ارشيف من :صحافة عربية وعالمية
التطبيع الفني في تونس: فتّش عن بن علي
في صيف سنة 2010 فوجئ التونسيون بفيديو انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي لفنان تونسي يغني في إحدى الحفلات التي يحضرها يهود من أصول تونسية في فلسطين المحتلة، وهو يصيح على المسرح "يحيا بيبي"، قاصداً رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. تعرض هذا الفنان، واسمه محسن الشريف، إلى عملية عزل اجتماعي وحملة في مختلف وسائل الإعلام التونسية ومواقع التواصل الاجتماعي دفعته إلى الانسحاب من الساحة الفنية، ليختفي تماماً ممتنعاً عن إقامة حفلات.
في فبراير/ شباط 2017 تبجح فنان تونسي فى أحد البرامج الإذاعية المحلية بأنه زار الأراضي الفلسطينية المحتلة أربع مرات، وغنى في عاصمة الكيان الصهيوني. ويعتبر هذا الفنان، واسمه قاسم كافي، من الفنانين الشعبيين في تونس، وقد صدم التونسيين بما قاله. ولم يكتف كافي خلال المقابلة بذلك، بل أضاف أنه ليس الوحيد الذي غنى فى فلسطين المحتلة، وذكر فنانين آخرين هما كمال رؤوف النقاطي ونورالدين الكحلاوي. الجامع بين هؤلاء الفنانين إضافة إلى تطبيعهم مع الكيان الصهيوني أنهم يؤدون الأغاني التونسية الشعبية وهم في مرحلة متقدمة من العمر، أي أنهم من جيل السبعينيات، كما أنهم يعتبرون من فناني حفلات الأعراس التونسية ولا يقيمون حفلات فنية جماهيرية كبرى.
ردة فعل التونسيين على ما صرح به قاسم كافي اتسمت بحالة من الغضب والرفض للتطبيع واعتباره خيانة. "العربي الجديد" اتصلت بنقيب الفنانين التونسيين مقداد السهيلي الذي رفض الحديث عن قاسم كافي قائلاً: "هو ليس منخرطاً في النقابة ولا علاقة له بنقابة الفنانين". وأضاف ساخراً "ماذا سيترك قاسم كافي بعد وفاته كرصيد فني؟ لا شيء". أما عن التطبيع الفني مع الاحتلال، فقال السهيلي "النقابة مثل كل الشعب التونسي ترفض أي شكل من أشكال التطبيع، وهو أمر غير مقبول تحت أي ظرف".
أما أحمد الكحلاوي، رئيس الهيئة الوطنية لدعم المقاومة العربية ومناهضة التطبيع والصهيونية، فقال "طاعون التطبيع مستشر في قطرنا وجماعة السم في الدسم يعملون ليل نهار لتمرير الوباء الصهيوني. وهو ما يتطلب منا المزيد من العمل وتوحيد الجهود لتجريم هذه الآفة الضارة بسيادتنا الوطنية". وأضاف: "التطبيع كارثة تنتشر في عدة قطاعات، كالإعلام والثقافة والبحث العلمي، وثمة متنفذون يشجعون عليه، وليس أمامنا سوى مناهضة التطبيع وتجريمه".
المتنفذون الذين أشار إليهم أحمد الكحلاوي قد يكونون من الفاعلين السياسيين، فقاسم كافي الذي تبجح بالغناء في إسرائيل مع مجموعة من الفنانين الآخرين حمّل المسؤولية للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي الذي كان يفرض عليهم السفر إلى فلسطين المحتلة والغناء فيها. رواية تتقاطع مع أخرى ذكرها البشير التركي، المسؤول التونسي السابق عن إدارة الاتصالات بوزارتي الدفاع والداخلية التونسيتين، حين قال إن الرئيس التونسي المخلوع كانت تجمعه علاقات وثيقة بإسرائيل ومنها الموساد الإسرائيلي. وأضاف التركي أن "أول تونسي كشف علاقة بن علي بالموساد طالب، كشف ذلك من خلال قيامه بعملية قرصنة لأجهزة بن علي تمّ قتله على أثرها".
يذكر أن التطبيع مع الكيان الصهيوني لم يقتصر على الحفلات الغنائية التي يحييها بعض الفنانين التونسيين للإسرائيليين من أصول تونسية، بل شمل أيضا مجالات أخرى مثل السينما، حيث اتهمت المخرجة التونسية نادية الفاني بزيارة إسرائيل والمشاركة في مهرجان سينمائي بها. كما شمل التطبيع البحث العلمي، حيث اتهم الحبيب الكزدغلي، العميد السابق لكلية الآداب في منوبة ــ واحدة من كبرى الجامعات التونسية ــ بالتطبيع العلمي مع الكيان الصهيوني.
التطبيع إذاً بات يشمل العديد من المجالات رغم حالة الرفض الشعبي التي جوبه بها، وهو ما برز من خلال حملة بدأت في تونس سنة 2011 وتتواصل إلى حدّ الآن تطالب بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني وإدراج فصل في الدستور ينص على ذلك.