال الوطني، استكملوا مسيرة السيطرة، وزادت المليارات، وتوسعت الاستثمارات، ومن قضايا تمرير مكالمات الشبكات المحلية إلى العدو الصهيوني، ولم تجد محاسبة، تعززت السيطرة، وباتت أسرة ساويرس تحكم بفعل المال، وما أقواه على ضعاف النفوس يملكون سلطة في حكم منبطح.
ساويرس –كحالة- لا يعبر إلا عن نخبة وكلاء الأجنبي، يستمدون قواهم من مشغليهم الخارجيين، لا يقوى نظام حكم على الوقوف بوجههم، ولهم في مواجهة شهيرة مع الرئيس الإخواني المعزول قصة شهيرة، تلخصت في أن حكومة هشام قنديل طالبت أحد أفرادها بضرائب مستحقة تبلغ 14 مليار جنيه مصري، وتشددت في المطالب، ثم فجأة، سكت الكلام، وارتضت الحكومة أن تغمد سيفها، بغير فعل، وتكرر الأمر مع النظام الحالي، في نسخة فيلمية سيئة الإخراج.
الوطن الذي يتهدد في عقله، ويبحث عن منفذ في مثقف، لا يجد في لحظته الآنية إلا متثاقف، يجيد الرطان الفارغ، ويقود –إن استطاع القيادة- إلى مهلكة في عراء.
والنظام الذي عجز عن تثبيت الحد الأدنى من مقومات الحفاظ على الوجود، وتراجع في كل ملف خارجي، ينكفئ داخل حدوده، ثم ينزوي أكثر داخل أسوار قصور السلطة والحكم، وكومباوندات الصفوة، ويظن أن السلاح قادر على حراسة أمّة ضاع عقلها تحت سنابك هجمة لم ترحم.