ارشيف من :آراء وتحليلات

البرنامج النووي السعودي: المصالح واللاعبون والحسابات

 البرنامج النووي السعودي: المصالح واللاعبون والحسابات

محمد علي جعفر
(باحث في إدارة المنظومات والشؤون الاستراتيجية)

تعيش المنطقة مرحلةً دقيقة تتداخل فيها الحسابات الإستراتيجية للأطراف الدولية والإقليمية. حيث يبدو الصراع الدولي على منابع الطاقة في المنطقة، ليأخذ مساراً مفصلياً يمتد من الغاز في شرق البحر المتوسط ويطال الخيارات الإستراتيجية لبعض الأطراف. ومن ضمن تلك الخيارات، بدأ الحديث عن الصراع الدولي حول الخيار السعودي الجديد الهادف لبناء مفاعلاتٍ نووية. خيار تختلط فيه حسابات الأطراف الدولية مع المصالح السياسية، في وقتٍ قد تتغلب فيه المصالح على الإعتبارات. فكيف يظهر التهافت الدولي لإحتضان الخيار السعودي؟ ولماذا تسعى واشنطن لذلك أكثر من الجميع؟

 البرنامج النووي السعودي: المصالح واللاعبون والحسابات
صراع دولي حول خيار السعودية


عدة مسائل تشرح الخيار السعودي وتُبرز مساعي الأطراف لا سيما واشنطن، نُشير إليها فيما يلي:
أولاً: يمكن اعتبار مسارعة واشنطن لاحتضان الخيار السعودي الهادف لبناء مفاعلات نووية، محاولة أمريكية لمنع التوجه السعودي الى كل من الصين وروسيا كأطراف دولية أو الى فرنسا التي تسعى دوماً لإغتنام الفرص الإستراتيجية في الشرق الأوسط. لكن هذه المسارعة الأمريكية تلقى معضلة داخلية تتمثَّل برفض الديمقراطيين والمَبني على عقبات قانونية أمريكية بالإضافة الى اعتبار مساعي الإدارة الأمريكية الحالية لدعم الخيار السعودي، أمراً يصعب إيجاد مُبررات له لا سيما أنه يتناقض مع السياسة الأمريكية المُتبعة حالياً تجاه الدول الساعية للتعاظم في المجال النووي وتحديداً إيران.
ثانياً: رغم هذا الاختلاف، تعتبر الولايات المتحدة أن هدف استحواذ الأولوية في الخيار السعودي أمراً ضروروياً لأسباب تتعلق بالصراع الاستراتيجي القائم بينها وبين كل من روسيا والصين. في حين تعرف واشنطن أن دون ذلك العديد من العقبات والتي تتعلق بطبيعة المصالح بين السعودية من جهة وكل من روسيا والصين من جهة أخرى. حيث تُمثل كل دولة من هذه الدول، فرصة دوليَّة بالنسبة للرياض، يُضاف اليها قبول هذه الأطراف تقديم المساعدة التكنولوجية في هذا المجال وهو ما تمنعه القوانين الأمريكية على واشنطن. يُضاف الى ذلك أن الصين تُعتبر أكبر مستورد للنفط السعودي في حين تُعتبر روسيا اللاعب الأساسي الذي يُشارك السعودية في فرض معادلات السوق العالمية.
ثالثاً: يجب الالتفات الى المصلحة الإسرائيلية مما يجري، وكيفية مقاربة تل أبيب لهذا الخيار، خصوصاً أن التنسيق الاستراتيجي بينها وبين الرياض قائم. لكن على الرغم من ذلك، يبدو أن حسابات الأطراف صعبة هذه المرة. في وقت يسعى الأمريكي لإيجاد حل يجعله الأولوية بالنسبة للخيار السعودي. فالمصلحة الأمريكية تقتضي عدم إدخال روسيا أو الصين في لعبة المصالح التي يُشكلها الخيار السعودي لأهداف تتعلق مباشرة بمحاولة أمريكا منع الأسباب الإضافية للتعاظم الروسي في المنطقة من جهة والنفوذ الإقتصادي العالمي للصين من جهة أخرى. وهو ما تلتقي فيه أمريكا مع أوروبا الساعية لإيجاد بديل عن الحاجة لروسيا كمصدر للطاقة. كل هذه الحسابات التي يعرفها الطرف الإسرائيلي، يُضاف اليها الموقع الجيوسياسي للكيان الإسرائيلي (الغاصب) وما يسعى له في لعبة مصالح الطاقة الجديدة في المنطقة، تجعله طرفاً مؤثراً في هذا المجال.
رابعاً: تبرز المساعي الإسرائيلية بشكل واضح ومن خلال تصريحات المسؤولين الإسرائيليين لتكون داعمة للخيار السعودي ولجعل أمريكا الطرف الأساس في الصفقة السعودية لأهداف تتعلق بقدرة الكيان الإسرائيلي على لعب دور المُقايض بين الطرفين، حيث أن وجود واشنطن في الملف يضمن لتل أبيب القدرة على إدارة هذا الخيار مستقبلياً لصالحها. وهو ما لن تجده تل أبيب في حال توجهت الرياض لروسيا والصين. فيما قد ينعكس مستقبلاً ثمن الدعم الإسرائيلي للسعودية، على الملف الفلسطيني بما فيه صالح الكيان الإسرائيلي!
رغم التناقض الدولي في المصالح الاستراتيجية يبدو واضحاً وجود تهافتٍ لدعم الخيار السعودي. وهو ما يتعارض مع توجه الدول الكبرى لا سيما فيما يخص برامج حظر انتشار الأسلحة النووية. فيما بات التوجه السعودي لبناء مفاعلات نووية، محط صراع دولي بين كل من أمريكا وروسيا والصين لإعتبارات تتعلق بأبعاد هذا التوجه الإقتصادية والمؤثرة بالنتيجة على النفوذ الدولي لهذه الأطراف في منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط) ومعادلات الصراع الدولية وهو ما سيُحرك بالنتيجة حسابات الأطراف الإقليمية لا سيما تل أبيب، الساعية لتجيير كافة السياسات والمشاريع لصالحها. فهل تحل المصالح الإقتصادية للدول لتتغلَّب على القواعد السياسية؟

2018-02-23