ارشيف من :نقاط على الحروف
حين يستبسل الإعلام العربي في الدفاع عن الكيان الغاصب: سقوط الطائرة الصهيونية مثالاً
بدا الإعلام العربي الناطق بالعبرية "مصدومًا" وهو ينقل خبر قيام الدفاعات الجوية السورية بإسقاط إحدى المقاتلات الصهيونية المعتدية على السيادة السورية فوق الأراضي المحتلة، لكن ذلك لم يمنعه من مقاربة الموضوع من زاوية أخرى غلبت فيها سياسة "التذاكي" والزعم بأن ما قام به الجيش السوري كان لأجندات بعيدة كل البعد عن اعتبارات السيادة الوطنية ولحساب قوى "دولية وإقليمية تهيمن على القرار السوري"، ودون أن يتردد على الإطلاق وعبر شاشاته المزودة بأحدث التقنيات في إفساح المجال الأكبر أمام الرواية الصهيونية التي حاولت جاهدة إفراغ الحدث من قيمته الاستراتيجية وتصوير "إسرائيل" على هيئة من تخرج منتصرة كما في كل مرة.
فصول الاستغباء الإعلامي
لطالما عاب الإعلام العربي الناطق بالعبرية على الجيش والقيادة السورية عدم مواجهة الطائرات الصهيونية المعتدية على السيادة السورية، وكانت بيانات الجيش السوري التي تتحدث عن "الرد في الزمان والمكان المناسبين" مادة للتهكم والسخرية عند أولائك الذين لم يجدوا يوما في سلوك الكيان الغاصب ما يثير حفيظتهم الوطنية، وعندما بدأ السوريون بالرد على الغارات الصهيونية بعد البدء بترميم قدراتهم الدفاعية التي باشر "ثوار الناتو" استهدافها لغاية "في نفس نتنياهو" في وقت مبكر جدا من الأزمة ولأسباب لا ترتبط منطقيا بما كان يقال حينها عن "المظاهرات السلمية المطالبة بالحرية والإصلاح".
على الرغم من ذلك، لم يغير الإعلام العربي من أسلوبه المشكك واصفا الرميات السورية على الطائرات والصواريخ الإسرائيلية بأنها "رميات دعائية" يراد منها رفع أسهم "النظام السوري محليا وعربيا" مع التشكيك في جدية الصواريخ السورية في إسقاط الطائرات الصهيونية المعتدية، ومع نجاح منظومة الدفاع الجوي السوري في إسقاط طائرة الـ "F 16" الصهيونية، التي تعدُّ مفخرة الصناعة العسكرية الأمريكية لم يكن أحد يتوقع أن يهلل الإعلام العربي الناطق بالعبرية للأمر نتيجة العلم المسبق بالخلفية السياسية التي تربط هذا الإعلام بأنظمة عربية وجدت في "إسرائيل" سياج الأمان الذي يحميها من أية حركة تحرر، ستصدم تلقائيا بهذه الأنظمة الموسومة تاريخيا بالعمالة والرجعية، لكن سطوة حقيقة اسقاط الطائرة " افترضت بأن يجبر هؤلاء على التحلي ببعض الواقعية في مقاربة الأمر، بيد أن شيئا من هذا لم يحصل وبدلا من التسليم بممارسة السوريين لـ "فعل السيادة" الذي أعاد للأمة بعضا من روح الكبرياء فإن القنوات العربية لجأت إلى محاولة تسخيف الحدث وسوقه في إطار" تصفية الحسابات الدولية والإقليمية بين كل من واشنطن وموسكو وطهران وأنقرة" وتصوير دمشق بموقع من يتصرف بسياسة "الإملاء" من قبل حلفائها الروس والإيرانيين.
