ارشيف من :أخبار لبنانية
كيف تنقذ الحكومة موازنتها العامة من العجز؟
لم يكن الإعلان عن عجز يتسلّل الى موازنة العام 2018 بالشيء الجديد. فهذا الأمر بات قدراً يلازم خزينة الدولة على مدى عقود من الزمن. إلا أنّ الحديث عن أرقام قياسية لهذا العجز -مقارنة بالسنوات الفائتة- تصل الى حد العشرة آلاف مليار ليرة، يُعتبر "جريمة" موصوفة بحق خزينة الدولة. منسوب القلق يرتفع من العواقب اللامحدودة التي قد تنتج. فالنسب المخيفة دقّت ناقوس الخطر تلقائياً. أولى المتأثرين بالعجز يكاد يكون مؤتمر "سيدر1" المزمع عقده في باريس. المؤتمر الإصلاحي الذي يحتّم على لبنان أن يحمل اليه رؤيته الاقتصادية لفترة السنوات الخمس المقبلة، يسبقه الحديث عن "كارثة" تطال المالية العامة. وهو ما يضع أمام المسؤولين إصلاحات كثيرة لإنجازها. إصلاحات تفرضها الوثيقة التي يتم إعدادها. لبنان الرسمي منهمك بالصورة التي سيقدمها الى هذا المؤتمر. العجز يزعزع الثقة بأي بلد، فكيف اذا كان كبيراً. الأمر الذي دفع برئيس الجمهورية ميشال عون وفي الجلسة الأولى لمناقشة الموازنة الى التشديد على أن "العجز يحتاج الى إجراءات لخفضه". فما هي أسبابه؟ وكيف السبيل لموازنة يبلغ فيها حداً مقبولاً؟.
بداية، وبما أنّ العجز وفق المنطق الإقتصادي هو الرصيد السالب للميزانية العامة للدولة، والناتج عن كون النفقات تفوق الإيرادات، لا بد من البحث في اتجاه النفقات التي سبّبت هذا العجز. عضو كتلة التنمية والتحرير النائب ياسين جابر، يعتبر أن أكثر إنفاق يُرهق خزينة الدولة يُصرف في قطاع الكهرباء منذ سنوات طوال. هذا القطاع كلّف الخزينة 20 مليار دولار خلال السنوات العشر الماضية. وفق قناعاته، لا بد من القيام بإصلاحات عديدة في هذا القطاع لضبط الهدر، وتخفيض العجز. أولى هذه الإصلاحات تبدأ، من وجهة نظره، بتعيين رئيس مجلس إدارة لمؤسسة كهرباء لبنان، وتطبيق القوانين الصادرة عن المجلس النيابي لإعادة هيكلة هذا القطاع.
من الهدر في قطاع الكهرباء، ينتقل جابر الى الحديث عن الإنفاق الكبير الذي يُصرف على الرواتب والأجور. هو لا يمانع "المعاشات" المحقة للموظفين، لكنه يدعو في حديث لموقع "العهد" الإخباري الى ضرورة تفعيل عمل هيئة التفتيش المركزي، ليتناسب حجم الأجور مع الكفاءة والإنتاجية في العمل. ولا ينسى جابر التأكيد على ضرورة التقشف في المؤسسات والوزارات التي تُنفق أموالاً طائلة على أمور ليست ضرورية كإجراء تغييرات في التجهيزات كل عام أو الديكورات. يُشدد المتحدّث على أهمية تخفيض الهدر في قطاع الإتصالات الذي يسوده الكثير من "التسيب". برأي جابر، العجز لا يقتصر على الأرقام؛ إنه عملية نفسية يحتّم علينا كلبنانيين العزم على حل هذه المشكلة وعقد النية للتخفيف من الأعباء التي ترهق كاهل الخزينة".
يُعرب الخبير الإقتصادي د. غازي وزنة عن قلقه من الأرقام المخيفة التي بلغتها نسبة العجز في موازنة عام 2018. برأيه، الأرقام غير مريحة اقتصادياً ومالياً وغير مشجّعة في الوقت نفسه لمؤتمر باريس. الموازنة المطروحة على طاولة الحكومة لا تتضمن خطوات إصلاحية ولا رؤية اقتصادية أو اجتماعية. العجز مرتفع بشكل "مخيف". أرقامه تقارب العشرة آلاف مليار ليرة. يُعرّج وزنة على الأسباب المتعددة التي ولّدت العجز المذكور، والتي تتمثّل فيما يلي:
1- ارتفاع حجم الرواتب والأجور في عام 2018 مقارنة بالعام 2017، والذي زاد ما يقارب 2500 مليار ليرة.
2-زيادة خدمة الدين العام لأكثر من 1300 مليار ليرة.
3- ارتفاع حجم النفقات الإستثمارية لأكثر من 500 مليار ليرة.
يشدد وزنة على أن هذا العجز المرتفع يضع لبنان في موقف دقيق وصعب في المؤسسات المالية الدولية. فمؤتمر باريس الإستثماري كان يقضي بأن تكون الموازنة تقشفية بامتياز. وهنا يتطرّق الخبير الإقتصادي الى الخطوات التقشفية الإنقاذية التي من الممكن أن تخفّف العجز على خزينة الدولة، ويقتصرها بالآتي:
1- وقف التوظيف الذي ارتفعت أرقامه لأكثر من 2000 وظيفة العام الماضي، والأمور تسير نحو التفاقم في هذا الإطار، فمئتي وظيفة جرى ضخها في وزارة الصناعة فقط الأسبوع الماضي
2-العمل على التخفيف من خدمة الدين العام، فلدى الحكومة في مصرف لبنان 10 آلاف مليار ليرة؛ عليها استعمال 4 آلاف منهم لتسديد عجزها، لأن ذلك يوفر أكثر من 280 مليار ليرة
3- توجه الحكومة لإقامة مشاريع استثمارية عن طريق الشراكة بين القطاعين العام والخاص أو استعمال القروض الخارجية لديها
4- البدء بمباشرة الإصلاح في مؤسسة كهرباء لبنان على أن يتم ذلك بشكل شفاف وواضح عبر دائرة المناقصات، وأن تكون زيادة التعرفة بشكل مدروس لا عشوائياً
وفي الختام، يُشدّد وزنة على أن الخطوات المذكورة ضرورية لضبط العجز في المالية العام والذي وصل الى مستويات قياسية. وفق حساباته، يبلغ العجز حوالى 11 % من الناتج المحلي، أي أكثر بـ2 % من العام الفائت، وهو رقم ينبغي الحذر الشديد منه وضبطه ومحاولة تخفيفه قدر الإمكان، وإلا فوضع الخزينة يسير نحو المجهول" يختم وزنة.