ارشيف من :آراء وتحليلات

معادلة المقاومة إلى ما بعد تل أبيب

معادلة المقاومة إلى ما بعد تل أبيب

محمد الحسيني
أربعة وثلاثون عاماً وخط الشهادة والانتصار يمتدّ ويتعاظم، منذ أن أوقدت دماء الشيخ راغب حرب شعلة المواجهة عام 1984 وسعّرتها دماء السيد عباس الموسوي عام 1992 وتوّجتها دماء عماد مغنية عام 2008، وعلى مدى هذه الأعوام أصبح شهر شباط سيد الشهور لأنه اقترن بمحطات عز واقتدار، واستشهاد قادة صنعوا الانتصار، وخطّوا حروف المجد في كتاب أمة باتت قادرة على صوغ تاريخها ورسم مسار مستقبلها بشعبها وجيشها ومقاومتها، ليأتي العام 2018 وقد أصبحت هذه الأمة تعي مصيرها وتملك قرارها وتفرض كلمتها في المعادلة، وتصبح الرقم الصعب العصي على الإلغاء أو الاختزال.

المقاومة ونسيج الوطن

انتصرت المقاومة أولاً في معادلة الوجود فأكّدت جوهر حضورها منذ الطلقات الأولى ضد قوات الاحتلال، ولا سيما خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، و لم تستسلم أو تيأس على قلة عديدها وعتادها وعلى الرغم من حصارها ومحاولات إضعافها وإلغائها وإلهائها، ولم تقف عند كونها مجموعات قليلة استجمعت شبابها وسلاحها من بيوت الفقراء، وتعملقت لتصبح تياراً مقاوماً غرّد خارج سرب الاستسلام واليأس والهروب، وانتصرت المقاومة ثانياً حين تعمّدت بدماء شهداء مجاهديها وقادتها من رأس الهرم حتى قاعدته، فكانت دماء السيد عباس الموسوي الدافع والزخم الذي أعطى للمقاومة هويتها الراسخة في نسيج الوطن، وكانت دماء الحاج رضوان قائد الانتصارين في أيار 2000 وتموز 2006.

مثلث المواجهة 

وانتصرت المقاومة ثالثاً في أن تكون لغة الناس فشكّلت حروف وجدانهم، فهي ليست جسماً غريباً خارجاً عن السياق بل هي في صلب المجتمع والشعب بآلامه وأوجاعه وصبره وصموده، فكانت ولا تزال تعبيراً عن آمالهم وطموحاتهم، وكانت على قدر هذه الآمال في لملمة جراحهم وحمايتهم من غدر العدوان وقهر الحرمان، فكانت ولا تزال من الناس ولهم، وشكّلت الظهير القوي للجيش اللبناني الذي بات يشكل اليوم أحد ركائز مثلث المواجهة فلم يعد ذلك الجيش الضعيف الذي يستخف به العدو، وانطلق ليسطّر فصلاً متمايزاً من فصول الوطنية في مواجهة الاحتلال والتكفيريين جنباً إلى جنب مع المقاومة ومسنوداً بثقة الشعب الذي محضه الثقة والدعم.

لبنان والكلمة الفصل

والمقاومة اليوم هي حجر الرحى ومحور الجاذبية، تحفظ التوازن وتدعّم أركان الأمة بقدراتها التي تحوّلت من بندقية خجولة إلى مدافع تدكّ مواقع الاحتلال ومن رصاصة إلى صواريخ تطال عمق الوجود الصهيوني الدخيل، ومن مجموعات قليلة إلى مدّ من الشباب لا ينضب ويتوزّع على الجبهات ويحقق الانتصار تلو الانتصار، وفي ذلك محطات أخذت بلبنان إلى قلب المعادلة فلم يعد ذلك الحكم الذي يتلقى الايعاز بل أصبح ذلك الكيان الذي يمتلك الكلمة الفصل وفعالية الأثر والفعل، وتحوّل الخوف والاختباء والانكفاء إلى بأس وتحدٍّ ومبادرة، وانقلبت الصورة لينكفئ جنود العدو إلى جحورهم وينتشر الشعب على الحدود المحرّرة بكل شموخ وإباء.

معادلة التكافؤ

حققت المقاومة الانتصارات بعد أن ولى زمن الهزائم، وليس في هذا الشعار أدبيات رومانسية بل هو فعل واقعي يقرّ به العدو قبل الصديق، وأصبح لبنان قوياً بقوته ومقاومته وجيشه وشعبه وليس بضعفه كما كانت تروّج له سياسة الانهزام، ولم تعد التهديدات بالحرب التي تنطلق من فترة إلى أخرى تدعو إلى الخوف بل تدفع إلى التحفّز والجهوزية من منطلق الاطمئنان إلى أن زمن التقوقع قد ولّى أيضاً، فأي اعتداء من قبل الاحتلال سيلقى رداً أقوى وباتت المعادلة متكافئة وأكثر، فالمدينة بالمدينة والقرية بالمستوطنة والمصنع بالمصنع والجسر بالجسر ومنصات النفط بمنصات النفط .. وصواريخ المقاومة ستطال كل مواقع العدو على امتداد فلسطين كل فلسطين من الحدود الشمالية حتى ميناء العقبة، ومجاهدو المقاومة ينتظرون الموعد لزيارة الجليل.

إلى ما بعد تل أبيب

بعد 34 عاماً وفي شهر القادة الشهداء لم تعد المقاومة كما كانت ولم يعد لبنان كما كان ولم يعد العدو أيضاً كما كان، ولم تعد مقولة العين تقاوم المخرز صالحة للاقتداء، فاليوم أصبح هناك مخرز يكسر المخرز ويرد الصفعة بموجة من الصفعات، ولئن تحدث العدو عن 150 ألف صاروخ تمتلكه المقاومة فهذا يعني أن لا قبة حديدية ستحميه ولا منظومات الباتريوت يتقدر على رد وابل الصواريخ التي ستنهمر على مواقعه وثكناته ومقراته وحتى على مراكزه السياسية والأمنية في قلب تل أبيب، ولن تفلح طائراته الحربية في حسم المعركة فالالتحام سيكون سيد الميدان وعلى العدو أن يعمل منذ الآن على بناء خطوطه العسكرية ليس في مستوطنات شمال فلسطين، بل على حدود نتانيا ويافا وحيفا وما بعد ما بعد تل أبيب.

2018-02-15