تبني الرواية الصهيونية
فأغلب هذه القنوات تعاملت مع حادثة إسقاط الطائرة رغم ما تنطوي عليه من أبعاد استراتيجية لا يمكن تجاهلها على أنه "انتقام روسي" من واشنطن بالدرجة الأولى ومن تركيا بالدرجة الثانية على حادث إسقاط طائرة السوخوي الروسية فوق ريف إدلب قبل أيام، وما قالت تسريبات روسية بأنه جاء على خلفية "قيام واشنطن بتزويد الفصائل المسلحة المرتبطة بها هناك بصواريخ موجهة" بغية لجم الطيران الروسي الذي أحال الأرض جحيما تحت أقدام الإرهابيين هناك ودون ان يعفي الروس تركيا ضمنيا من " التواطؤ" حيال هذا الأمر، ما استدعى عقابا لاحقا لها بسقوط إحدى طائراتها فوق عفرين من خلال " دور روسي ما " كما زعمت الكثير من وسائل الإعلام العربية، إيران كذلك صورت وفق الإعلام العربي وكأنها تتخذ من سوريا صندوق بريد لرسائلها السياسية والميدانية التي توجت بـ " رسم الخطة الميدانية التي انتهت بإسقاط المقاتلة الصهيونية" وهي المتهمة تاريخيا عند هذا الإعلام المتفلت من أي ربط منطقي بين أخباره المتناقضة بأنها "متواطئة تاريخيا مع الصهيونية" ضد العرب وإن كانت "تعلن خلاف ذلك".
الإعلام العربي جعل من نفسه منبرا للقادة الصهاينة و"تسويق روايتهم عما جرى" وتبني هذه الرواية تلقائيا، تجلى ذلك في التركيز على الوعيد الصهيوني تجاه "طهران ودمشق بعدم اللعب بالنار" والتفاعل التام مع ما قالته المصادر العسكرية الصهيونية عن تدمير "أهداف ومواقع إيرانية" في سوريا والتركيز كذلك على ما ساقه الصهاينة من إدعاءات بأن "الدفاعات الجوية السورية تعرضت لأكبر ضرر لها منذ ثمانينيات القرن الماضي على يد الطائرات الإسرائيلية" فضلا عن تصوير الهجمات الإسرائيلية على أنها "رد فعل مشروع" على فعل " التحرش الإيراني بـ "إسرائيل" عبر طائرة مسيرة من دون طيار".
إحدى الفضائيات العربية تحدثت عن "ردود فعل مختلفة" على مواقع التواصل الاجتماعي حول حدث إسقاط الدفاعات الجوية السورية للطائرة الصهيونية، ما يوحي بوجود مواطنين عرب متبنين ومباركين لبطولة الجيش السوري لكن اختلاف ردود الأفعال الذي قرأته مذيعة هذه الفضائية كان فقط من زاوية "مصلحة ودوافع كل من روسيا وإيران في إسقاط الطائرة" ليس اكثر ولم تورد من تطلق على نفسها "قناة الرأي والرأي الآخر" أي تعليق من أي مواطن عربي على هذه الصفحات يثني على خبر إسقاط الطائرة؛ فوفق استنتاجاتها هذه فإن "النظام السوري لم ينجح من خلال إسقاط هذه الطائرة في خداع ولو فرد واحد من ملايين العرب الذين باتوا معصومين من " ألاعيب هذا النظام المرتبط بملالي إيران" حتى أن المهزلة وصلت ببعض "عباقرة التحليل السياسي" وعلى قناة عربية أخرى للقول بأن "إسرائيل" أرسلت طائرتها هذه لـ " تُقصَف وتسقط " حماية منها لـ "نظام الأسد الآيل للسقوط عبر تصويره مجددا كعدو لإسرائيل ما يستدعي عودة الشارع العربي للانخداع بهذا النظام الذي يبقى حاجة إسرائيلية".
حفلة "خفة" وهستيريا غضب تلك التي أصابت الإعلام العربي الناطق بالعبرية بعد زلزال إسقاط الطائرة الصهيونية وما أوردناه هو غيض من فيض الابتذال الذي طبع الشاشات العربية التي وقفت إلى يمين "إسرائيل" في محنتها الاستراتيجية هذه، لكن هذا كله لا يفيد وربما يأتي بنتائج عكسية نظرا لما احتواه من استخفاف بالعقول وجنوح نحو الكيدية العمياء فيما يبقى الحدث الأبرز الذي لا يعتريه أي شك وهو أن "إسرائيل "رفعت مع حطام طائرتها المتناثر حطام عنجهيتهم كذلك.